ذا ناشيونال | أردوغان لن يستطيع الاستمرار في استغلال الانقلاب الفاشل لتعزيز سيطرته

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

كان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يستمتع بعطلة عائلية في فيلا على شاطئ البحر لصديق رجل أعمال في منتجع مارماريس المتوسطي عندما اتصل به صهره يخبره بمحاولة الجيش الإطاحة بحكومته.

وبعد مقابلة مباشرة عبر فيس تايم مع شبكة سي إن إن – قال فيها: “دعهم يفعلون ما يريدون”… “لم أرَ بعد أي قوة أكبر من سلطة الشعب” – استقل أردوغان طائرته متوجهًا إلى اسطنبول قبل أن يجتاح حشد من الانقلابيين المسلحين الفيلا؛ ما أسفر عن مقتل شرطيين وإصابة العشرات من أفراد الأمن.

ويصادف هذا الأسبوع الذكرى الخامسة لمحاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا، والتي تسببت في موجة دعم كبيرة لحكومة أردوغان وأعادت تشكيل سياسات البلاد ومؤسساتها ومشهدها السياسي وموقفها الخارجي كجزء من دولة أمنية جديدة. كما أنها كانت أفضل الأوقات بالنسبة لأنصار أردوغان، وفي كثير من الأحيان كانت أحلكها بالنسبة لخصومهم.

وأتهمت أنقرة الحركة الإسلامية التي يقودها الداعية المنفي “فتح الله غولن” بمحاولة الانقلاب الفاشلة وشرعت في سلسلة من عمليات التطهير، وطردت نحو 150 ألفًا من أعضاء غولن المشتبه بهم من الخدمة العامة واحتجزت عشرات الآلاف. وبعد إلغاء جوازات سفرهم، فر عدد لا يحصى من المواطنين الأتراك المرتبطين بالحركة من البلاد، وانتهى الأمر بنحو 30 ألفًا في دول الاتحاد الأوروبي، والتي رحبت بهم في الغالب.

لقد طاردت تركيا أتباع كولن ومعارضين آخرين في الخارج، إذ يقول تقرير صدر في عام 2021 عن منظمة “فريدوم هاوس” التي تراقب حقوق الإنسان: “أدت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، إلى استخدام تركيا للقمع العابر للحدود”. فقد تحولت الدولة التركية إلى العالمية في مطاردة ما يسمى أعضاء منظمة فتح الله الإرهابية، واعتقلت أكثر من 110 مشتبه بهم فيما يقرب من 30 دولة أجنبية وأعادتهم إلى تركيا لمحاكمتهم. وفي الأسبوع الماضي فقط، أعلن أردوغان أن حكومته ألقت القبض على زعيم المجموعة في آسيا الوسطى.

وفي هذه الأثناء، وبناءً على طلب الحكومة، قامت الجماعات القومية والمحافظة التركية بتصنيف الحركة الكردية والمعارضين والنشطاء والصحفيين المستقلين كأهداف مشروعة، جنبًا إلى جنب مع أتباع غولن، وتحركت لأسلحة الشتات. ففي عام 2018، حث رئيس هيئة الرقابة على المغتربين التابعة للحكومة التركية الأتراك في الخارج على مساعدة أنقرة في بحثها عن أتباع غولن، وأصدرت وكالة المخابرات التركية تطبيقًا للهواتف الذكية يمكن لأي مواطن تركي في ألمانيا من خلاله الإبلاغ عن أي شخص ينتقد أردوغان أو حكومته.

وبينما بدأت الشراكة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف في أواخر عام 2015، إلا أن تعاونهما تعزز في أعقاب الانقلاب، فعلى سبيل المثال، كان زعيم حزب الحركة القومية منذ فترة طويلة “دولت بهتشلي” من بين الأوائل والأكثر صوتًا لدعم خطة أردوغان لتحويل تركيا إلى نظام رئاسي، وهي خطوة جرت الموافقة عليها في استفتاء عام 2017.

ومن جهة أخرى، روَّج حزب العدالة والتنمية لأنشطته العسكرية في سوريا وليبيا وخارجها على أنها حملات قومية، مما شجع الجناح العسكري لحزب الحركة القومية، المعروف باسم “الذئاب الرمادية”، في تركيا وعبر أوروبا. حيث قدر تقرير صدر عام 2020 عن مركز الأبحاث والدراسات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن 20 ألف عضو نشطوا في ألمانيا و5000 على الأقل في النمسا.

وفي العام الماضي، هاجمت حركة “الذئاب الرمادية” مسيرة في فيينا لمنظمة نسائية كردية ومظاهرة للأرمن الفرنسيين في ديسين. وبحسب ما ورد في تصريحات “أحمد جيتين”، زعيم “الذئاب الرمادية” المحلي في مقطع فيديو من الحدث الأخير: “إذا أعطتني الحكومة التركية ألفي يورو وسلاحًا سأفعل ما يجب عليَّ القيام به، في أي مكان في فرنسا”. وقد حظرت فرنسا الذئاب الرمادية في نوفمبر الماضي، بينما تدرس ألمانيا والنمسا وهولندا اتخاذ إجراء مماثل.

وقد تكون مثل هذه الإجراءات قرارًا حصيفًا، ففي السبعينيات والثمانينيات، قتلت الذئاب الرمادية أعداء النظام العسكري في الشوارع التركية. وكان هذا العنف يمتد أحيانًا إلى أوروبا، كما حدث عام 1981، عندما حاول ذئب رمادي اغتيال البابا “يوحنا بولس الثاني” في مدينة الفاتيكان. ويقول الصحفي الفرنسي “جيوم بيرييه” إن خطاب الكراهية القومي أصبح شائعًا بشكل متزايد بين الأتراك الفرنسيين، الذين يؤيدون حزب العدالة والتنمية في الغالب ويدعمون حزب الحركة القومية.

من جانبه، حذر الصحفي المنفي “جان دوندار”، الذي يعيش في برلين، في مقال له بصحيفة “واشنطن بوست” من مؤامرة اغتيال تدعمها تركيا، ربما تكون مرتبطة بالذئاب الرمادية. وردت الدولة التركية بالتحرك لمصادرة أصوله، بتهمة الكشف عن أسرار الدولة. كما سعت أنقرة، وفشلت إلى حد كبير، في إسكات لاعب كرة السلة المحترف المقيم في الولايات المتحدة، “إينيس كانتر”، الذي يدعم صراحة “فتح الله غولن”، بمحاكمة والده في تركيا.

في الوقت نفسه، عملت أنقرة أيضًا على إعادة تشكيل الإسلام الأوروبي، حيث يقال إن الأئمة الأتراك في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي– إذ يعمل الآلاف منهم في المساجد التركية تحت إشراف رئاسة الشؤون الدينية، ديانت – يراقبون مجتمعاتهم بحثًا عن أتباع غولن المحتملين، ويجمعون المعلومات ويبلغونها للدولة.

ويصف تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي في عام 2020 جماعة الإخوان المسلمين بأنها الجماعة الإسلامية الأكثر إشكالية في فرنسا، ويستشهد بتركيا، المسؤولة عن تدريب نصف الأئمة الأجانب في فرنسا بينما تمثل 5% فقط من السكان، باعتبارها الداعم الرئيسي لها. ويتمثل الوجود الإسلامي الأساسي لتركيا في أوروبا في حركة “ميلي جوروس” [التي تعني الرؤية الوطنية]، وهي حركة أنشأها أستاذ أردوغان، رئيس الوزراء السابق “نجم الدين أربكان”، والتي تضم ما يصل إلى 150 ألف عضو في أوروبا.

وفي مارس، وافق مجلس بلدية ستراسبورغ على تمويل 2.5 مليون يورو لبناء مسجد ميلي جوروس الذي يهدف إلى أن يكون الأكبر في أوروبا، ولكن تم إلغاء التمويل في أبريل، بعد احتجاجات شعبية.

وقد تعرض حزب العدالة والتنمية وحركة ميلي جوروس لانتقادات واسعة بسبب علاقاتهما مع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة العنيفة. ففي الشهر الماضي، تناول عمود نشرته صحيفة “يني شفق” الإسلامية التركية المعروفة بأنها مقربة من الحكومة، حياة عضو الإخوان المسلمين والمؤسس المشارك للقاعدة “عبد الله عزام”، واصفًا إياه بأنه “أيقونة فلسطينية”.

ومن جانبه، قال “لورينزو فيدينو”، مدير برنامج مكافحة التطرف في جامعة جورج واشنطن: إن “شبكة تركيا الإسلامية عبر أوروبا تعزز النفوذ التركي وتقوض التكامل الأوروبي”.

وقال أتراك منفيون في ألمانيا لشبكة “زد دي إف” الإخبارية الألمانية إنهم يواجهون تهديدات مباشرة من المساجد التي تديرها تركيا، بينما تعيش النائبة الألمانية “سيفيم داغديلن”، وهي من أصل تركي وتكتب مقالات لصحف تركية، تحت حماية الشرطة الألمانية بعد أن استُهدفت وتعرضت لعدة هجمات شخصية.

وفي الأسبوع الماضي، تعرض الصحفي المنفي “إرك أكارير”، الذي اتهم حزب العدالة والتنمية بـ “الأكاذيب والنفاق والاحتيال” في تغريدة في أبريل، لهجوم بسكين في منزله في برلين. وغرد بعد عودته من المستشفى، على الرغم من عدم الكشف عن هوية مهاجميه: “هذا دليل على أن كل ما نقوله عن الحكومة الإسلامية والفاشية وحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية صحيح”.

وفي صباح اليوم التالي على نهاية الانقلاب الفاشل، وصفه أردوغان بأنه “هدية من الله” – وهو وصف من المرجح أن يكون أكثر صحةً بمرور الأيام. وفي ظل هذه الأجواء نشرت وسائل الإعلام التركية الأسبوع الماضي صورًا لقصره الصيفي الجديد المكون من 300 غرفة، والذي تبلغ تكلفته 74 مليون دولار، وله شاطئ على شكل هلال وحمامات سباحة ودار ضيافة ضخم إلى جانب الحدائق. وسريعًا ما أشار كتّاب الأعمدة المؤيدون للحكومة إلى مؤامرة الانقلاب عام 2016 بحجة أن القصر الجديد، الموجود في مرمريس، كان ضروريًّا لأسباب أمنية.

ولكن بمجرد انتشار صور القصر على مواقع الإنترنت، حثت السيدة الأولى “أمينة أردوغان” الشعب التركي على الاستهلاك بكميات أصغر، كجزء من حملة للحد من النفايات. وقد أثار هذا التجاور غضب العديد من الأتراك، خاصة مع زيادة نسبة الفقر، وارتفاع التضخم بنسبة 17.5%، وهي النسبة الأعلى خلال عامين.

وقال “كمال كيليجدار أوغلو”، رئيس حزب المعارضة الرئيسي، عن أردوغان: “إن الشعب يتضور جوعًا، ولأنه لا يأبه لذلك، فقد بنى لنفسه قصرًا صيفيًّا”.  وخلال عطلة نهاية الأسبوع، كشف أبرز خبراء استطلاعات الرأي، “جيمس إن توركي”، أن كلًّا من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يواجهان تدنيًا قياسيًّا في شعبيتهما، وتحدثت عدة تقارير عن انقسامات مفصلية في تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، حيث يسعى الأول لإيجاد شريك جديد في الائتلاف. وبعد خمس سنوات، من استغلال أردوغان للانقلاب الفاشل لتعزيز سيطرته على تركيا وعلى الشتات، ربما أوشكت هذه الأيام على الانتهاء.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا