ذا استراتيجيست | هل تستطيع بكين تجنب الانجرار إلى المأزق الأفغاني؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

منذ الاتفاقية التي عقدتها واشنطن في فبراير 2020 مع طالبان للانسحاب من أفغانستان، اقترح بعض المعلقين أن الصين ربما تتقدم لشغل الفراغ. ربما تراقب بكين الأحداث الأخيرة ببعض القلق، لكنها سترى أيضًا أن الانسحاب الأمريكي يقدّم فرصًا.

تمتلك الصين مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية مهمة في المنطقة، والتي تمنحها حصة في استقرار أفغانستان المستقبلي. تتضمن مصالحها الاقتصادية المباشرة في أفغانستان عقد إيجار لمدة 30 عامًا لمنجم نحاس أيناك، الذي حصلت عليه منذ 2007 لكنها لم تستطع استغلاله بسبب الوضع الأمني المتقلب. من المرجح أيضًا أن بكين تضع عينها على الموارد المعدنية الضخمة لأفغانستان، التي تُقدر قيمتها بأكثر من 1 تريليون دولار أمريكي وتحتوي على كميات هائلة من العناصر الأرضية النادرة.

على مدار الـ20 سنة الماضية، استفادت الصين من التدخل الأمريكي وتدخل الناتو في المنطقة، الذي وفر البيئة الأمنية التي مكنّت بكين من متابعة مبادرة الحزام والطريق عبر باكستان وآسيا الوسطى. استثمرت الصين بشدة على نحو خاص في باكستان وطاجيكستان، اللتين تمثلان عنصرين مهمين لممرين رئيسيين في مبادرة الحزام والطريق. لكنهما أيضًا تتشاركان حدودًا طويلة وسهلة الاختراق وروابط عِرقية وقَبَلية مع أفغانستان، وهما معرضتان للتأثر بشدة بالاضطرابات في أفغانستان.   

ترى الصين أيضًا أفغانستان مهمة لأمن منطقة شينجيانج؛ لأن أفغانستان كانت تُستخدم طويلًا كملاذ للأويغور الهاربين من الاضطهاد في الصين، وكما يُزعم أيضًا كقاعدة لمسلحي الأويغور.

وفي حين أن شكل ومضمون استراتيجية بكين في أفغانستان لا يزالا يتشكلان، من المرجح أنها ستركز على جذب أيٍّ كان من يتولى السلطة في كابول إلى مدارها من خلال الدعم المالي والاستثمار الموجه. ربما ترغب بكين في تجنب الاضطلاع في أي أعمال شاقة على الأمن الأفغاني، لكنها ستعمل على الأرجح للحد من أي اضطراب أو تهديدات تنشأ من الرحيل الأمريكي والتي من شأنها أن تؤثر على المصالح الأمنية الصينية أو الاستثمارات الإقليمية لمبادرة الحزام والطريق.

لقد جادل بعض المعلقين بأن الصين سوف تتابع أجندتها في أفغانستان عبر إطار تعاوني يشمل باكستان وروسيا وإيران، والذي لن يحتاج لإلزام “الجنود على الأرض” في أفغانستان. وأشار آخرون إلى أن أفغانستان محورية جدًّا لاستراتيجية “التوجه غربًا” الصينية لدرجة أنه من الحتمي أن تلعب الصين دورًا مباشرًا ومؤثرًا أكثر في أمن أفغانستان المستقبلي.

أظهرت بكين دومًا استعدادًا للعب على طرفي الخلاف الأفغاني. في 2018، ظهر أن وفدًا صينيًّا إلى كابول حصل على موافقة حكومة الرئيس أشرف غني على بناء قاعدة عسكرية صينية في شمال أفغانستان. وفي 2020، ورد أن بكين دخلت في مفاوضات مع طالبان، ووعدتهم بـ”استثمارات ضخمة في مشروعات الطاقة والبنية التحتية” – مثل طرق سريعة تربط مدن أفغانستان الرئيسية ومشروعات تشمل توليد الكهرباء ونقل النفط والغاز – في مقابل “السلام”. وفي أواخر 2020، اهتزت علاقة بكين وكابول بسبب الكشف عن عملية استخباراتية صينية تعمل مع شبكة حقاني الإرهابية – وهي حليف مقرب لطالبان والذي يحافظ على علاقات مع القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية – لمطاردة الأويغور في أفغانستان.

يشير تعامل الصين مع طالبان وشبكة حقاني أيضًا إلى أن بكين فهمت ما رفضت واشنطن الاعتراف به: أن الانسحاب التدريجي السريع للولايات المتحدة سيؤدي حتمًا إلى صعود طالبان في أفغانستان. تعزز هذا بالمكاسب التي حققتها طالبان في الشهرين الماضيين. في الفترة بين 1 مايو و13 يونيو 2021، زادت الجماعة حصتها من الأراضي الخاضعة لسيطرتها من 73 مقاطعة إلى 223. وفي المقابل انخفض عدد المقاطعات الخاضعة لسيطرة الحكومة من 115 إلى 73، وتتنافس طالبان حاليًا للسيطرة على 111 مقاطعة أخرى.

عرضت بكين أيضًا تسهيل عملية سلام جديدة تشمل الحكومة الأفغانية وطالبان، وضغطت من أجل تفويض جديد من الأمم المتحدة لتقديم المساعدات لأفغانستان لكي يخلف التفويض الذي ينتهي في سبتمبر 2021. إلا أنه، مثلما ذكر براهما تشيلاني في مقال حديث، ربما تفضل بكين طالبان وتستخدم إغراء الاعتراف الدولي والمساعدات الاقتصادية لترسيخ علاقتها مع حكومة طالبان المستقبلية.

تبدو بكين واثقة في أنها تمتلك المهارات اللازمة لاجتياز الوضع السياسي والأمني المتقلب في أفغانستان. ذكرت مقالة رأي في صحيفة جلوبال تايمز – اللسان الناطق باسم الحزب الشيوعي الصيني – أن الصين لا تستطيع أن “تجلس مكتوفة الأيدي ولا تتدخل في الشئون الأفغانية،” وجادلت بأنها “مقارنة بالقوى الأخرى، الصين لديها القدرة على التدخل في الشئون الأفغانية دون أن تتورط فيها”. إذا كان هذا التعليق يعكس تفكير القيادة الصينية، فإنه يُظهر مزيجًا خبيثًا من الغطرسة والسذاجة والذي قد يؤدي إلى سوء تقدير.

تبدو الأحداث في أفغانستان وكأنها تتصاعد بالفعل أسرع من المتوقع، وربما تتحدى قدرة بكين على تولي دور صانع السلام. يهدد الصراع أيضًا بجر جيران أفغانستان. تتعامل طاجيكستان بالفعل مع تدفق للاجئين الأفغان، من ضمنهم قوات الأمن الوطني الأفغانية، وفقدت السيطرة على حدودها مع أفغانستان. لقد حشدت 20 ألفًا من القوات على حدودها وطلبت الدعم من أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم روسيا. هذه الأحداث تمس بوضوح مصلحة بكين نظرًا لأن طاجيكستان لها أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إليها. تحتفظ الصين بقاعدة عسكرية على الأراضي الطاجيكية والوضع سريع التدهور في أفغانستان ربما يُجبر بكين على الالتزام بدور مباشر أكثر في المنطقة، ويشمل هذا عبر نشر قوات حفظ سلام في أفغانستان.

وفي حين أن طالبان تبدو حاليًا مستجيبة لمبادرات بكين، لا يوجد ضمان على أنها ستظل هكذا بمجرد أن تخرج الولايات المتحدة تمامًا من الصورة، حتى إذا أوفت بكين بوعود الاستثمار. ومع مرور الوقت، من المرجح أن يُنظر لبكين كقوة إمبريالية متطفلة أخرى تستغل معاناة أفغانستان لمصلحتها الخاصة. وفي حين أن طالبان غضت الطرف عن اضطهاد الصين للأقليات المسلمة التركية، من المنطقي أن الاستياء الشعبي حول هذه القضية ربما يصبح أكثر وضوحًا مع مرور الوقت. بالإضافة إلى هذا، طالبان ليست الجماعة الإسلاموية المسلحة الوحيدة النشطة في المنطقة. أشارت الجماعات، مثل حركة طالبان باكستان وتنظيم الدولة الإسلامية، إلى عزمها، بالأفعال والأقوال، على مهاجمة المصالح الصينية في المنطقة.

إن الوضع الأمني المتدهور في أفغانستان له انعكاسات على المصالح الإقليمية للصين. على الرغم من اعتقاد بكين بأنها تستطيع التعامل مع أفغانستان وفق شروطها وعن بُعد، ومن المرجح أن تجد الصين نفسها قريبًا متورطة بشدة في الشئون الأفغانية ما بعد الانسحاب الأمريكي. وكما أظهرت تجربة “القوى الإمبريالية” الأخرى التي تجرأت على الدخول في أفغانستان، نادرًا ما ينتهي هذا نهاية جيدة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا