مودرن دبلوماسي | العواقب السلبية لفوز «رئيسي» بالانتخابات الإيرانية

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرًا في إيران، ضمن نظامها السياسي الديني بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي انتصار مرشح محافظ محدد مسبقًا وهو “إبراهيم رئيسي”. يسيطر المحافظون بالفعل على السلطتين القضائية والتشريعية، وبفوز رئيسي أصبحت السلطة التنفيذية هي الأخرى خاضعة لسيطرة المحافظين. إن تعزيز المحافظين لسلطتهم كلّف ثمنًا باهظًا – زيادة تآكل شرعية النخب الحاكمة. كانت نسبة الإقبال على الانتخابات أقل من 49 بالمائة، وهي الأدنى في تاريخ انتخابات إيران الرئاسية، حيث جرى استبعاد العديد من المرشحين الإصلاحيين من جانب مجلس صيانة الدستور، المسؤول عن فحص المرشحين.

جرت هندسة هذه الانتخابات الرئاسية لضمان احتلال “رئيسي” لمكتب الرئاسة أثناء عملية الخلافة المحتملة للمرشد الأعلى البالغ 82 عاما. بالتالي، استُبعدت شخصيات محافظة بارزة أخرى، فضلًا عن شخصيات من الحرس الثوري الإيراني. كانت العملية كلها مُنسّقة للمحافظة على الجوهر الأساسي للجمهورية الإسلامية، بحيث تم اختيار “رئيسي” للعب دور بارز. نتيجة لذلك، من المتوقع أن يكون لانتصاره عواقب أعمق على السياسة والمجتمع الإيرانيين، كما أن طريقة تصرفه في المستقبل ستحدد أيضًا شكل الجمهورية الإسلامية.

تعزيز الوضع في الداخل

نتيجة لآرائه السياسية والاجتماعية، يُعدّ رئيسي متشددًا، كما أن سجله في مجال حقوق الإنسان دفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات عليه. انتُخب رئيسي في وقت تقف فيه الجمهورية الإسلامية على حافة الانهيار بسبب اقتصادها المدمّر وما سببه ذلك من حالة سخط واسعة نتج عنها احتجاجات شعبية. وقعت أحدث تلك الاحتجاجات الشعبية في نوفمبر 2019 والتي جرى قمعها بطريقة وحشية. وضمن جهود إسكات المعارضين المحليين، تلعب السلطة القضائية في إيران عادةً دورًا داعمًا، وقد قاد “رئيسي” تلك السلطة لفترة طويلة من تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد منذ أربعة عقود. مع تصعيد “رئيسي” لمنصب الرئيس، من المرجح أن تقل حدّة الاعتراض السياسي خوفًا من العواقب الهائلة. وفي حال حدث هذا، يُخشى أيضًا من أن هذه الاحتجاجات قد تُسحق بطريقة أقسى من ذي قبل بسبب هيمنة المحافظين على النظام بأكمله.

إن ردّ فعل خامنئي على التسجيلات الصوتية المسرّبة لوزير الخارجية “جواد ظريف”، توضح أنه بغض النظر عن مكانة الشخص، فإنه لن يتم التسامح مع أي اتهام يطال المهام الأساسية لهذا النظام. كان يُنظر إلى “ظريف”، تلك الشخصية المعتدلة، باعتباره مرشحًا رئاسيًّا محتملًا، لكنه لم يسجل اسمه أصلًا كمترشح في الانتخابات. يُظهر هذا التسجيل الصوتي المسرّب، إلى جانب الطريقة التي جرى بها استبعاد المرشح المحافظ البارز “علي لاريجاني”، مدى التواطؤ بين الاستخبارات و”الدولة العميقة” الإيرانية لضمان فوز “رئيسي”. لقد جرى استبعاد هذين المرشحين اللذين يمثلان أكبر تحديين لـ “رئيسي”، حتى قبل بدء الانتخابات. وبعد وقت قصير من فوز “رئيسي” كتب عدد كبير من الدبلوماسيين الحاليين والسابقين رسالة يعبّرون فيها عن دعمهم لسياسته الخارجية، ولاحقًا التقى “رئيسي” رسميًّا بجميع منافسيه الستة في الانتخابات، ويبدو أن شخصيته أهم بكثير من أي رئيس إيراني تقليدي سابق.

المواجهة في الخارج

بالرغم من أن انتخاب “رئيسي” وتعزيز المحافظين لسلطتهم ربما سيسفر عن تبنّي إيران لسياسات تزيد من السيطرة في الداخل، إلا أن هذا يضخّ أيضًا مزيدًا من التشدد في سياسة إيران الخارجية، ورغم أنه سيتولى السلطة رسميًّا في الثالث من أغسطس، إلا أن الآثار السلبية لانتخابه على العلاقات الخارجية لإيران بدأت تتضح بالفعل. في البداية، من المؤكد أن عقوبات الولايات المتحدة المفروضة على “رئيسي” ستخلق تحديات للرئيس “جو بايدن” في جهوده للتصالح مع إيران، لأنه وعد أيضًا بتجديد التأكيد على مسألة حقوق الإنسان في سياسة أمريكا الخارجية. بالتالي، بعد يوم من انتصار “رئيسي”، جرى تعليق الجولة السادسة من محادثات فيينا. بعدها بيوم، وفي مؤتمره الصحفي الأول بعد فوزه، رفض “رئيسي” أي احتمال للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن أو التفاوض على برنامج إيران الصاروخي أو وكلائها الإقليميين. بعدها بيومين، استولت الولايات المتحدة على عشرات المواقع الإيرانية على الإنترنت، وفي اليوم ذاته، دعا مشرّعون إيرانيون لمنع أي مفاوضات بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين.

وفي الخامس والعشرين من يونيو، هددت الولايات المتحدة بالانسحاب من محادثات فيينا في حال لم تمدّد إيران “التفاهم التقني” المؤقت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بعد ذلك بيومين، أعلنت إيران أنها لن تسلّم مطلقًا تسجيلات مصوّرة للأشهر الأربعة الأخيرة لأنشطتها النووية إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في اليوم ذاته، وفي السابع والعشرين من يونيو، أمر الرئيس جو بايدن بتوجيه ضربات عسكرية على مليشيات مدعومة إيرانيًّا في العراق وسوريا، بينما أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني “حسين سلامي” أن إيران تمتلك طائرات مسيّرة ذات مدى يبلغ 7 آلاف كيلومتر.

ومع ابتعاد إيران أكثر عن مبادرة بايدن التصالحية، يعمل رئيس وزراء إسرائيل المنتخب حديثًا “نفتالي بينيت” على تقريب بلاده أكثر من إدارة بايدن، مقارنةً مع سلفه “بنيامين نتنياهو”. بغض النظر عن هذا، فإن سياسة إسرائيل تحت حكم “بينيت” هي ذاتها التي كانت في عهد “نتنياهو”. بالرغم من أن الرئيس بايدن تصدّى لمواقف نتنياهو، إلا أنه أظهر إشارات كثيرة على استعداده للتعاون أكثر مع إسرائيل تحت حكم رئيس وزرائها الجديد والذي عبّر هو الآخر، تمامًا مثل نتنياهو، عن تحفظات إسرائيل الشديدة على الاتفاق النووي. في خضمّ كل هذا، وفي الثالث والعشرين من يونيو، أعلنت وكالة الطاقة النووية الإيرانية عن إحباط هجوم على إحدى منشآتها النووية.

النهج الأمثل

بالرغم من تعزيزهم السلطة المحلية، لا يزال حكام إيران الدينيون بحاجة لإدارة الدولة، وهوما يتطلب أموالًا، والتي بدورها يصعب الحصول عليها في اقتصاد إيران القائم على النفط بسبب استمرار العقوبات الأمريكية. يمكن أن يأتي المال فقط في حال تمتعت إيران بعلاقات أفضل مع العالم الخارجي، وهذا يعتمد على ضرورة حل المسألة النووية. عند إلقاء نظرة فاحصة سنجد أن السبب الرئيس لأزمات إيران الاقتصادية هو علاقتها العدائية مع الولايات المتحدة، ولكي يحصل أي اختراق في المفاوضات النووية، يجب أن يكون هناك تغيير أساسي. ولكي يحدث هذا، ستحتاج الولايات المتحدة أن تعترف بإيران كقوة إقليمية مهمة، وستحتاج إيران للردّ بالمثل عبر التوقف عن أنشطة زعزعة الاستقرار في المنطقة. يجب أن يكون هناك تغيير متزامن في المواقف من كلا الجانبين. مع هذا، ونظرًا لأن عقائد “إبراهيم رئيسي” متوائمة تمامًا مع عقائد خامنئي، ربما يكون من الصعب تغيير مواقف إيران التقليدية إزاء الولايات المتحدة، وسيُسفر كل هذا عن استمرار عزلة إيران عن الغرب وزيادة ميلها نحو الصين، والتي طوّرت إيران معها “شراكة أكثر مناهضة للنظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة”.

ربما يبني آية الله خامنئي حساباته على فكرة أن الولايات المتحدة ترغب في الانسحاب تدريجيًّا من الشرق الأوسط، وربما يجعل ذلك الولايات المتحدة أكثر حاجة إلى إيران وليس العكس. مع هذا، فإن خطأ هذا الافتراض ربما يتسبب في استمرار مشاكل إيران واشتدادها، ولو وصل سخط الشعب الإيراني لنقطة حرجة، ربما يقصّر هذا من عُمر الجمهورية الإسلامية، ذلك الكيان الذي بُني على الفكرة المركزية المتمثلة في توفير الرفاهية للشعب. 

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا