الجارديان| بايدن يسابق الزمن لتوحيد حلفاء أمريكا ضد الصين

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

ثمة اعتقاد عام في واشنطن بأن الآمال الكبيرة السابقة المعلقة على ظهور صين حرة وديمقراطية، والتي أنعشتها في البداية زيارة ريتشارد نيكسون التاريخية للصين عام 1972، قد ذهبت أدراج الرياح! يُوصف نظام الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” الآن بأنه “منافس شامل” و”خصم استراتيجي” أو “تهديد” خطير. يتفق الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والمملكة المتحدة والحلفاء الإقليميون عمومًا على الآتي: حقبة المشاركة مع الصين انتهت.

إن العنصر المفقود هنا هو وجود اتفاق بشأن ماذا سيحدث تاليًا. عوضًا عن وجود سياسة وعمل مشتركين مع الصين، تتوسع الفجوة معها بشكل خطير وسط اصطدامات يومية تقريبًا على جبهات مختلفة بسبب دولة الحزب الواحد العدوانية والمستبدة بزعامة “تشي جين بينغ”. إن لم تكن هذه الفجوة تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والقرصنة الإلكترونية أو التجارة، فإنها ستكون بشأن تايوان أو تأشيرات الدخول أو التجسس أو النزاعات البحرية وحدود المحيط الهندي أو ما يُقال إنه احتجاز رهائن.

عاجلًا أم آجلًا، سيحدث انفجار. لكن استبدال المشاركة بالمواجهة هو أمر متهور وغير مجدٍ في حال كان الغرب غير جاهز لاستخدام قوته السياسة والعسكرية في مواجهة الصين. يمتلك “تشي” خطة لجعل الصين عظيمة مرة أخرى، وهو مصمم بشراسة على تطبيقها. لكن هناك غياب واضح لدرجة مماثلة من الالتزام المشترك ووحدة الهدف وسط الدول الغربية.

بالنسبة لمايك بومبيو، وزير خارجية ترامب السابق والمرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات 2024 الرئاسية، فإن هذا التحدي الصيني وجودي. وكما يخبرنا بومبيو، فإن الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني الصيني المتطرف منخرط في “حملة متواصلة لكي تحل الصين محل أمريكا بوصفها القوة العظمى الحقيقية في العالم، وجعل نموذج الحُكم الصيني هو القاعدة السائدة لكل الدول”.

هذا رأي مبالغ فيه. فبومبيو مسيحي إنجيلي يميني متطرف يُقسّم العالم دون مبالاة إلى خير وشر. لكن فيما يتعلق بالصين، هو يزعم أنه يتحدث نيابة عن معظم الأمريكيين، من بينهم الديمقراطيون، واستطلاعات الرأي الأخيرة تدعم رأيه. ويحذر بومبيو قائلًا “يمثل الحزب الشيوعي الصيني تحت زعامة (تشي) أكبر تهديد خارجي على أسلوب حياتنا”. ويضيف أن الصين مصممة على فرض هيمنتها على العالم وهي “في حرب ضد الغرب لسحق عقيدة الحرية”.

إن إحدى أكبر مفاجآت الأشهر الستة الماضية هي أن الرئيس جو بايدن يبدو أنه متفق عمومًا مع هذا الرأي. بحديثه عن وجود معركة عالمية جذرية بين الديمقراطية والديكتاتورية، كان بايدن أكثر تشددًا تجاه بكين مما هو متوقع. يقول المحلل “جوناثون تيبرمان” إن “العلاقات الأمريكية – الصينية في أسوأ حالاتها منذ عقود، كما أن نهج الإدارة التصادمي الواضح من المرجح أن يُفاقم الأمور”.

في سلسلة خطوات أحادية، وضع بايدن قيودًا على التجارة والاستثمار فيما أبقى على عقوبات ترمب التجارية. فُرضت عقوبات جديدة بسبب مسألتي هونغ كونغ وإقليم “شينجيانغ”. يهدف بايدن للتفوق على خطة “تشي” العالمية الكبرى للبنية التحتية المسماة “الحزام والطريق” ودبلوماسية لقاح كوفيد19. كما أمر البنتاغون بزيادة الجاهزية لأي صراع عسكري مستقبلي.

يجادل المحلل “تيبرمان” بأن نهج بايدن له نتائج عكسية. ويضيف “موقفه المتشدد أدّى لتنفير الصين، وبالتالي تراجع استعدادها المحدود أصلًا للتعاون بشأن قضايا عالمية مهمة مثل المناخ والحدّ من انتشار السلاح النووي ومنع انتشار أوبئة مستقبلية”.

إن مناشدة “جون كيري” في الأسبوع الماضي الصين للتحرك بصورة أسرع للحدّ من انبعاثات الكربون، ربما تكون ضحية مبكرة للعداء المتصاعد. بالمثل، فإن إضفاء بايدن طابعًا أيديولوجيًّا فجًّا على النقاش حول الصين – الحرية ضد الطغيان – يخاطر بإبعاد الصين أكثر عن النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الغرب، وهو النظام الذي يرغب بايدن بشدة في الإبقاء عليه.

لكن أكبر نقطة ضعف لدى بايدن – والتي يدركها “تشي” دون شك – هي عدم وجود تضامن وسط حلفاء الولايات المتحدة، والذين يُعدّ دعمهم ضروريًّا لنجاح سياسة بايدن. إن السؤال حول كيفية الاتفاق على طرق عملية للتصدّي للصين له أجوبة عديدة ومتناقضة، اعتمادًا على موقعك في هذا العالم، كما أن المعضلة الناتجة عن هذا الوضع تتجسد في عبارة مختصرة قالها مسؤولون في البنتاغون وهي: “الفجوة بين القول والفعل”.

شهد الأسبوع الماضي أكبر تقدم في شقّ “القول” لدى بايدن: صدور بيان مشترك مدعوم من جميع دول الناتو الثلاثين، فضلًا عن الاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزيلاندا واليابان، يدينون فيه هجمات الصين السيبرانية “الخبيثة”، مثل القرصنة الأخيرة التي استهدفت خدمة البريد الإلكتروني “مايكروسوفت إكسشنج”. للمرة الأولى، استطاع بايدن توحيد الدول الديمقراطية في أوروبا ومنطقة آسيا – المحيط الهادئ، فضلًا عن أهم تحالف عسكري في العالم، في توجيه إدانة لفظية واضحة لبكين.

لكن نجاح تلك الخطوة (وهو ما أغضب الصين) كان استثناءً. منذ توليه السلطة، استخدم بايدن قمم مجموعة الدول الصناعية السبع وحلف الناتو، ومبادرة التحالف الأمني الرباعي التي جرى إحياؤها، وتحالف العيون الخمس الاستخباراتي، والمحادثات مع قادة وطنيين، في محاولة لتشكيل جبهة موحّدة وصلبة ضد الصين.

كانت نتائج تلك الجهود متباينة بشكل واضح. فألمانيا متعاطفة مع أمريكا، لكنها غير مستعدة بالمخاطرة بصادراتها الصناعية الكبيرة للصين. مُقللًا من أهمية شواغل حقوق الإنسان، تساءل “أرمين لاشيت”، خليفة ميركل المحتمل، قائلا: “هل نحتاج خصمًا جديدًا؟” وفي فرنسا، تساءل الرئيس ماكرون المتشكك والذي يركّز اهتمامه على قضايا أوروبا، قائلًا: “هل نحتاج إلى حرب باردة جديدة؟”.

ودون دعم واضح من أكبر لاعبين اثنين داخله، سيظل الاتحاد الأوروبي مشلولًا، وذلك بالرغم من انتقادات الاتحاد لبكين. على أي حال، تعتمد دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، مثل المجر واليونان وإيطاليا، على استثمارات صينية، وذلك بعد يأسها من تجاهل برلين المُتصور لأزمتها المالية، فيما تستغل الصين بالفعل تلك الانقسامات الأوروبية.

هناك انقسام أيضًا داخل دول حلف الناتو بشأن التورّط في صراع قوى عظمى لا يمكن التنبؤ به. عقب أكبر عملية عسكرية خارج حدود بلدانه في أفغانستان – وهي العملية التي لم تنتهِ بشكل جيد – يُجري حلف الناتو “عملية تفكير تطلّعي” بشأن دوره المستقبلي. يتساءل الحلف، لسبب وجيه، عما إذا كان لحلف شمال الأطلسي ذي الطابع الدفاعي أي مصلحة في التورّط في منطقة آسيا – المحيط الهادئ، لكن هذا التفكير يمكن قراءته على أنه حيرة!

ونظرًا لتعرضه لمزيد من الضغوط من ديمقراطيين قلقين في الداخل الأمريكي، ستواجه قدرة بايدن على الصمود والثبات اختبارًا عندما يحضر دبلوماسيون أمريكيون محادثات في الصين نهاية هذا الأسبوع، وهو أول لقاء من نوعه منذ المواجهة الكلامية الشهيرة في “آلاسكا” في مارس الماضي. إن التوقعات متدنية للغاية، والصينيون غاضبون للغاية وليسوا مستعدين لتقديم تنازلات.

في خطابه في حفل تنصيبه، خاطب بايدن المجتمع الأمريكي المنقسم قائلًا: “دون وحدة، لن يكون هناك سلام”. هذه رسالة يجب على حلفائه الخارجيين غير الموثوق فيهم الإصغاء إليها في وقتٍ يمضي الزعيم الصيني “تشي” قدمًا في تنفيذ مخططه. 

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا