مودرن دبلوماسي | ما تداعيات «نورد ستريم 2» على العلاقة بين ألمانيا والاتحاد الأوروبي؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

مع تمويل خط أنابيب الغاز الطبيعي “نورد ستريم 2” بالكامل وبدء البناء، يضطر الاتحاد الأوروبي إلى التوفيق بين معارضته للانتقام والتدخل الأجنبي الروسي في أوكرانيا، مع قرار ألمانيا بزيادة تأثير روسي في سوق الطاقة الأوروبية. ورغم أن الآثار المترتبة على قرار برلين هذا على علاقتها مع التحالف عبر الأطلسي والولايات المتحدة على وجه التحديد تناولها المحللون بالتفصيل، فهناك أيضًا تداعيات محتملة كبيرة على وضع المجتمع الأوروبي بشكل عام. ولا تعزز هذه الخطوة حجج الأطراف المتشككة في الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء القارة فحسب؛ بل تضيف ثقلاً إلى المزاعم الروسية بما تطلق عليه “النفاق الأوروبي”.

ويعتمد المسوغ الأساسي لخط “نورد ستريم 2” على انخفاض إنتاج الغاز في الاتحاد الأوروبي والحاجة إلى زيادة الإمداد لتلبية الطلبات، وتوفير “إمدادات غاز جديدة موثوقة وبأسعار معقولة ومستدامة”، باستثناء أن الغاز الذي يتم توفيره ليس “جديدًا”، بمعنى أنه كان متاحًا دون هذه الخطوة كمصدر إمداد للأسواق الأوروبية، ولكن بدلاً من ذلك يتم إعادة توجيه نفس خط الإمداد بعيدًا عن دول العبور خارج الاتحاد الأوروبي، وعلى وجه التحديد أوكرانيا.

وعلى الرغم من المزاعم الألمانية والروسية بأن الدافع وراء خط الأنابيب ليس سياسيًّا، ويتركز فقط حول الأهداف الاقتصادية واعتبارات أمن الطاقة، فمن الصعب القول بأنه لا يوجد هدف سياسي وراء خط الأنابيب هذا. إذ يضمن “نورد ستريم 2” مزيدًا من الاعتماد الأوروبي على واردات الغاز الروسي، بينما يحرم كييف أيضًا من رسوم المرور، والتي تعد ضرورية للاقتصاد الأوكراني (حيث ستخسر أوكرانيا ما يصل إلى 2.5 مليار دولار سنويًّا). وإضافة إلى ذلك، تُعدّ شبكة أنابيب الغاز في أوكرانيا أيضًا عنصرًا أساسيًّا في البنية التحتية الدفاعية.

أما خارج العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، أو الوضع الحالي في شرق أوكرانيا، ربما يكون لقرار برلين أيضًا تداعيات كبيرة داخل المجتمع الأوروبي نفسه؛ إذ إن قرارها، الذي يعد استهزاءً بمخاوف واعتراضات الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، يقوض جذريًّا المجتمع الأوروبي ككل، وربما ينفر حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى، كما سيعمل على زيادة تمكين الأحزاب الشعبوية في جميع أنحاء القارة، والتي تحتل المرتبة الأولى في مستويات التشكيك في الاتحاد الأوروبي، وهذه الخطوة تعزّز فقط رواية تلك الأحزاب عن نخبة تكنوقراطية مركزية تجلس في بروكسل وبرلين وتملي السياسة بشكل رسمي على كل بلد.

وبالنظر إلى أنه كان هناك اتجاه تصاعدي على مدار الثلاثين عامًا الماضية في انتخاب السياسيين المتشككين في الاتحاد الأوروبي لعضوية البرلمان الأوروبي، فإن الرؤى السلبية لهذه الخطوة يجب أن تثير قلق من يسعون إلى اتحاد أقوى، بالإضافة إلى ذلك، فإن تعميق هذا الصدع يعطي روسيا فرصة لبث الفتنة ومصداقية لمزاعمها حول النفاق الأوروبي.

إن المضي قدمًا في خط “نورد ستريم 2” يزيد أيضًا من التوترات مع أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين يسعون إلى تنويع حقيقي لإمدادات الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي، وهذا يشمل المجر وبولندا، وكذلك دول جنوب شرق أوروبا. وهذه الأخيرة – على وجه الخصوص – لا يسعها إلا أن تشعر بمزيد من الإهانة من جانب برلين بسبب رفضها لفرص جَني الأموال من مشروعات الطاقة الروسية. فعلى سبيل المثال، خط أنابيب “ساوث ستريم” الملغى لم يُنسَ في بلغاريا أو اليونان، وكان من الممكن أن تتوقع حكومتا البلدين فوائد اقتصادية كبيرة من ممر الغاز الطبيعي المخطط عبر البحر الأسود، ولكن ألُغي المشروع بسبب انتهاكات في قانون الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحاجة إلى “تفكيك” الملكية والوصول غير التمييزي لأطراف ثالثة.

ومع ذلك، بدت العوائق بعيدة كل البعد عن كونها مستعصية، وكان من الممكن أن تؤدي المفاوضات الإضافية بين الأطراف المعنية إلى التنازلات اللازمة لتجديد جهود البناء، أي ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014. وتدهور العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي في أعقاب ذلك الحدث، بالإضافة إلى أن الحرب المتصاعدة في شرق أوكرانيا سرعان ما جعلت الصفقة مستحيلة بشكل أساسي، وتم إلغاؤها بعد ذلك بوقت قصير.

ولكن الخطر الأكبر الذي يهدد النظام الأوروبي هو ما قامت به ألمانيا وهي تصم آذانها أمام اعتراضات شركائها، ونظرًا لأن الكثيرين يتفهمون أنها الزعيم الفعلي للاتحاد الأوروبي؛ فإن برلين ستزيد من الانقسامات في أوروبا بهذه الخطوة. ولا شك أن الدول الأعضاء الأخرى، ولا سيما الدول الأحدث التي كانت في كثير من الأحيان على خلاف مع بروكسل وبرلين، ستتذكر بلا شك عناد ألمانيا تجاه مخاوفها وهي تسعى إلى إقامة علاقات سياسية واقتصادية مفيدة. وبالتالي، فإن سعي برلين وراء خط “نورد ستريم 2” يقوض المشروع الأوروبي بأكمله.

كما اعترفت دول القارة بالاعتماد المتبادل المتأصل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ اتحاد الدول القومية ذات السيادة في الظهور على أساس ما يلي: العمل من أجل المصلحة الفضلى للناخبين المعنيين؛ وفي الوقت نفسه، الاعتراف بالتداعيات الأكبر لأعمالهم على المجتمع الأوروبي بشكل عام. وسمح هذا المزيج بتكوين توازن طبيعي للقوى داخل النظام الأوروبي المزدهر. كان أيضًا مفهوم أوروبا الذي تصوره شارل ديغول، مستوحى من تخوفه الطبيعي تجاه ألمانيا القوية التي تملي بشكل مستقل المسار السياسي والاقتصادي للقارة.

بطبيعة الحال، يتم التخلي عن درجة معينة من السيادة عند الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا يسمح بسياسة خارجية واقتصادية أوروبية منسقة تتطلع إلى الخارج وتعالج المشاكل التي تواجه المجتمع ككل بشكل فعال، ومع ذلك، لم تكن الفكرة إنشاء جمهورية فيدرالية أوروبية، رغم أن ناخبي الدول الأعضاء يؤمنون بهذا الأمر أيضًا، حيث إن وجهات النظر المؤيدة للمفوضية الأوروبية تحتل باستمرار مرتبة أدنى بكثير من تلك الخاصة بالاتحاد الأوروبي أو البرلمان الأوروبي.

من المؤكد أن تجاهل ألمانيا لمخاوف جيرانها من تبعات خط “نورد ستريم 2″، وخاصة الدول المجاورة لروسيا من حيث الموقع المادي والاعتماد على الطاقة، سيقوض الثقة في هذا المفهوم الخاص بالاتحاد الأوروبي باعتباره اتحادًا لدول مستقلة. ولهذا فإن هذا القرار غير الحكيم يدعم الرواية القائلة بأن ألمانيا تعامل الاتحاد على أنه إقطاعية خاصة بها، وأنها تضع قواعد اللعب وترفض على الآخرين الالتزام بها. كما أنه يشعل وقود المتشككين في الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء القارة، فضلاً عن تعزيز جرأة الجهود الروسية للتأثير على العلاقات داخل الاتحاد الأوروبي وعرقلتها؛ ولذلك ففي المرة القادمة التي تسعى فيها برلين إلى توبيخ دولة عضو أخرى لأنها تسعى وراء مصلحتها الوطنية بطريقة تعتبر متعارضة مع مصالح المجتمع الأوروبي، حينها عليها ألا تعترض على اتهامها بأنها تكيل بمكيالين.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا