بلومبيرغ | الجوانب السلبية للخط الأحمر الذي رسمه بايدن لبوتين حول الهجمات السيبرانية

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

هل رسم الرئيس جو بايدن خطًا أحمر للزعيم الرئيس فلاديمير بوتين؟ عندما وصف بايدن التحذير الذي أصدره لبوتين فيما يتعلق بالهجمات السيبرانية، بدا الأمر وكأنه كذلك بالتأكيد. هذا أمر مفاجئ وربما يكون إشكاليًّا، لكنه قد يحقق تقدمًا تمسّ الحاجة إليه من أجل صياغة معايير وقواعد في الفضاء السيبراني.

وصف بايدن تسليمه بوتين قائمة تضم 16 كيانًا للبنية التحتية التي يُمنع المساس بها، بأنه “اقتراح”. لكنه كان اقتراحًا غريبًا بالفعل، لأنه كان مرفوقًا بوعد بعواقب وخيمة في حال تعرّضت تلك المواقع للقرصنة. بعد قمة يوم الأربعاء، وردًا على سؤال بشأن العقوبات التي قد تترتب على هجوم كهذا، ذكر بايدن “لقد أوضحت له أن لدينا قدرات سيبرانية مهمة. وهو يعلم هذا. هو لا يعلم بالضبط ما هي، لكنها مهمة. وفي حال انتهكوا هذه المعايير الأساسية، سيكون ردنا سيبرانيًا. هو يعلم هذا”.

وكشف بايدن أيضا أنه سأل بوتين عن شعوره لو تعطلت خطوط أنابيب روسية بسبب فيروس الفدية. كان يمكن أن يكون ذلك مجرد سؤال عادي، لكن من المرجح أن بوتين اعتبره تحذيرًا، لا سيما بالنظر إلى أن مثل هذه الأنابيب هي بمثابة شريان حياة للاقتصاد الروسي، حيث يشكل النفط والغاز نحو ثلث إنتاج البلاد المحلي.

كان ذلك الخط الأحمر مفاجئًا لسببين. الأول، بالرغم من أن فكرة استخدام الخطوط الحمراء في العالم السيبراني نوقشت نقاشًا مستفيضًا، إلا أنه لم يُنظر إليها عمومًا باعتبارها فكرة جيدة. في سبتمبر 2016، عندما كان بايدن نائب رئيس، أوضح “كيفين ماكلافلين”، نائب رئيس القيادة السيبرانية الأمريكية، أن الولايات المتحدة قررت عدم رسم “خطوط حمراء” في الفضاء السيبراني: “الغموض، وليس تقييد نفسك، هو الطريقة التي تفضل حكومتنا اتباعها في فعل هذا”.

وبالطبع، تغيّر الكثير في مجال التكنولوجيا منذ ذلك الوقت، لكن فكرة الاحتفاظ بحرية الردّ على هجمات سيبرانية بالطريقة التي تراها الولايات المتحدة مناسبة، لا تزال أمرًا مهمًا.

ثانيًا، بالنسبة لبايدن والعديد من مسؤولي الإدارة الكبار، فإن الفشل فيما يتعلق بخط أوباما الأحمر الذي رسمه لنظام بشار الأسد في سوريا، لا يزال بالتأكيد محفورًا في عقولهم. في مؤتمر صحفي في العشرين من أغسطس 2012، أخبر أوباما صحفيين: “لقد أوضحنا لنظام الأسد أن هناك خطًا أحمر بالنسبة لنا، وذلك عندما نبدأ في رؤية أسلحة كيماوية يتم نقلها أو استخدامها. هذا سيغيّر حساباتي”.

وبالرغم من أن ذلك التصريح كان يبدو في بداية الأمر أن له تأثيرًا رادعًا، لكن بنهاية العام رصدت الإدارة علامات على استخدام أسلحة كيماوية. في أغسطس من العام التالي، أسفر هجوم واسع بالأسلحة الكيماوية في ضواحي دمشق عن مقتل ما يزيد على ألف سوري. وما تبع ذلك كان فوضى في العلاقات الخارجية، إذ تحدثت الإدارة عن ضربات عقابية، لكن الرئيس تراجع لاحقًا عندما لم يجد دعمًا في الكونغرس للقيام بعمل عسكري.

إن فشل أوباما في الدفاع عن خطه الأحمر لفت أنظار الحلفاء والخصوم حول العالم، ما أسقط مصداقية أمريكا في الدفاع عن المعايير التي زعمت أنها تلتزم بها، كما أن إصدار خط أحمر لبوتين ستكون له تداعيات محتملة تشبه تداعيات تهديد أوباما للأسد. إن هذا الخط الأحمر يحدّ من مرونة الإدارة في الردّ على هجمات سيبرانية، كما أن احتمال الفشل في تطبيق هذا الخط الأحمر سيضرّ بمصداقية أمريكا في وقت يحرص فيه بايدن على إظهار عزيمة أمريكا الصلبة في مواجهة بوتين وبقية العالم، لا سيما الصين.

علاوة على هذا، فإن تحديد بايدن للكيانات التي يتوجب حمايتها، ربما يجعل المواقع الأخرى أهدافًا مستباحة.

أخيرًا، فإن اتهام الدولة الروسية – بدلًا من اتهام المجرمين السيبرانيين الذين أطلقوا فيما يبدو الهجوم السيبراني على خط أنبوب كولونيال بايبلاين- بالمسؤولة عن أي عملية هجومية، ربما سيكون أصعب بكثير من تحميل نظام الأسد مسؤولية استخدام أسلحة كيماوية. أقرّ بايدن في مؤتمره الصحفي أنه ما من فرق كبير بين الحكومة الروسية وتلك الجهات غير التابعة للدولة. في إشارة إلى هجمات فيروس الفدية الأخيرة، قال بايدن عن نظام بوتين “لا أظن أنهم خططوا لذلك”.

ولا يملك المرء إلا أن يتمنى أن يوضح بايدن لبوتين جليًّا أنه سيتحمل مسؤولية أي هجوم سيبراني على أمريكا – وأن الحكومة الأمريكية لديها ثقة بأن بوتين لديه القدرة على السيطرة تمامًا على هذه الجماعات إن أراد.

وهناك استثناء في المقارنة مع خط أوباما الأحمر، وهو أنه في حال واجهت إدارة بايدن هجومًا سيبرانيًّا روسيًّا على هذه الكيانات الـ16 الممنوع المساس بها، فإن الإدارة لن تواجه مشكلة (أو عذر) حاجتها لاستشارة الكونغرس بشأن الردّ. بينما هناك حجج قانونية قوية بشأن ضرورة حصول الرئيس على تفويض من المشرّعين قبل القيام بعمل عسكري وشيك، إلا أنه لا يوجد قانون كهذا فيما يتعلق بالمجال السيبراني.

وهذا بالطبع يُعيدنا إلى الفوائد التي يمكن أن يسفر عنها الخط الأحمر الضمني لبايدن. لسنوات طويلة، لاحظ خبراء أن الضرر الناتج عن الهجمات السيبرانية يمكن مقارنته بالهجمات العسكرية، لكن هجمات فيروس الفدية الأخيرة ضد كيانات أمريكية أبرزت هذه الحقيقة بوضوح، كما أوضحت مدى القصور في وضع معايير وقواعد بالنظر إلى الوضع الحالي للتكنولوجيا. تتواصل نقطة الضعف هذه بالرغم من الجهود التي تستحق المديح التي قامت بها العديد من كيانات الأمم المتحدة، مثل “اللجنة العالمية لاستقرار الفضاء السيبراني” و”نداء باريس من أجل الثقة والأمن في الفضاء السيبراني” لعام 2018.

إن الخط الأحمر الضمني الذي أصدره بايدن لبوتين، يمكن أن يعطي أهمية لعقد حوار استراتيجي بشأن مسائل الأمن السيبراني بين واشنطن وموسكو. وفي حال أثار ذلك منافسة مطلوبة بشدة بين القوى العظمى إزاء جهود بناء معايير سلوك، فستكون تلك خطوة جادة في تجاوز مجرد الاكتفاء بتحديد هذه القواعد والانتقال إلى مرحلة استيعاب تلك الأطراف المهمة.

بالإضافة إلى هذا، في حال وجدت إدارة بايدن نفسها مُلزمة بتنفيذ وعود الرئيس وإطلاق هجوم على روسيا، فمن المرجح أن يدرك الكونغرس حقيقة أنه لم يمارس سلطاته الدستورية في هذا الصراع المتنامي- ما سيدفع لإجراء جلسات استماع ومناقشات، وربما تشريع جديد.

إن مسألة صناعة القرار عادة ما تتعلق بالاختيار بين خيارات سيئة. شعر بايدن بشكل مفهوم أن هناك حاجة ماسّة لوقف هذا الاتجاه المثير للقلق المتمثل في انطلاق هجمات سيبرانية من روسيا. من المرجح أن بايدن وفريقه ناقشوا إيجابيات وسلبيات رسم خط أحمر، وقرروا اتباع أفضل مسار عمل، بالرغم من مساوئه الواضحة.

لكن من الصعب رؤية فوائد إصدار هذا الخطر الأحمر بصورة علنية. ربما كان بايدن قادرًا على تحقيق الأثر الرادع ذاته تقريبًا خلال جلسة سرية مع بوتين، وذلك عبر توضيح الكيانات الستة عشر الممنوع المساس بها، والتداعيات المؤكدة لأي هجوم سيبراني عليها. والآن بينما يراقب العالم الوضع، ستحتاج الحكومة الأمريكية لتكثيف جهودها لإضفاء صبغة رسمية على مسألة كانت لغاية الآن غير رسمية في عالم الفضاء السيبراني.       

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا