الجارديان | كيف يمكن تجنب كارثة المجاعة الوشيكة في تيغراي الإثيوبية؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

من الصعب تصديق حدوث مجاعة أخرى في هذا الإقليم، ومن الصعب تصديق أن قلة قليلة من الناس يعرفون ذلك أو يهتمون به. إذ بدأت مجاعة هائلة تتكشف في إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا. فهناك نحو خمسة ملايين شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية، وربما يتضوّر نحو 900 ألف شخص جوعًا بالفعل.

وبعبارة أخرى، يبدو الأمر أشبه ببداية مجاعة عام 1984، والتي مات فيها مليون شخص، معظمهم في تيغراي. ومثل الكارثة الأخيرة، لا علاقة للمجاعة “بالأسباب الطبيعية”، فقد كانت نتيجة الحرب والجرائم المرتبطة بها. غير أن هذه المرة، كان الرجل المسؤول عنها هو الحائز على جائزة نوبل للسلام، رئيس الوزراء الإثيوبي، “آبي أحمد”؛ إذ إن هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن قواته، وقوات حلفائه الإريتريين، يستخدمون الجوع كسلاح حرب.

في فبراير، حلت حكومة آبي مجالس إدارة أكثر جماعات المساعدة فاعلية: جمعية الإغاثة في تيغراي وجمعية تنمية تيغراي. ومنذ ذلك الحين دمر الجنود مستودعاتهم ونُهبت مكاتبهم وسرقت سياراتهم. وقد أغلق الجيشان الإثيوبي والإريتري خطوط الإمداد، وأعادوا قوافل الغذاء والأدوية، وأحرقوا مخازن الحبوب، وقطعوا الأشجار، وذبحوا الثيران، وأمروا المزارعين بعدم حرث حقولهم.

وفي هذا الأسبوع، أعلنت الحكومة الإثيوبية وقف إطلاق النار، ظاهريًّا “لتمكين المزارعين من حراثة أراضيهم”، ولكن السبب الحقيقي كان لإعادة تجميع صفوفهم بعد تغير مذهل في الأحداث، حيث استعاد متمردو تيغراي عاصمتهم الإقليمية. ومع ذلك، فقد فات الأوان، إذ توجب أن يكون الحرث قد حدث خلال الأشهر الثلاثة الماضية. واليوم أصبح الناس يتضورون جوعًا، ولا يمكنهم انتظار المحاصيل المحتملة في نوفمبر المقبل.

ومثل سلفه الدموي، “منجيستو هايلي مريم”، ينفي آبي بشكل قاطع حدوث المجاعة. وزعم الأسبوع الماضي قائلاً: “لا يوجد أي مجاعة في تيغراي”. وإذا ما تحققت العدالة، ربما نشهد يومًا ما تقديم الحائز على جائزة نوبل للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ورغم أن كل هذا أمر سيئ بما يكفي، إلا أن ما يزيد من حدة الجريمة هو أن إقليم تيغراي كان، حتى اندلاع الحرب في نوفمبر الماضي، قصة نجاح مشهورة عالميًّا.

والتفسير التقليدي للمجاعة، والذي يبدو أنه يتعارض مع جميع الأدلة، هو أن المجاعة ناتجة عن زيادة عدد السكان. إذ تؤدي هذه الزيادة إلى إرهاق الأرض، التي لم تعد قادرة على توفير الغذاء الكافي لمن يعتمدون عليها. ومع ذلك فهناك دراسة رائعة تكشف أن العكس هو ما حدث في تيغراي.

واستخدمت الدراسة صورًا تعود إلى عام 1868، مأخوذة من نفس المواقع لتقييم حالة الأرض. ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد سكان إثيوبيا من 6.6 ملايين إلى 115 مليونًا. وهو ما يعدّ كارثة بالفعل، وفي المقابل، وجد الباحثون المزيد من الأشجار، والمزيد من الغطاء النباتي، والقليل من التآكل والتدهور. اكتشفوا أن المنطقة “أكثر خضرة من أي وقت في آخر 145 سنة”.

إذًا ما هو السبب؟ هذا لأن المحرك الرئيسي لتدهور الأراضي وحدوث المجاعات ليس السكان، بل السياسة. ففي عام 1868، كانت أفضل الأراضي مملوكة للإقطاعيين، فيما نقل غيرهم من الأفراد العاديين إلى منحدرات شديدة الانحدار. وتم دفعهم إلى الهامش، دون أي حيازة مضمونة، وأُجبروا على الانخراط في أشكال مدمرة من استخدام الأراضي، والتي تمثلت غالبًا في الرعي غير المنضبط.

ولكن في السبعينيات، أعيد توزيع الأرض على السكان. وابتداءً من الثمانينيات، أطلق متمردو تيغراي، الذين شكّلوا لاحقًا الحكومة الوطنية، برنامجًا لحماية التربة، وجمع مياه الأمطار، وإعادة تشجير الأرض. وقاموا بتسييج الماشية من مناطق واسعة، كما قاموا بتسطيح المنحدرات الحادة وتحويلها إلى مصاطب زراعية، وبنوا جدرانًا حجرية وسدود من التربة لمنع التعرية، وزرعوا الأشجار وحفروا البرك لمنع المياه من تجريف الأرض.

وكل هذه الأعمال بحجمها الهائل إنجاز مذهل. فكل شخص قادر على العمل يزيد عمره عن 18 عامًا يقضي 20 يومًا في السنة في مشاريع جماعية لإعادة استصلاح الأرض، حيث أعيد تشكيل المنطقة بأكملها، تلك المنطقة التي عانت من الأخاديد التي مزقتها وتآكل طبقاتها. وفي عملية مثل هذه، يصل حجم الحجر والتربة الذي يتم نقله يدويًّا إلى ملايين الأطنان. وقد يفسر هذا اكتشافًا آخر غير عادي: الأماكن الأكثر خضرة في تيغراي هي تلك ذات الكثافة السكانية الأعلى، وبسبب الجهد الهائل المطلوب، فإن إنجاز هذه الأعمال كان مستحيلاً مع عدد الأيدي العاملة القليل.

وكانت هناك نتائج مماثلة في مناطق أخرى، مثل: كارو ميدلاندز في جنوب أفريقيا، وماتشاكوس في كينيا، وهضبة اللوس في الصين ومستجمعات المياه في أدارشا في الهند. والذي يربط بين جميع هذه الحالات هو أن النمو السكاني كان مصحوبًا بالإصلاح البيئي.

ولكن حالة تيغراي هي المثال البارز، حيث أدت أعمال الترميم إلى انخفاض كبير في تآكل التربة وفقدان المياه، وعودة الحياة البرية وتحسين إنتاجية المحاصيل التي فاقت النمو السكاني بسهولة، ومن ثم ارتفعت المداخيل، وبات الأطفال يقضون وقتًا أطول في المدرسة.

وفي 2015-2016، عندما حدث الجفاف الكبير، ساعد هذا النظام على تجنب المجاعة، وسبب نجاحه هو التحكم المحلي وحماس الناس للبرنامج، حيث يشعرون أنه ملك لهم، ومع تحسن الرفاه والأمن، وتمتع المرأة بحقوق وفرص أكبر، انخفض النمو السكاني.

وبالطبع، هناك الكثير من الأماكن التي تؤدي فيها أعداد أكبر من الناس، إلى جانب الفشل المؤسسي التام، إلى الإضرار بالطبيعة ورفاهية الإنسان. ولكن النقطة الأساسية هنا هي أن النمو السكاني والتدهور والمجاعة ليسوا مترابطين ارتباطًا جوهريًّا، إذ إن ما يهم هو نوعية الحكومة.

ولذلك لا توجد أعذار، ولم يكن السبب وراء الكارثة التي تضرب إقليم سببًا طبيعيًّا أو قدرًا محتومًا، ولكنّ آبي وحلفاءه في إريتريا يعملون على تحويل منطقة مزدهرة نابضة بالحياة إلى مسرح لكارثة تاريخية أخرى، ولن يتوقفوا حتى يستيقظ العالم ويتصدى لهذه الكارثة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا