بوليتيكو| تحديات ومصاعب جمة تواجه قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

لا يكاد يمرّ يوم دون ورود مزيد من الأخبار بشأن تحقيق طالبان مكاسب في أفغانستان.

ربما يكون أداء الحكومة الأفغانية وحلفائها أكثر صلابة مما يتوقع الكثيرون، لكن لو واصلت البلاد انحدارها نحو الفوضى، أو حدث شيء أسوأ من هذا، متمثلًا في سيطرة طالبان بسرعة على “كابول”، فسيبدو قرار الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأمريكية المتبقية ساذجًا وخطأ ارتكبه رجل يتفاخر بخبرته وفطنته في مجال السياسة الخارجية.

بالرغم من معارضة قيادته العسكرية العليا وتحذيرات موثوقة بأن كابول يمكن أن تسقط خلال أشهر بعد الانسحاب، مضى بايدن قدمًا في قراره على أي حال معتمدًا على ما وصفه أحد مساعديه بـ “حدسه”.

حتى الآن، هناك إشارات على أنه كان من الأفضل للرئيس الإصغاء لمستشاريه العسكريين عوضًا عن الاعتماد على احساسه الداخلي. لقد امتدت الحرب الأفغانية بالطبع لعقدين من الزمن، وأصبحت مجرد حرب دفاعية لا تُرضى أحدًا. لكن تكلفة إبقاء الولايات المتحدة على 3.500 جندي في البلاد من دون خسارة أي جندي في أعمال قتالية لأكثر من عام لم تكن مرتفعة، مقارنة مع الجانب السلبي المنطقي تمامًا المتمثل في وصول متطرفين إسلاميين متحالفين مع تنظيم القاعدة إلى السلطة مجددا في أفغانستان.

إن الرغبة في الانسحاب من أفغانستان كانت من بين نقاط الاتفاق النادرة بين بايدن وترامب. لقد أفسح اتفاق وقف إطلاق النار الطائش الذي عقده الرئيس ترمب مع طالبان في فبراير 2020 المجال أمام قرار بايدن بالانسحاب. كان يمكن لبايدن عدم الالتزام بتعهّد الولايات المتحدة في ذلك الاتفاق بسحب القوات بحلول مايو 2021، خاصة أن نوايا طالبان السيئة أتاحت له الفرصة لفعل ذلك.

لكن بايدن يدعونا لعدم القلق. فالولايات المتحدة ستواصل تقديم دعم “عبر الأفق”، أي من مسافة بعيدة، للحكومة الأفغانية.

ربما يكون هذا مجرد حلم، كما أن انسحاب بايدن غير المدروس لا يضفي عليه أي مصداقية. لقد جرى انسحاب الولايات المتحدة بسرعة، وتم تنفيذه، لحسن الحظ، من دون سقوط ضحايا. وعدا ذلك، كان الانسحاب فوضويًّا تمامًا.

تكافح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لمعرفة ماذا تفعل كي تحتفظ بقدراتها على جمع المعلومات الاستخباراتية في أفغانستان. لقد كانت الوكالة نشطة للغاية في البلاد في السنوات الماضية، مُوجهة ضربات لأهداف إرهابية في أفغانستان وباكستان، وما من شك أن عملياتها ستتقلص بشكل كبير.

لن تكون هناك أهداف يتم ضربها “عبر الأفق” إن كنا لا نمتلك أصولًا على الأرض تساعدنا في إيجاد تلك الأهداف.

الوضع الأمثل هو أن تجد الولايات المتحدة قاعدة أخرى تقع بجوار أفغانستان، لكن ليست هناك خيارات جيدة في الجوار. فباكستان، التي لا يمكن الوثوق بها والتي تدعم طالبان، هي دولة إشكالية في جوهرها. كما أن فلاديمير بوتين لن يعجبه استخدامنا لأراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة.

إن تنفيذ عمليات انطلاقًا من قواعد في الخليج العربي الذي يبعد ثماني ساعات عن أفغانستان، ليس بالطبع مثل تنفيذها انطلاقا من قاعدة “باغرام”. في شهادة أمام الكونغرس، قال الجنرال “كينيث مايكنزي”، قائد القيادة المركزية العسكرية الأمريكية، إن المهام بعيدة المدى ستكون “صعبة للغاية في تنفيذها” لكن “ليست مستحيلة”. هذا لا يمثل تأييدًا واضحًا لهذه الفكرة. إن الانسحاب الأمريكي له تداعيات مقلقة أخرى. فالمتعاقدون الذين عملوا مع القوات الجوية الأفغانية لصيانة طائراتها، سيغادرون البلاد أيضًا، ما قد يحرم القوات الأفغانية من الدعم الجوي.

أخبر مسؤول صحيفة “نيويورك تايمز” أن الأفغان لن يكونوا قادرين على صيانة طائراتهم من طراز “بلاك هوك” حتى منتصف ثلاثينيات هذا القرن. تفكر الإدارة في بدائل مؤقتة مختلفة لمشكلة المتعاقدين، من بينها جعلهم يقومون بصيانة الطائرات عن بُعد.

كما أن مصير الأفغان الذين ساعدوا القوات الأمريكية – ومصير عائلاتهم أيضًا – لا يزال غامضًا، غير أن الضغوط السياسية التي تعرّض لها بايدن في الداخل الأمريكي، جعلته يتعهد بإخراجهم من أفغانستان.

يرغب بايدن في تقديم مساعدات أمنية قيمتها 3 مليارات دولار للأفغان، لكن ما الجهة التي ستقوم بعمليات التدريب بهذه الأموال؟ الحلفاء يغادرون البلاد أيضًا، في وقت تسعى فيه الإدارة حثيثًا لإقناع الأتراك بالبقاء وتأمين مطار كابول الدولي، الذي يعدّ مهمًا للولايات المتحدة لحماية سفارتها والسماح للمنظمات الإغاثية بالوصول إلى البلاد.

مع تدفق الأخبار السيئة من أفغانستان في الأسابيع الأخيرة – يرصد موقعThe Long War Journal مكاسب طالبان الحربية – حاولت إدارة بايدن تقديم إشارات مُطمئنة. أحدها هو إبقاء قائدنا الأعلى في أفغانستان الجنرال “أوستين ميلر” لبضعة أسابيع أخرى في البلاد. لكن أليس من المفترض أن الأفغان، وحركة طالبان، لاحظوا بالفعل أن جميع قواتنا تقريبًا انسحبت بالفعل من البلاد؟

أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” أنه عندما يغادر “ميلر” أفغانستان، سيتولى الجنرال “كينيث ماكينزي” سلطة تنفيذ ضربات جوية ضد تنظيمي القاعدة وداعش انطلاقا من “تامبا” في ولاية فلوريدا “على الأقل حتى شهر أغسطس”، وستكون له أيضًا صلاحية نقل 300 جندي إضافي إلى أفغانستان في حالة الطوارئ “على الأقل حتى شهر سبتمبر”.

ولكن، ما تداعيات هذا على المدى البعيد؟

أحد مبررات مغادرة أفغانستان هو أن هذا سيوفر موارد لنا للتركيز على التهديد المتزايد من الصين. ليس الأمر كما لو أن الثلاثة آلاف جندي سيتم نقلهم إلى شرق آسيا، كما أن هذا العدد من الجنود لن يُحدث فرقًا في موازين القوى هناك. وعلى العكس من هذا، فإن توجيه ضربات جوية ضد أهداف لتنظيم القاعدة في المستقبل انطلاقًا من الخليج العربي، عبر رحلات جوية قتالية أطول مدى وأكثر تكلفة، أو عبر الاحتفاظ بحاملة طائرات بالقرب من أفغانستان، كل هذا سيستهلك نفس الموارد التي نحتاجها لضبط سلوك الصين.  وفوق كل هذا، لو تدهورت الأوضاع في أفغانستان، ستكون مهمة السيطرة على الآثار الناجمة مضنية للغاية للجيش الأمريكي.

لقد نفّذ بايدن قراره بالانسحاب. والآن، سيتعين عليه تحمّل العواقب.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا