ناشيونال إنترست | هل يمكن أن تشهد كوريا الشمالية تحولًا في ميزان قوتها؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لم يكن الحكم في كوريا الشمالية شفافًا حتى في أفضل أزمانها. واليوم ليس أفضل أزمانها، مع أن تغيير القيادة الأخير يشير إلى أن ميزان القوى ينتقل من الجيش إلى المدنيين، رغم أنه لا يوجد من هو متأكد من ذلك. لقد خرج “كيم جونغ أون” عن مسار والده وجدّه في نواحٍ كثيرة. ولعل الأهم هو التزامه العلني بتحسين مستويات معيشة شعبه، إضافة إلى الفشل في الحفاظ على النمو الاقتصادي الذي تحقق.

وقبل ثلاث سنوات، أعلن كيم أن كوريا الشمالية قد اكتسبت قوة الردع، وبالتالي فإنه سيركز على السياسة الاقتصادية. وبالتخلي عن سياسة بيونج جين، أي التنمية العسكرية والاقتصادية الموازية، أخذ كيم بالمخاطرة السياسية. وتعليقًا على ذلك، قال الاقتصادي الألماني “روديجر فرانك”: “هذا يجعله أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية من سابقيه”. وربما كان الخوف من فقدانه للأرض هو السبب وراء تغييراته السياسية الأخيرة.

لقد أصبحت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية مجتمعًا استهلاكيًّا غير عادي. ففي عام 2017، كان هناك المزيد من الألوان والأناقة والسلع في بيونج يانج، لكن الزمن تغير. وقد شرح “روديجر فرانك”، المتخصص في اقتصاد شرق آسيا في جامعة فيينا، تفاصيل التغييرات الجديدة في كوريا الشمالية، قائلًا: “منذ عشرين عامًا حتى الآن، ترسخت النزعة الاستهلاكية في البلاد، فقد توفرت وانتشرت السيارات والهواتف الذكية والدراجات الكهربائية وأجهزة التلفاز ذات الشاشات المسطحة والأزياء والأطعمة الفاخرة والمقاهي. وتمتلئ الأسواق التي يزيد عددها عن أربعمائة، وحتى المتاجر والمحلات التي تديرها الدولة في كوريا الشمالية بالكثير من المنتجات عالية الجودة على اختلاف تنوعها. كما أصبح المجتمع أكثر تنوعًا، بعد أن ظل لفترة طويلة متجانسًا اقتصاديًّا إلى حد كبير ولم تكن هناك اختلافات بين أفراده عدا المزايا السياسية مثل عضوية الحزب أو أوجه القصور السياسية مثل الروابط الأسرية مع كوريا الجنوبية. ويسير الانقسام على طول خطوط نقدية جديدة، إذ يمكن للبعض تحمل الكماليات الجديدة، فيما لا يستطيع البعض الآخر، بينما تتركز الطبقة الوسطى الجديدة في بيونج يانج، ولكنها تنتشر أيضًا في عواصم المقاطعات”. ويهدد هذه المكاسب الآن خطرٌ كبير، كما أن لها تأثيرًا غير مؤكد على قبضة كيم على السلطة.

ولم تذهب إصلاحات كيم الاقتصادية أبعد من ذلك بكثير، فقبل ثلاث سنوات أصر “روديجر فرانك” على أن القائد الأعلى إذا أراد “البقاء في السلطة وتحقيق الوحدة الكورية تحت قيادته، فسيتعين عليه أن ينجح في جعل كوريا الشمالية النمر القادم من شرق آسيا. ومع ذلك، فإن تحقيق مثل هذا الهدف الطموح سيكون مستحيلًا دون اتخاذ خطوات حاسمة نحو الخصخصة”. وهذا ما لم يحدث أبدًا. كان هناك تحرير حقيقي، لكنه لم يرق إلى مستوى التغييرات التي غيرت كوريا الجنوبية وتايوان والصين.

والأسوأ من ذلك أن كيم قد تراجع منذ ذلك الحين، فعندما اجتمع حزب العمال الكوري في يناير، لم نجد “أي اهتمام واضح بالإصلاح أو تخفيف العقوبات أو انفتاح الاقتصاد”. في الواقع، “يتم تقليص حريات تنظيم المشاريع. وعادت وسائل الإعلام الحكومية والاقتصاديون الحزبيون إلى الخطاب القديم المألوف للاكتفاء الذاتي والسيطرة المركزية”، وذلك وفقًا لمجلة “الإيكونوميست”.

وجاء دور العقوبات ليحمل نفس القدر من الخطورة، وربما يكون تركيز كيم المعلن على الاقتصاد إشارة موجهة لإدارة ترامب وأيضًا إلى شعبه الكوري: “أشعر بالأمان وأنا على استعداد للتعامل”. وقد أظهر اقتراحه في هانوي، حتى لو كان غير متوازن، الطريق إلى الأمام، وكان ينبغي استخدامه كأساس للمفاوضات: تخفيضات في الأنشطة النووية لكوريا الشمالية مقابل تخفيضات في العقوبات.

وللأسف، فقد انهار هذا النهج. ففي العام الماضي، بدا أن كيم تخلَّى علنًا عن أي جهد لإشراك إدارة ترامب. وقال لقادة حزب العمال الكوري: إن المواجهة بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية والولايات المتحدة، التي استمرت لأجيال، تم ضغطها الآن في مواجهة واضحة بين الاعتماد على الذات والعقوبات. وفي هذه الحالة، ينبغي ألَّا يفاجئ موقفه أحدًا، حيث قال: “لا يمكننا أبدًا بيع كرامتنا، التي دافعنا عنها حتى الآن باعتبارها إحدى قيمنا وتساوي حياتنا، على أمل حدوث تحول رائع”.

وقد يفسر هذا التحول في الموقف إحجام كيم الواضح عن إشراك إدارة بايدن. ربما أصبح متشائمًا بشأن احتمالية التوصل إلى اتفاق مع أي إدارة أمريكية. وربما يعتقد كيم أن بايدن لن يظل رئيسًا إلا لولاية واحدة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه لفرض أي صفقة يتم التوصل إليها، أو ربما يعتقد أنه من الضروري تحسين نفوذه من خلال إثبات أنه ليس حريصًا على أي صفقة. وعلى أي حال، من المرجح أن تظل العقوبات سارية في المستقبل المنظور.

وجاءت استجابة كوريا الشمالية لفيروس كورونا استكمالًا لثلاثية الاقتصاد السلبي، ففي العام الماضي فرضت كوريا الشمالية عقوبات فعالة على نفسها؛ ما أدى إلى عزلة أكبر مما تسببه القيود الخارجية. على سبيل المثال، ووفقًا للباحث “دامينوف إيلدار” من مؤسسة (فيجيناري أناليتكس): “يبدو أن كوريا الشمالية تسير في مسار مستويات جديدة غير مسبوقة من الانعزالية”.

ويبدو أن قيادة كوريا الشمالية تتأرجح باستمرار- حتى أن أخت كيم فُصِلَت من المكتب السياسي لأسباب غير معروفة. ربما وفرت “الأزمة الكبرى” أيضًا فرصة جيدة لكيم للقيام بما كان ينوي فعله في السابق، مثل تعزيز السيطرة المدنية على الجيش. شدد والده على سياسة الجيش أولًا، ثم عزز دور لجنة الدفاع الوطني، وقد قام كيم بتغيير هذا المسار.

لا يشير أي من هذا إلى أن كيم أصبح فجأة من محبي السلام. ففي خطاب حزبه في يونيو، قدّم قائمة أمنيات عيد الميلاد الخاصة به قبل ستة أشهر. وقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن كيم كان “يعرض قائمة مفصلة بشكل غير عادي بالأسلحة التي كانت كوريا الشمالية تطورها. ومن بين تلك الأسلحة “أسلحة نووية تكتيكية فائقة الحداثة”، ورؤوس حربية للطائرات الشراعية تفوق سرعة الصوت، و”صواريخ” متعددة الرؤوس، وأقمار صناعية للاستطلاع العسكري، وغواصة تعمل بالطاقة النووية، وصواريخ باليستية عابرة للقارات تُطلق من الأرض والغواصات والتي تستخدم الوقود الصلب. وفي يناير، أوضحت صحيفة “رودونج سينمون” هذا النهج بشكل أوسع نطاقًا: “يُظهر الواقع أنه من أجل ردع التهديدات العسكرية الأمريكية وتحقيق السلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية، ويجب علينا تعزيز قدراتنا الدفاعية الوطنية دون التوقف ولو للحظة واحدة”.

ومع ذلك، ربما يعتقد كيم أن استمرار دعمه للتسليح المطلوب للجيش ومراقبة كبار المسؤولين هو أمر كافٍ لضمان ولاء القوات المسلحة دون تمثيل رفيع في الحكومة. ربما كبح كيم النفوذ السياسي للجيش لتقليص النفقات العسكرية بسهولة أكبر للمساعدة في التعامل مع الطوارئ الاقتصادية الناشئة. أو ربما كان يعتقد ببساطة أن “ري بيونج تشول” فشل في مهمته، وينبغي استبداله. من المستبعد أن يعرف أي شخص خارج قلة مختارة في بيونج يانج إجابات لهذه التساؤلات.

وتشير التجربة إلى أن ما نراه ما هو إلا صورة عابرة، وأن كوريا الشمالية ستتجاوز “مسيرة شاقة” أخرى. ولكن ربما لا. ففي فبراير 1989، أعلن السياسي الألماني المخضرم “فولفغانغ شويبله” أن الإيمان بإمكانية إعادة توحيد ألمانيا كان “وهميًّا”. ولكن بعد تسعة أشهر سقط جدار برلين.

وكما وصف “ونستون تشرشل” روسيا ذات مرة بأنها “لغز ملفوف بالغموض داخل أحجية. ولكن ربما يكون هناك مفتاح”. يمكن قول الشيء نفسه عن كوريا الشمالية، باستثناء عدم وجود مفتاح حتى الآن، على الرغم من أن النظام أصبح أقل غموضًا قليلاً في السنوات الأخيرة.

ويبدو أن هناك حركة سياسية داخل كوريا الشمالية، مدفوعة على الأرجح بتدهور الاقتصاد. ومع ذلك، يمكن أن يحدث أي شيء. ولذلك فحتى لو كانت إدارة بايدن لا تتحدث مع بيونج يانج، عليها أن تراقبها.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا