الصحافة الفرنسية | ماكرون يعد بخطة استثمارية جديدة.. ولبنان في سقوط حر

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

مأزق سياسي في خضم الأزمة الاقتصادية في لبنان

احتلت الأزمة السياسية في لبنان صدر الصحافة الفرنسية لهذا الأسبوع، حيث سلطت جريدة “ليكسبريس” الضوء على تخلي رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري عن تشكيل حكومة بعد قرابة تسعة أشهر من تعيينه.

وفي الشأن اللبناني، لن يتعامل المراقبون العالميون والأوروبيون بلطف بعد أن تخلى رئيس الوزراء سعد الحريري عن تشكيل الحكومة بعد تسعة أشهر من تعيينه دون أن يحقق هدفه المتمثل في تشكيل فريق يقوم بإطلاق إصلاحات أساسية تساعد على إلغاء حظر المساعدات الدولية المهمة بشكل خاص. وأثار فشل الحريري انتقادات الأمم المتحدة وفرنسا التي تضغط على القادة اللبنانيين في مواجهة انهيار البلاد منذ انفجار مرفأ بيروت.

من جانبها، وصفت واشنطن قرار الحريري بأنه “مخيب للآمال”؛ حيث قال وزير الخارجية أنطوني بلينكين إن تخلي سعد الحريري يمثل “خيبة أمل أخرى للشعب اللبناني”. وعبر رئيس الدبلوماسية الأمريكية عن أسفه قائلًا: “الطبقة السياسية اللبنانية أهدرت الشهور التسعة الماضية”، ودعا قادة بلد الأرز إلى “تنحية خلافاتهم جانبًا دون أي تأخير”.

أما فرنسا فتتحدث عن حالة من “التدمير الذاتي الساخر”. لكن وفقًا لوزير خارجيتها السيد جان إيف لودريان “لا يزال هناك وقت للتعافي”، مضيفًا أن “ما حدث يعيد القادة السياسيين اللبنانيين إلى تحمل مسؤولياتهم”، معربًا عن أسفه لأن انسحاب الحريري يأتي قبل أيام قليلة من ذكرى مأساة مرفأ بيروت. من جهته، أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة دعوة المنظمة “للقادة السياسيين في البلاد للاتفاق بشكل سريع على تشكيل حكومة جديدة”.

باب المناقشات مغلق

وكانت اشتباكات قد اندلعت بين قوات الأمن وعشرات المحتجين الذين تجمعوا في أعقاب إعلان تنحي سعد الحريري، حيث أعلن للصحافة أنه التقى بالرئيس ميشال عون الذي دعا بدوره إلى إجراء تعديلات على تشكيل الحكومة، وهذا الأمر محل اعتراض بالنسبة له.

وقال: “من الواضح أن موقف عون لم يتغير. لقد عرضت عليه مزيدًا من الوقت للتفكير في الأمر”، لكنه قال في النهاية: “لا يمكننا أن نتفق”. لهذا السبب اعتذرت عن عدم تمكني من تشكيل الحكومة. لكن الرئاسة ردّت في بيان لها أن سعد الحريري “غير مستعد لمناقشة أي تعديلات”، وتساءلت: ما الهدف من استهلاك المزيد من الوقت بينما باب المناقشات مغلق؟”.

ومن الآن فصاعدًا، على الرئيس ميشال عون أن يبدأ في مشاورات جديدة لاختيار رئيس الحكومة. وستبدأ الأحزاب بعد ذلك في مساوماتها التقليدية، والتي غالبًا ما لا تنتهي، لتشكيل حكومة في هذا البلد متعدد الأديان، الذي يعاني من سوء الإدارة من جانب بارونات الطوائف المختلفة.

من جانبه، اتهم سعد الحريري، منذ عدة أشهر، الرئيس عون بعرقلة تشكيل الحكومة من خلال الإصرار على وجود “أقلية معطلة” ضمن الفريق الحكومي والسعي إلى فرض توزيع “طائفي وحزبي” للحقائب الوزارية. وأضاف لقناة الجديد التلفزيونية اللبنانية قائلًا: “لو شكلت الحكومة التي يريدها ميشال عون لما استطعت قيادة البلد” والقيام بالإصلاحات. وكرر سعد الحريري مرارًا وتكرارًا تمسكه بتشكيل حكومة التكنوقراط التي يطالب بها المجتمع الدولي.

انهيار اقتصادي

وفي 7 مارس 2020، تخلف لبنان، الغارق في ديون تبلغ 92 مليار دولار وتعادل 170٪ من الناتج المحلي الإجمالي، للمرة الأولى في تاريخه عن سداد شريحة أولى من ديونه بقيمة 1.2 مليار دولار. وفي 23 من الشهر نفسه، أعلن أنه لن يدفع جميع أذون الخزانة الصادرة بالدولار، قبل الإعلان عن التخلف عن سداد جميع ديونه.

ولم تؤد الأزمة الصحية، ثم انفجار مرفأ بيروت، إلا إلى تفاقم الوضع. فالحكومة الحالية، المسؤولة عن الشؤون الجارية، استقالت بعد كارثة المرفأ التي خلفت أكثر من 200 قتيل و6500 جريح، وهذه الاستقالة كانت بمثابة الضربة القاضية للشعب المطحون، حيث يعيش أكثر من نصف السكان حاليًا تحت خط الفقر وتواجه البلاد، التي تعاني من نقص النقد الأجنبي، العديد من النقص في الأدوية والوقود والكهرباء، وما إلى ذلك.

في هذا السياق، أكد البنك الدولي أن الانهيار الاقتصادي في لبنان قد يصبح إحدى أسوأ الأزمات المالية التي شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ففي 9 يوليو، أضربت الصيدليات، وأغلقت محطتان كبيرتان لتوليد الكهرباء بسبب نقص الوقود. وواصلت الليرة اللبنانية هبوطها في السوق السوداء؛ ما تسبب في ارتفاع هائل في الأسعار. فالعملة اللبنانية المربوطة رسميًّا بالدولار، بسعر 1507 ليرة للدولار الواحد، تم بيعه بأكثر من 20 ألف ليرة للدولار بعد إعلان سعد الحريري.. في الحقيقة الأزمة في لبنان شاملة.

لبنان في سقوط حر.. وفرنسا تعلن عن مؤتمر للمساعدة

وفي السياق ذاته، حذرت جريدة “لوبوان” من الوضع في لبنان، الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، وبات معرضًا لخطر الانزلاق في الهاوية بعد فشل سعد الحريري في تشكيل حكومة جديدة، وسط اتهامات غربية للقادة اللبنانيين بالعرقلة “المتعمدة”. وأعلنت فرنسا، التي تشرف على الجهود الدولية لإنهاء الأزمة، عن مؤتمر دولي جديد للمساعدات في لبنان في الرابع من أغسطس المقبل بهدف “تلبية احتياجات اللبنانيين”.

وسيُعقد هذا المؤتمر في يوم الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت المدمر، والذي ألقى باللوم فيه على إهمال السلطات؛ ما خلّف أكثر من 200 قتيل، وأدى إلى تدمير أحياء بأكملها وتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من الأسوأ في التاريخ منذ عام 1850. وفي مواجهة التهاب الأسعار، انهارت العملة الوطنية انهيارًا تاريخيًّا، واختبر الشعب إفقارًا غير مسبوق وقيودًا مصرفية شديدة القسوة، وهكذا يعيش اللبنانيون على وقع النقص الحاد في السلع، لا سيما في الإمدادات الطبية والوقود.

وفي الشمال، حيث طرابلس، اندلعت اشتباكات بين المتظاهرين والجيش، ما أسفر عن إصابة 19 شخصًا، بحسب الصليب الأحمر اللبناني. وقال الجيش إن شبانًا ألقوا قنبلة يدوية وحجارة؛ ما أدى إلى إصابة 15 جنديًّا. وفي الجنوب أضرم متظاهرون النار في إطارات سيارات في صيدا.

 لقد تم اغتيالك عن عمد!

وبعد فشل الحريري في تشكيل الحكومة، اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي، بينما طالب قسم كبير من السكان برحيل الطبقة السياسية بأكملها. حيث كتب أحد مرتادي موقع فيسبوك: “وداعًا لبنان. لقد تم اغتيالك عن عمد”. وقال الناشط لوسيان بورجيلي: “كل القادة دون استثناء دمروا البلاد وما زالوا يفعلون ذلك”.

وكأن الصعوبات لم تكن كافية، أشار وزير الصحة اللبناني حمد حسن إلى أنه سيتم رفع الدعم عن بعض الأدوية من الآن فصاعدًا لإبطاء استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي. في غضون ذلك، انهارت الليرة اللبنانية مرة أخرى في السوق السوداء مقابل الدولار، متجاوزة 22 ألف ليرة للدولار، مقارنة بأقل من 20 ألف ليرة قبل إعلان السيد الحريري، بينما السعر الرسمي يظل عند 1507 ليرة للدولار.

ماكرون يعد بخطة استثمار في الخريف

وفي الداخل الفرنسي، أبرزت جريدة “ليزايكو” نوايا الرئيس ماكرون للعمل الاقتصادي خلال السنة الأخيرة من فترة ولايته، حيث يرى ماكرون أن النمو يجب أن يصل إلى 6٪ في عام 2021؛ لذا سيتم إطلاق خطة استثمارية لتعزيز هذه الديناميكية والمساعدة في تحقيق رؤية “فرنسا 2030”. وبينما من المنتظر أن يتم إرجاء إصلاح نظام التقاعد حتى نهاية الوباء، سيتم من ناحية أخرى، البدء في نظام التأمين ضد البطالة اعتبارًا من شهر أكتوبر.

وكان إيمانويل ماكرون قد وعد مؤخرًا بأن السنة الأخيرة من ولايته البالغة خمس سنوات ستكون “سنة مفيدة”. وفي ضوء الإعلانات التي صدرت الأيام الأخيرة خلال حديثه، ستكون هذه السنة مفيدة بشكل خاص في التطلع إلى ما بعد 2022 والتحضير لولاية ثانية محتملة. وإلى جانب الإجراءات الصحية الجديدة، أصر رئيس الدولة على إطلاق خطة استثمارية جديدة لاستكمال خطة الإنعاش للعام الماضي البالغة 100 مليار يورو وبناء “فرنسا 2030”.

ومنذ أسابيع، طالبت أصوات الأغلبية ماكرون بإعادة الاستثمار في الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية، التي شكّلت محور برنامجه الانتخابي في عام 2017. لكن التهديد الوبائي الذي يشكّله المتحور دلتا أثر سلبًا على جميع الخطط ودفع بها، في خطابه، إلى المرتبة الثانية. وهذا هو الحال بشكل خاص فيما يتعلق بإصلاح نظام المعاشات التقاعدية، الذي بدا حتميًّا قبل شهر، لكن رئيس الدولة يريد الآن أن يأخذ وقته.

وقال ماكرون: “لن أبدأ في هذا الإصلاح حتى يتم السيطرة على الوباء”. ومع ذلك، أعاد التأكيد على المبادئ الرئيسية التي ينوي تنفيذها حتى لو لم يكن هناك جدول زمني محدد، مشيرًا إلى الإصرار على ضرورة “إنهاء الأنظمة الخاصة” وعلى ضرورة “العمل لفترة أطول ومد سن التقاعد” حتى لو تم ذلك “بالتدريج على مدى عدة سنوات”.

إعطاء الأولوية للعمل

ويعد هذا الوعد بالإصلاح جزءًا من الأولوية الممنوحة للعمل التي أظهرها ماكرون منذ بداية فترة رئاسته الخمسية، ومن هذا المنطلق، أعلن أن إصلاح التأمين ضد البطالة الذي علقه مجلس الدولة مؤخرًا سيتم تنفيذه في 1 أكتوبر المقبل. وأن هناك أيضًا “خطة تدريب وإعادة تأهيل مكثفة للعاطلين عن العمل لفترات طويلة في بداية العام الدراسي.

وبدلًا من الشروع في إصلاح نظام التقاعد الذي من المرجح أن يشعل المناخ الاجتماعي ويقوض الانتعاش، فضّل ماكرون الإصرار على التدابير التي من شأنها تعزيز هذا المناخ، وأشار رئيس الدولة إلى “نمو قد يصل إلى 6٪ عام 2021” مقارنة بتوقعات الحكومة البالغة 5٪ حتى ذلك الحين.

وبالتالي، فإن الأمر يتعلق برعاية ديناميكية الانتعاش، وسيشمل ذلك بشكل خاص خطة استثمار أعلنها ماكرون مساء الاثنين، وأوضح من خلالها أنه “سيكون من الضروري تخريج أبطال الغد في القطاعات التي ستشكل مستقبلنا”، دون الإشارة إلى حجم هذه الخطة.

وبعد أن كان مترددًا لفترة طويلة في أي شيء يمكن أن يشبه خطة التحفيز الثانية، تحول وزير الاقتصاد، برونو لو مير، قبل بضعة أسابيع إلى فكرة خطة الاستثمار هذه. فبينما تكتلت خطة المائة مليار يورو التي تم الكشف عنها العام الماضي بإجراءات متباينة للغاية، إلا أنها هذه المرة ستستهدف فقط الاستثمارات في القطاعات الاستراتيجية، مثل الهيدروجين وأشباه الموصلات والبطاريات الكهربائية.

دخل التزامي

كما أعلن رئيس الدولة عن إصلاحات مقبلة لصالح الشباب وكبار السن. فبالنسبة للشباب، وعد في بداية العام الدراسي بتخصيص “دخل التزامي لصالح الشباب الذين ليس لديهم عمل أو تدريب وسوف يقوم على منطق الواجبات والحقوق”. وهذا اسم جديد لمشروع “الضمان العالمي للشباب” الذي نوقش طويلًا داخل الحكومة. حيث كانت الفكرة تتمثل في الاستجابة للأصوات اليسارية التي تطالب بتخصيص دخل تضامني للشباب، مع منحة تصل إلى 500 يورو مع مصاحبة منسق في مهمة عمل محلية أو في مكتب العمل.

وفيما يخص كبار السن، وبمناسبة بناء “ميثاق فرنسي جديد بين الأجيال”، وعد ماكرون كبار السن أيضًا بطموح إنساني كبير للاستقلالية، ودعم معزز للرعاية المنزلية، وبناء دور تقاعد حديثة، دون إعطاء الكثير تفاصيل، وتُعدُّ هذه وسيلة لإعادة الإصلاح الكبير للاستقلالية التي يَعِد بها منذ أشهر.

ربما يعجبك أيضا