موسكو تايمز | مخاوف أوكرانيا الأمنية تقف عقبة أمام إنجاز أنبوب غاز «نورد ستريم 2»

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

وقّعت الولايات المتحدة وألمانيا في الحادي والعشرين من يوليو اتفاقًا يسمح بإنجاز مشروع أنبوب غاز “نورد ستريم 2” المثير للجدل. تضمّن البيان المشترك حزمة واسعة من التدابير الهادفة لتبديد مخاوف أوكرانيا الأمنية ونقاط ضعفها في مجال الطاقة، ودعم هذا البلد في مساعيه للتخلص من انبعاثات الكربون. إن الاتفاق المُعلن عنه بعيد كل البعد عن كونه اتفاقا نهائيًّا وحاسمًا. لكي يصبح الاتفاق صفقة كبرى، ستكون موافقة أوكرانيًا شرطًا أساسيًّا. بالرغم من جميع التطمينات والالتزامات والدعم المقدم لأوكرانيا، إلا أن “كييف” لا تزال غير مقتنعة، إذ يفتقر الاتفاق لالتزامات أمنية واقتصادية مُلزمة. يمثل الاتفاق الأمريكي – الألماني تحولًا من الرواية الاقتصادية المحضة بشأن أنبوب “نورد ستريم 2” ليصبح إطار عمل أوسع نطاقًا يراعي شواغل أمنية وتعويضات اقتصادية وأهداف خاصة بالمناخ.

مع هذا، لم يتمكن الاتفاق من معالجة الانقسام في التصورات الأمنية للولايات المتحدة وألمانيا، كما فشل في التعاون مع أوكرانيا بصورة ملائمة. نتيجة لهذا، فهو مليء بالصياغات الغامضة ويفتقر لآليات تنفيذ عملية.

وبهدف الحدّ من استخدام روسيا القسري للطاقة ومنع مزيد من الإجراءات الروسية العدوانية ضد أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة وألمانيا جاهزتان للجوء لفرض عقوبات جديدة. تعهّدت ألمانيا “باتخاذ إجراء على المستوى الوطني والضغط من أجل اتخاذ إجراءات فعّالة على المستوى الأوربي، من بينها فرض عقوبات، للحدّ من قدرات روسيا على تصدير الطاقة إلى أوروبا”. إن هذا الاستعداد لفرض عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسية ذي الأهمية الاستراتيجية، لن يكون أمرًا سهلًا على الاتحاد الأوروبي. منذ عام 2014، لم يتغير الوضع القائم ولم تكن هناك رغبة كبيرة لفرض عقوبات جديدة.

كما أن العقوبات لن تقتصر على قطاع الغاز الروسي، وربما تمتد لتشمل قطاعات اقتصادية أخرى مهمة.

إن هذا عنصر إضافي مهم لأن استخدام روسيا للأدوات الجيو-اقتصادية يكون عادة غير متماثل. يمكن للولايات المتحدة أيضًا فرض عقوبات جديدة أو إلغاء الإعفاءات الحالية على مشروع “نورد ستريم 2” ورئيسه التنفيذي “ماتياس ورنيغ”. لكن نصّ الاتفاق يترك الكثير من الأسئلة من دون إجابة: هل استطاعت الولايات المتحدة وألمانيا الاتفاق على ما يشكّل استخدامًا للطاقة كسلاح من جانب روسيا؟

إن الاختلافات بشأن هذا الموضوع يعود تاريخها إلى أزمة خط أنبوب سيبيريا في الثمانينيات، عندما فشلت الولايات المتحدة وألمانيا في الاتفاق بشأن ما يشكل تبعيّة في مجال الطاقة، كما أن الفشل في استخلاص دروس من الماضي سيكون خطأ. إن ترك هذا السؤال دون إجابة ستترتب عليه تداعيات على هذين الحليفين فيما يخص توقيت فرض عقوبات بشكل متزامن.

شواغل أمنية

في هذا الاتفاق، لا تزال العقوبات هي الأداة الرئيسية لمعالجة شواغل أوكرانيا الأمنية. تسعى “كييف” للحصول على ضمانات أمنية أقوى لتبديد مخاطر “نورد ستريم 2″، لكن دون جدوى.

إن ربط مشروع “نورد ستريم 2” بقضايا أمنية مثل إزالة الاحتلال الروسي للأراضي الأوكرانية، ومناقشة قضية الطاقة تبعًا لصيغة “محادثات نورماندي” أو تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، كان تكتيكًا تفاوضيًّا فاشلًا. عبر رفعها لسقف طموحاتها، قيّدت “كييف” نفسها داخل سيناريو السياسة الواقعية ولم تترك أي مساحة للمناورة.

وبالرغم من أن العقوبات يمكن أن تكون رادعًا فعالًا، إلا أن تأثيرها سيكون محدودًا إن لم تكن جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا تجاه روسيا. لكن لم يطرأ تغيير في سياسة ألمانيا تجاه روسيا، التي لا تزال ترتكز على مبدأ الانفتاح نحو الشرق. لهذا من المشكوك فيه أن ترتدع روسيا عن انتهاك عقد نقل الغاز عبر أوكرانيا بفضل تهديد فرض العقوبات لوحده. علاوة على هذا، مع تنحّي ميركل عن منصبها في سبتمبر المقبل، سيكون توسيع العقوبات الاقتصادية أمرًا إشكاليًّا؛ لذا هل سيكون المستشار الألماني الجديد مؤثرًا وملتزمًا بتشكيل تحالفات لفرض عقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي كما كانت تفعل ميركل منذ عام 2014؟ إن الإجراء الأمني الإضافي الوحيد، على رأس العقوبات، هو التزام ألمانيا تجاه زيادة سعة التدفقات العكسية للغاز إلى أوكرانيا، بهدف تحصين أوكرانيا تمامًا من أي محاولات روسية مستقبلية لقطع إمدادات الغاز الروسي إلى البلاد. في الوقت الحالي، يعتبر هذا الالتزام الألماني غير مُلزم، ويعتمد على وضع سوق الطاقة.

كما أن هناك آليات أمنية أخرى لم تعد مطروحة للنقاش، مثل ما يُسمى آلية “الارتداد السريع” (Snapback) أو الوقف الاختياري لأنبوب الغاز. في الواقع، رفض مسؤولون ألمان طلبًا أمريكيًّا لإدراج خيار “الارتداد السريع”، زاعمين أن هذا التدخل من جانب الدولة قد يكون عرضة لطعن قانوني.

كانت أوكرانيا متشككة في خيار الارتداد السريع منذ البداية، وهي لا تظن أن برلين ستكون مستعدة لقطع إمدادات الغاز عبر أنبوب “نورد ستريم 2” في حال انتهكت روسيا اتفاق عبور الغاز عبر أراضي أوكرانيا.

عبور الغاز بأراضي أوكرانيا قاسم مشترك بين الدول الثلاث

إن تمديد اتفاق نقل الغاز الراهن إلى ما بعد عام 2024 يبدو أنه العامل المشترك الذي تتفق عليه واشنطن وبرلين وكييف. ففي بيانهما المشترك، شدّدت الولايات المتحدة وألمانيا على أهمية كون أوكرانيا بلد عبور للغاز الروسي بعد عام 2024، ولا شك أن العبء الرئيسي لتطبيق هذا الشرط يقع على ألمانيا. قالت برلين إنها ملتزمة بـ “استخدام جميع أدوات الضغط المتاحة لتسهيل تمديد اتفاق عبور الغاز إلى عشر سنوات”. ستعيّن ألمانيا مبعوثًا خاصًّا لدعم المفاوضات التي ستبدأ في موعد لا يتجاوز الأول من سبتمبر.

في الواقع، ناقشت ميركل تمديد عقد عبور الغاز عبر أوكرانيا مع بوتين في اليوم ذاته لإعلان الاتفاق. مع هذا، فإن السؤال الأساسي هنا يتعلق بمدة استمرار العقد وكميات الغاز والرسوم الجمركية. مع مغادرة ميركل منصبها في سبتمبر، تتضاءل فرص مفاوضات تمديد العقد. هل تمتلك ميركل وقتًا كافيًا لإقناع بوتين بتمديد عقد مرور الغاز عبر أوكرانيا، في حين أن الهدف الأساسي من بناء أنبوب “نورد ستريم” هو أن تقلل روسيا اعتمادها على جارتها أوكرانيا؟ وبالنسبة لأوكرانيا، فإن تمديد العقد هو شرط أساسي يعالج نقاط ضعف قصيرة الأمد، لكن غياب تفاصيل محددة يزيد من مخاوف كييف وارتيابها.

تحديات طويلة الأمد تواجه أوكرانيا للتخلص من انبعاثات الكربون

أخيرًا، لمعالجة التحديات طويلة الأمد التي تواجه أوكرانيا، يهدف الاتفاق لتعزيز أهداف كييف المتعلقة بالتخلص من انبعاثات الكربون. عبر “شراكة المناخ والطاقة” ستدعم الولايات المتحدة وألمانيا التحوّل في مجال الطاقة وتعزيز كفاءة الطاقة وأمن الطاقة لدى أوكرانيا.

تعهّدت واشنطن وبرلين بتأسيس “صندوق أخضر” باستثمارات من المتوقع أن تبلغ مليار دولار. ستقدم ألمانيا مساهمة مالية أولية تبلغ 175 مليون دولار على الأقل للصندوق، وستعيّن مبعوثًا خاصًّا بتمويل يبلغ 70 مليون دولار. كما تعهّدت ألمانيا بدعم مشاريع الطاقة الثنائية مع أوكرانيا، لا سيما في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين والتخلص التدريجي من استخدام الفحم. ستقدم الولايات المتحدة مساعدة إلى أوكرانيا في مجال تكامل الأسواق والإصلاحات التنظيمية وتطوير مصادر الطاقة المتجددة. إذا أوفت واشنطن وبرلين بشكل جيد بتعهداتهما المالية، فقد تصبح أوكرانيا أفضل استعدادًا لعملية التحول في مجال الطاقة مقارنة مع دول ناشئة أخرى.

على المدى الطويل، فإن التخلص من الاعتماد السام على الطاقة من روسيا، سيساعد أوكرانيا على إنجاز تحوّل في نظام الطاقة لديها ويعزز اقتصادها وأمنها الوطني. مع هذا، فإن “كييف” ماتزال مترددة في قبول دعم الولايات المتحدة وألمانيا في خططها لإزالة انبعاثات الكربون تعويضًا لها عن مخاطر مشروع “نورد ستريم 2”.

مُستخدمًا مصطلحات كرة القدم، صرّح وزير الخارجية الأوكراني أن اللعبة لم تنتهِ بعد، لكن جرى تمديدها لوقت إضافي. ستتواصل المفاوضات اعتمادًا على ما إذا كانت الولايات المتحدة وألمانيا ستستطيعان تهدئة مخاوف أوكرانيا تجاه ما تعتبره تهديدًا أمنيا يمثله أنبوب الغاز، وما القضايا التي ستكون أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات فيها مقابل مسألة حساسة للغاية كهذه.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا