الجارديان | عندما يصبح الثوار مستبدين فالشعوب تدفع الثمن.. وحينها نتساءل من خان الثورة؟!

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

مَن خان الثورة؟

سؤال يطرحه الكوبيون الآن بعد الحملة القمعية التي شنّها النظام الأسبوع الماضي على المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحرية. إنه أيضًا لغز بالنسبة لغيرها من حركات التحرير السابقة التي تمارس الآن سلطتها في أماكن أخرى مثل جنوب إفريقيا ونيكاراجوا وفلسطين. وكثيرًا ما يبدو أن القادة الجدد ينتهجون نهجًا أفضل قليلاً أطاحوا بهم من القادة القدامى.

ويواجه تيار اليسار التقدمي معضلة واضحة عندما تأتي أسباب الثورة بنتائج عكسية. وتماشيًا مع التقليد الأمريكي التبسيطي، ينشغل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بتقسيم العالم إلى أشخاص صالحين وأشرار، وديمقراطيين ومستبدين. ويركز أغلب اهتمامه على قادة اليمين المستبد، كما هو الحال في البرازيل وبيلاروسيا وروسيا وميانمار.

ولكن ماذا عن ديكتاتوريات اليسار؟

لا ينطبق هذا التعريف بسهولة على الصين؛ لأنها استبدلت منذ فترة طويلة النظرية الشيوعية بالممارسة الرأسمالية، رغم أن الحزب الشيوعي الصيني لم يعترف بذلك. وفي المقابل، يحافظ كبار الكوادر الكوبية، الذين نصبوا أنفسهم ورثة “فيدل كاسترو”، على ثقتهم بالأيديولوجية الماركسية القديمة. وبالطريقة القديمة البالية، رفض الرئيس الكوبي الاحتجاجات ووصفها بأنها مؤامرة أمريكية.

وتجاوز “ميجيل دياز كانيل” السردية القديمة حول وجود انقلاب على غرار انقلاب خليج الخنازير دبره المرتزقة والمخربون من مقر قيادتهم في ميامي، إذ أعلن بيروقراطي الحزب البالغ من العمر 61 عامًا، متسترًا على افتقاره إلى خبرة “تشي جيفارا”: “إذا كانوا يريدون هزيمة الثورة، سيتعين عليهم أن يمروا فوق جثثنا”. وأضاف أن المتظاهرين “ثوار مرتبكون”، وهو مصطلح ينطبق عليه نفسه بشكل أكثر.

والأكثر صدقًا إلى حد بعيد هو الاعتراف بأن أي “ارتباك” بين الكوبيين ينبع من المصاعب الناجمة عن انكماش الاقتصاد، والاستبداد، وفيروس كورونا، والعقوبات الأمريكية، وشح النفط الفنزويلي المدعوم، وأمام فشل النظام الديمقراطي ووجود نظام فاسد غير شرعي يتصدى لهذه المصاعب، فإن حبس المتظاهرين والصحفيين لم يكن أبدًا الحل.

فهل من العدل أن نقول إن الشيوعيين الكوبيين قد خانوا ثورتهم؟ ليس تمامًا. فقد عانت كوبا ما بعد عام 1959 بقيادة كاسترو عقودًا من التلاعب والتدخل بقيادة الولايات المتحدة. فيما خَرَّبت جهات خارجية الجهود الساعية نجو بناء مجتمع أكثر عدالة.

ومع أن “بايدن” أقل عدائية من سلفه، إلا أن التغيير الأساسي في سياسة الولايات المتحدة يبدو غير مرجح؛ نظرًا لأهمية تصويت الأمريكيين من ذوي الأصول اللاتينية من ذوي الميول الجمهورية في فلوريدا في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. وبمعرفة ذلك، لن يتغير قادة كوبا أيضًا عن طيب خاطر. لذا فإن الحصار والنضال مستمران.

وإلى نيكاراجوا، نجد أن “دانيال أورتيجا”، المحارب المخضرم في حرب 1981-90 مع متمردي الكونترا اليمينيين الممولين من الولايات المتحدة، يجادل بالمثل أن ثورة 1979 في البلاد تعرضت للخيانة والتخريب من جهات خارجية، على الرغم من أن جبهة تحرير ساندينيستا في أوجها كانت تتمتع بدعم خارجي، على الأقل في بريطانيا.

ولكم كان الوضع محبطًا، أنْ تحول أورتيجا إلى نسخة حديثة من “أناستاسيو سوموزا”، الديكتاتور الذي أطاح به. ومثل بطل اشتراكي آخر، “هوجو شافيز” في فنزويلا، وخليفته الشرير “نيكولاس مادورو”، فقد سلب أحزاب المعارضة، وألغى حدود الولاية، وأخذ بالقضاء والإعلام، واعتقل المعارضين، وقد عادت إلى الأذهان تلك العصور القديمة، عندما فرضت واشنطن عقوبات الأسبوع الماضي.

لم تتح أي فرصة للثورة في نيكاراجوا، فقد كانت الأنظمة الجيوسياسية والمالية والتجارية العالمية مصطفة ضدها، فبعد أكثر من 40 عامًا، لا تزال البلاد من بين أفقر الدول في نصف الكرة الغربي.

ومع ذلك، فهذه ليست الطريقة التي يخبرنا بها أورتيجا، هو وزوجته، نائبة الرئيس “روزاريو موريللو”، إذ يتشبثان، بتناقض غريب، بعباءة الثوار الناجحين غير التقليديين، ولذلك من يخادع من في جدلية الخيانة المتبادلة؟

وإلى القارة الإفريقية، حيث كان الفقر المتأصل، وتاريخ الاستغلال الاستعماري، وموروثات الحرب من التحديات التي واجهها أيضًا الأفارقة المطالبون بالحرية في القرن العشرين، ولكن بمجرد توليهم السلطة، غالبًا ما كانوا يفشلون بسبب مبدأ اهتراء السلطة.

ففي أنجولا وموزمبيق الغنيتين بالطاقة، حيث تتفوق الأموال على الجماعة، يُفترض أن المحررين اليساريين هم النخب الجديدة بينما تظل الشعوب فقيرة. أما زيمبابوي ما بعد الاستقلال بقيادة “روبرت موجابي” فقد كانت كارثة في حد ذاتها.

ومع ذلك، كيف يمكن تفسير الاضطرابات التي تنتشر في جنوب إفريقيا الآن، والتي كانت عندما تولى المؤتمر الوطني الأفريقي زمام الأمور في عام 1994 أغنى اقتصاد في القارة؟ لا تتعلق أعمال الشغب والنهب الأخيرة هذه، في النهاية، بسجن الرئيس السابق “جاكوب زوما”، ولكنها تتعلق بالحلم المسجون بعصر ما بعد الفصل العنصري من الرخاء المشترك وتكافؤ الفرص.

ولا شك أن الظروف اجتمعت ضد جنوب إفريقيا، فمن الخراب الاقتصادي إلى فيروس كورونا، الذي دخل الآن موجته الثالثة، والذي أثر بشدة على البلاد، إذ أصبحت نسبة البطالة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 أعلى من 32٪. وهي النسبة الأعلى بين الشباب في العالم. ومع ذلك، فإن كل هذا لم يكن وحده سبب الانهيار.

خلاصة القول هي أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي ضَعُفَ بسبب صراعات السلطة اللامتناهية وفضائح الفساد، قد فشل بوضوح في تحقيق الآمال المرجوة في أمة قوس قزح التي خطط لها نيلسون مانديلا، ولكن الشعب هو الذي يدفع الثمن. فقد فقدت حركة ملهمة طريقها بكل وضوح، حيث أضحى نشر قواتها ضد المدنيين اليائسين يحمل أصداءً من الماضي تنذر بالسوء.

وفي المقابل وللذين يركزون على تصاعد الاستبداد اليساري، فإن السلوك الديكتاتوري للرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، مثير للقلق بشدة، فلم يَخُضْ زعيم فتح، الذي لا يحظى بشعبية والبالغ من العمر 85 عامًا، انتخابات عامة منذ عام 2006، ويُنظر إلى إدارته على أنها تخدم مصالحها الذاتية وتؤدي إلى الانقسام كما أنها غير فعالة، كما أن وفاة الناقد “نزار بنات” مؤخرًا في الحجز أثارت صيحات احتجاج في جميع أنحاء الضفة الغربية وهو ما جرى قمعه بشدة.

والدولة الفلسطينية هي قضية يسارية رمزية للغاية، والتي تلاشت رؤيتها مع انحسار المصالح الخارجية واستيلاء إسرائيل على أرضها بلا خجل، وفي هذا الإطار يحتاج الفلسطينيون بشدة إلى قادة جدد متحدين ومنتخبين ديمقراطيًّا، والذين يمكنهم كبح عنف متشددي حماس، ويتجنبون الأفخاخ السياسية الإسرائيلية والإيرانية، كما يمكنهم إعادة إحياء الدعم الدولي النشط لحل الدولتين.

من أجل الفوز، يجب أن تتغير شروط خوض هذه المعارك وغيرها. يجب تعلم الدروس القديمة عن الحرية من جديد، ولكن الانزلاق إلى الاستبداد يقاوم التجديد، ولذلك فقد حان الوقت للثورة على اليسار.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا