المونيتور| كيف تحوّلت قضية المياه إلى بؤرة توتر في الشرق الأوسط؟

شهاب ممدوح

ترجمة شهاب ممدوح

لطالما كان تعطل إمدادات المياه حافزًا محتملًا لاندلاع صراع أو حالة عدم استقرار في الشرق الأوسط الجاف. لكن مشكلة المياه لم تكن تمثل خطرًا كبيرًا مثلما هي عليه الآن.

أزمة سدّ النهضة.. مصر تتطلع لمساعدة الصين

أعلنت إثيوبيا في التاسع عشر من يوليو أنها أكملت ملء سدّ النهضة الإثيوبي العظيم، الذي تبنيه على النيل الأزرق، الشريان الرئيسي لنهر النيل، والذي يمّد مصر بتسعين بالمائة من حاجاتها من المياه.  تدرس مصر خطواتها الدبلوماسية كما يخبرنا “باهر القاضي” في مقالة على موقع المونيتور. في الثامن من يوليو، أخبر وزير الخارجية المصري “سامح شكري” مجلس الأمن الدولي أن سدّ النهضة الإثيوبي يمثل “تهديدًا وجوديًّا” وأن الأثر الناتج عن التعطل المحتمل لتدفق المياه إلى مصر سيكون مثل “طاعون مزمن”.

صاغت تونس مسودة قرار لدعم مسعى مصر لدفع مجلس الأمن للتوسط رسميًّا في اتفاق دولي لإدارة تدفق مياه النيل، لكن ذلك القرار وُلد ميتًا. وكان موقع المونيتور قد ذكر سابقًا أنه “بالرغم من إقرار مجلس الأمن بخطورة القضية عبر عقده اجتماعين في غضون سنتين لحل هذا النزاع، إلا أن صدور القرار هو أمر صعب، ولا يزال أعضاء المجلس غير مرتاحين لسابقة إصدار قرار بشأن قضايا مياه”.

ذكر الرئيس المصري في حديث ألقاه في الخامس عشر من يوليو أن أي انخفاض في إمدادات مصر المائية هو خط أحمر “لا يمكن تجاوزه” مضيفًا أنه “قبل أن يحصل شيء لمصر، يجب أن أمشي أنا والجيش”.

ومُحبَطةً من موقف موسكو المحايد في مجلس الأمن، تتواصل القاهرة مع الصين للمساعدة في حل الأزمة، كما يخبرنا “عمرو إيمان” في تقرير له على المونيتور. ويضيف “إيمان” أنه بالرغم من أن بكين لم تكن مطلقًا قوة دبلوماسية رئيسية في المنطقة، إلا أنها تتمتع بعلاقات وثيقة مع أديس أبابا. كما أن الصين تمتلك استثمارات كبيرة في مصر ضمن مبادرتها “الحزام والطريق”، حيث تعد مصر “بوابة للبضائع الصينية إلى القارة الإفريقية”. ويواصل بالقول إن “الصين تخطط لإنشاء منطقة صناعية في منطقة قناة السويس، وتشارك الشركات الصينية أيضًا في بناء العاصمة الإدارية الجديدة، وهي مدينة عملاقة تُبنى على مشارف القاهرة”.

تتلقى مصر أيضًا دعمًا من السعودية، التي تتمتع بعلاقات طيبة مع إثيوبيا. يوضح “صامويل راماني” أن انحياز المملكة نحو مصر في نزاع سدّ النهضة يُعزى إلى الموقف القوي لجامعة الدول العربية التي تؤيد مصر تمامًا، كما يُعزى إلى الرغبة في الحفاظ على أمن البحر الأحمر.

ويقول “محمد سعيد” في تقرير سابق على موقع المونيتور، إن هناك زاوية أخرى مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بهذا النزاع، تتمحور حول دور الوساطة المحتمل لإسرائيل، التي تتمتع أيضًا بعلاقات قوية مع إثيوبيا، بالإضافة إلى علاقتها مع مصر. وتخبرنا “رينا باسط” في تقريرها أن إسرائيل عادت لتكتسب صفة “العضو المراقب” في الاتحاد الإفريقي، وهي متحمسة للمضي قدمًا في التوقيع على مزيد من اتفاقيات التطبيع في القارة.

وبعد استماعها لحجة مصر في مجلس الأمن الدولي، ترمى إدارة بايدن بثقلها خلف وساطة الاتحاد الإفريقي، التي تعثرت على مدار العام الماضي. تحدث وزير الخارجي الأمريكي “أنطوني بلينكين” في العشرين من يوليو مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية “فليكس تشيسكيدي” الذي يرأس حاليًا الاتحاد الإفريقي، مشددًا على أهمية الوساطة بشأن سدّ النهضة الإثيوبي.

ويذكر لنا “جورج ميخائيل” في تقريره أن مصر منخرطة في دبلوماسية “قوة” مع جيبوتي وتنزانيا وبورندي للتصدّي لخطط إثيوبيا لتصدير الطاقة الكهرومائية إلى بلدان إفريقية. تقول “هاجر حسني” في مقالها على المونيتور: إن مصر تتطلع لبناء قدراتها النووية المدنية.    

أزمة المياه والكهرباء في إيران تنتقل إلى العراق

تسبب المياه توترات في أماكن أخرى أيضًا؛ حيث أغلقت إيران فيما يبدو شبكة الإنترنت في محافظة خوزستان المضطربة، حيث تجري هناك احتجاجات بسبب نقص مياه الشرب. يقول خبراء إن السبب الرئيسي لمشاكل المياه في تلك المحافظة الواقعة في جنوب غرب إيران، هو انخفاض منسوب المياه بشكل غير عادي بسبب الجفاف، كما أن سوء إدارة موارد المياه ربما لعب أيضا دورًا، وقال نشطاء إن قوات الأمن قتلت ثلاثة محتجين.

إن أزمة المياه في إيران لا تقتصر على محافظة خوزستان فقط، لكن الشعور بها هناك أكثر شدة من أي منطقة أخرى، وقد تفاقمت الأزمة بسبب أزمة الطاقة في إيران. نتيجة لتهالكهما بسبب العقوبات والتلف وسوء الإدارة، أصبح قطاعا المياه والطاقة يعملان بشكل غير منتظم؛ ما أدّى لاندلاع احتجاجات إضافية في إيران.

وتداعيات هذا الأمر إقليمية. فالعراق يعتمد على إيران في الحصول على حصة كبيرة من حاجاته من الطاقة والكهرباء.

كما أن إمدادات المياه في العراق أيضًا تواجه خطرًا. ناشدت حكومة كردستان العراق المواطنين بترشيد استهلاك المياه بسبب الانخفاض في مستويات المياه الجوفية نتيجة لقلّة الأمطار والجفاف في هذا العام. ويوجه وزير الموارد المائية العراقي “مهدي راشد الحمداني” اللوم إلى دول أخرى أيضًا. وقال الوزير إن حالات نقص المياه ناتجة عن تحويل إيران لمسار المياه من نهر “قارون” إلى الخليج عوضًا عن شط العرب، وامتناع تركيا عن الالتزام باتفاقيات المياه، وتنبع موارد العراق المائية الرئيسية، نهري دجلة والفرات، من تركيا.

المياه عامل رئيسي في إعادة ضبط العلاقات بين الأردن وإسرائيل

أعطت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء “نفتالي بينيت” ورئيس الوزراء المناوب ووزير الخارجية “يائير لابيد” الأولوية لإعادة ضبط العلاقات مع الأردن. وكانت المياه على رأس أجندة إعادة ضبط العلاقات.

وقد أهمل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “بنيامين نتنياهو” اتفاق البحر الأحمر الموقّع عام 2015 مع الأردن برعاية البنك الدولي وبدعم كبير من الولايات المتحدة والمنظمات الدولية. ويخبرنا الكاتب “بن كاسبيت” في مقاله في المونيتور، أن المشروع يهدف لإنشاء “أنبوب مياه عملاق بين البحر الأحمر والبحر الميت الأكثر انخفاضًا، وبناء منشآت تحلية مياه على جانبيه يستفيد منها البلدان اللذين يتشاركان صحراء “وادي عربة” الجافة والخالية، والسماح بتدفق المياه المتبقية لتعويض مياه البحر الميت الذي تتقلص مساحته. ويضيف “بن كاسبيت” أنه “مقابل التعاون الأردني في هذا المشروع، تلتزم إسرائيل بإمداد الأردن بخمسين مليون متر مكعب من المياه من منشأة تحلية مياه إضافية تقع في شمال بحيرة طبريا”. ويكتب “أسامة الشريف” أن تفاقم أزمة المياه في الأردن يُعزى جزئيًّا إلى انهيار المفاوضات حول أنبوب المياه. إن أول بند في جدول أعمال “بينيت” أثناء زيارته “السرية” إلى عمّان في مطلع هذا الشهر، كانت إبرام تلك الصفقة.

ويواصل “كاسبيت” قوله إنه “وفقًا لمصادر دبلوماسية، تخطط إسرائيل للتوصل لقائمة طويلة من الاتفاقيات مع المملكة الأردنية لإعادة تأهيل العلاقات، وإعادة العمل في جوانب عدة من التعاون بين البلدين، من بينها تقديم مبادرات حسن نيّة إضافية. إن إسرائيل مستعدة لزيادة إمدادات المياه ذات الأهمية الحاسمة لاستقرار المملكة الأردنية، بشرط سماح الأردن للمزارعين الإسرائيليين بزراعة الأراضي الحدودية التي سلّمتها إسرائيل للأردن عام 2019”.

وبعد لقائه بالملك عبد الله الثاني في العشرين من يوليو، عبّر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعم الولايات المتحدة لتحسين العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، مُستشهدًا باتفاق تزويد الأردن بالمياه العذبة كنموذج.     

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا