مودرن دبلوماسي | أفغانستان ستختبر قدرة منظمة شنغهاي للتعاون

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان. إن عشرين عامًا من التدخل الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة لم يجلبوا الازدهار ولا الاستقرار، للبلاد. وفي ظل إنفاق مئات المليارات من الدولارات على العمليات العسكرية التي تبدو بلا نهاية ومقتل آلاف الأمريكيين، تواجه إدارة بايدن حقيقة قاسية: النظام السياسي من النوع الغربي ليس مرجحًا للترسخ في كابول في أي وقت قريب. لقد خسرت واشنطن الحرب التي شنتها على مدار العقدين الماضيين. إن التحدي الرئيسي للرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه هو كيفية جعل الهزيمة الأمريكية المؤلمة أقل إذلالًا والتراجع الحالي أكثر أناقة.

هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لن تلعب دورًا في أفغانستان وحولها بعد 11 سبتمبر 2021. ربما تواصل دعم الحكومة في كابول لبعض الوقت عبر المساعدات الاقتصادية والتقنية، أو عبر مشاركة البيانات الاستخباراتية، أو حتى عبر الضربات الجوية الأمريكية المحدودة على أسياد الحرب المتمردين في محافظات البلاد. مع هذا، مكان أفغانستان في الخطط الاستراتيجية الأمريكية والغربية سوف يهبط بشكل كبير. ففي النهاية، الأفغان وحدهم هم من يستطيعون تسوية الصراع في بلادهم عبر حوار سياسي وعملية سلام شاملة.

وعلى الجانب الآخر، من الآن فصاعدًا، ينبغي أن يصبح مستقبل أفغانستان موضع اهتمام، ليس فقط للقوى الخارجية البعيدة؛ بل أيضًا للاعبين الإقليميين حول هذه الدولة، مثل إيران، وباكستان، والصين، وروسيا، والهند ودول آسيا الوسطى. إن قدرة أو عجز هؤلاء اللاعبين على التوصل إلى قاسم مشترك في نهجهم تجاه أفغانستان سوف تصبح العامل الخارجي الحاسم الذي يؤثر على مستقبل البلاد.

ومع الأسف، لا يوجد إجماع حول أفغانستان بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين. يمتلك كل منهم تاريخه الخاص من العلاقات مع الدولة الأفغانية والشعب الأفغاني، والذي يكون في بعض الأحيان مثيرًا للجدل وفي أحيان أخرى مريرًا. إنهم يملكون تقييمات مختلفة تمامًا لتوازن القوى الحالي داخل البلاد، وتصورات متباينة للتهديدات في أكثر الأحيان. إن آراءهم حول القدرات العسكرية لحركة طالبان المتمردة وحول أهدافها السياسية بعيدة المدى مختلفة. لقد طوّر كل واحد من اللاعبين الإقليميين بعناية خطوط الاتصال الخاصة به مع الحكومة في كابول ومع الفصائل المختلفة لمعسكر المتمردين أيضًا.

غير أن الآراء العامة داخل البلاد المجاورة حول المستقبل المنشود للدولة تتوافق أو، على الأقل، تتداخل بشكل كبير. بشكل أساسي، توجد قضيتان جوهريتان على المحك لكل جيران أفغانستان: أولًا، لا ينبغي أن تصبح أفغانستان إمارة إسلامية، والتي قد تستخدمها جماعات إرهابية دولية مثل داعش أو القاعدة لتخطيط عملياتهم التخريبية الخبيثة في المنطقة. ثانيًا، ينبغي أن تتوقف أفغانستان عن كونها مُنتِجًا ومُصدِّرًا رئيسيًا للمخدرات، وهو ما أصبحت عليه تحت الاحتلال الغربي. بالطبع، سوف يُفضل أيضًا اللاعبون الإقليميون رؤية أفغانستان دولة مستقرة سياسيًّا ومكافحة اقتصاديًّا وشاملة اجتماعيًا، ومتنوعة ثقافيًّا ومتسامحة دينيًّا، غير أن الجميع يفهمون أن هذا سقف عالٍ جدًّا للتفكير به في المستقبل القريب.

ربما تصبح منظمة شنغهاي للتعاون منصة ملائمة لمحاولة إيجاد طريقة للتعامل مع هاتين القضيتين الحرجتين بصيغة متعددة الأطراف. تحظى أفغانستان، وكذلك أيضًا إيران المجاورة، بصفة مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون؛ وتنسق تركمانستان سياساتها تجاه أفغانستان مع دول منظمة شنغهاي للتعاون؛ وكل اللاعبين الإقليميين الآخرين أعضاء كاملو العضوية في المنظمة.  لقد تواجدت مجموعة الاتصال “منظمة شنغهاي للتعاون-أفغانستان” منذ خريف 2005، وجمعت بالفعل الكثير من الخبرة العملية المفيدة، إلا إنه حتى مؤخرًا عملت مجموعة الاتصال وراء ظلال التدخل الغربي في البلاد. حان الوقت لكي تُخرج الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون هذه الهيئة إلى النور ولترتقي لمستوى التحدي الأفغاني الجديد ما بعد الانسحاب الأمريكي. 

إن واحدةً من المزايا النسبية لمنظمة شنغهاي للتعاون هي أنها في وضع يسمح لها بتناول أجندات الأمن والاقتصاد والتنمية البشرية لأفغانستان في وقت واحد، جامعةً بين دعم الاستقرار السياسي، وتنفيذ مشروعات اقتصادية كبرى، وتقديم المساعدة لبناء رأس المال الاجتماعي. يمكنها أيضًا أن تنسق جهود الفاعلين الدوليين الآخرين الذين يتراوحون من الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة إلى الشركات الأجنبية الخاصة والمنظمات غير الحكومية الصغيرة المهتمة بطرق محددة للتعاون مع الشركاء في أفغانستان وحولها. 

ومع الوضع في الاعتبار الخلافات الكبيرة بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون (خاصة بين الهند وباكستان) في عدد من الأمور المهمة المتعلقة بأفغانستان، يمكن للمرء أن يتخيل نهجًا انتقائيًّا متعدد الأطراف تجاه مشروعات معينة في هذه الدولة. هذا يعني أن دولًا مختارة من منظمة شنغهاي للتعاون يمكنها تكوين ائتلافات قائمة على المشاريع للمشاركة في مبادرات من اختيارها بدون محاولة إشراك كل دول المنظمة. مع هذا، من المهم التأكيد على أن هذه المشروعات لن تعرّض للخطر أو تشكك في مصالح الأمن القومي الأساسية للأعضاء الآخرين في منظمة شنغهاي للتعاون.  

لا ينبغي أن يقتصر دور أفغانستان نفسها على كونها متلقيًا للمساعدات الأمنية أو الاقتصادية من منظمة شنغهاي للتعاون. ودون المشاركة الأفغانية النشطة، سيكون من الصعب تنفيذ بعض خطط منظمة شنغهاي للتعاون. على سبيل المثال، إشراك أفغانستان في مشروعات كبرى للسكك الحديدية والبنية التحتية للطاقة أمر لا غنى عنه لتوطيد الترابط الإقليمي بين وسط وجنوب آسيا وفي مجال منظمة شنغهاي للتعاون ككل. سوف تظل مبادرة الحزام والطريق الصينية المقترحة غير مكتملة، إذا كان عليها تجاوز أفغانستان بسبب المخاوف الأمنية التي لم تُعالج. باختصار، ينبغي أن تصبح أفغانستان فاعلًا، وليس مفعولًا به، في التعاون الإقليمي متعدد الأطراف.

بلا شك، تبرز أفغانستان كتحدٍّ هائل لمنظمة شنغهاي للتعاون، لكنها أيضًا فرصة فريدة من نوعها لتحالف الدول الأوراسية. إذا استطاعت المنظمة النجاح، سواء فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بطريقة مأساوية أم لا، هذا النجاح سيكون أفضل توضيح ممكن للطبيعة المتغيرة للعلاقات الدولية. بعد اختبار قدرتها المؤسسية في أفغانستان بنجاح، قد تجد منظمة شنغهاي للتعاون سهولة أكبر في التعامل مع العديد من الأزمات الإقليمية، والصراعات الأهلية، والدول الفاشلة في أوراسيا – وحتى خارج القارة الأوراسية. مع الأسف، ستكون هناك وفرة من هذه الأزمات، والصراعات والدول الفاشلة في السنوات المقبلة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا