ريسبونسبل ستيت كرافت| كيف تهيمن صناعة السلاح النووي على المؤسسات البحثية؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

لو قرأت تقريرًا عن الأسلحة النووية، فهناك احتمال بأنه نُشر من جانب مؤسسة بحثية ممولة من شركة تنتج أسلحة نووية. في دراستنا الأخيرة عن الإنفاق العالمي على الأسلحة النووية، وجدنا أن جميع المؤسسات البحثية تقريبًا التي تتناول قضايا السلاح النووي، تلقت أموالًا من شركات منخرطة في صناعة السلاح النووي عام 2020؛ ما يثير أسئلة بشأن الاستقلال الفكري لهذه المؤسسات ونزاهتها الأخلاقية.

في هذا التقرير، أدرجنا 12 مؤسسة بحثية، تم اختيارها من بين مؤسسات بحثية أجنبية بارزة مدرجة على قائمة “مؤشر المؤسسات البحثية العالمي”، وتنشر هذه المؤسسات بانتظام تقارير بشأن الأسلحة النووية، بداية من فرنسا والهند والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وجدنا أن 21 شركة من الشركات التي تلقت عقود أسلحة نووية، قدمت 10 ملايين دولار في صورة مِنح لهذه المؤسسات البحثية في العام الماضي وحده، بحسب ما ورد في تقارير سنوية لهذه المؤسسات ومواقعها على الإنترنت. هذه مسألة عامة. إن الأمر لا يتعلق بمؤسسة بحثية واحدة، أو بعض المنِح بقيمة 100 ألف دولار. تلقت نصف المؤسسات البحثية المذكورة ما يزيد على مليون دولار في عام واحد من تسع شركات مختلفة على الأقل تنتج سلاحا نوويًّا.

إن هذه الشركات لا تتبرع بالأموال فقط، لكن هناك مسؤولين تنفيذيين مهمين فيها يشرفون ويقدمون المشورة للعديد من هذه المؤسسات البحثية. هناك ثلاث رؤساء تنفيذيون من شركات تصنيع سلاح نووي – غيوم فوري (إيرباص) وغريغوري جاي هايس (رايثون) ومارلين آي هيوسن (لوكهيد مارتن)- يشغلون مقاعد في المجلس الاستشاري لمؤسسة “المجلس الأطلنطي” البحثية. هناك قصة مماثلة في مركز “الأمن الأمريكي الجديد”: استلام ما يناهز 1.8 مليون دولار من شركات تعمل في تصنيع السلاح النووي، وهناك خمسة مقاعد في المركز محجوزة لأشخاص أرزاقهم مرتبطة بإنتاج السلاح النووي.

تمثل هذه الروابط مشكلة لسببين: هي تثير شكوكًا بشأن استقلالية المؤسسات البحثية، وهي تربط هذه المؤسسات بشركات متورطة في أنشطة غير أخلاقية محظورة وفق القانون الدولي.

نظرًا للنفوذ الذي ترغب هذه المؤسسات البحثية في امتلاكه في مجال السياسة النووية، فإن هناك أسئلة مهمة تُطرح بشأن مدى تأثر هذه المؤسسات بمموليها الذين لديهم مصالح خاصة في الأسلحة النووية. عند صناعة سياسة تتعلق بقضايا تخاطر بإلحاق ضرر عشوائي، فهناك حاجة لوجود مساحة أكبر بين مَن يتربّحون من التقاعس والذين يزعمون استقلالهم الفكري.

في هذا الزمن، نحن لا نعلم كيف تؤثر ملايين الدولارات التي تتلقاها هذه المؤسسات البحثية على عملها، وهذا يُعزي جزئيًّا إلى نقص الشفافية والانحياز اللاشعوري. لا تكشف جميع المؤسسات البحثية عن مموليها. بالنسبة للمؤسسات التي تفعل هذا، فإن معظمها لا تكشف التمويلات الخاصة بالبرامج، ونادرًا ما توفر تفاصيل عن تمويلات مقدمة لتقارير أو مشاريع. إن تقريرنا لا يحاول إثبات أن المؤسسات البحثية التي تدعم فكرة الإبقاء على الردع النووي أو بناء أسلحة نووية جديدة، تفعل هذا لأن الشركات التي ستستفيد من عقود الأسلحة النووية دفعت فاتورة الغداء في ندوات هذه المؤسسات، أو دفعت مرتبات موظفيها.

لكن الآثار العامة للتمويل على إنتاج المعرفة واضحة للغاية في مجالات أخرى. في كتاب صدر عام 2020، وجدت “ناعومي أوريسكس” أن مصدر التمويل كان له أثر مهم على نتيجة دراسات خاصة بعلم المحيطات. وكتب “سايمون تورشيتي” في مطلع هذا العام بشأن جهود الناتو للتغطية سياسيًّا على دراسات محرجة بشأن الشتاء النووي. كما وجدت دراسة صادرة عام 2018 في مجلة “أمريكان جورنال” بخصوص تمويل أبحاث الصحة العامة، قيودًا على الأجندات البحثية للمستفيدين وحلول السياسات المقترحة. إن “مبادرة الشفافية بشأن النفوذ الأجنبي” التابعة لـ “مركز السياسة الدولية”، تصدر بشكل منتظم تقارير بشأن “صناعة النفوذ الأجنبي التي تعمل على صياغة السياسة الخارجية الأمريكية”، ويشمل هذا تقريرًا صادرًا عام 2020 عن تمويل شركات دفاعية لأبرز 50 مؤسسة بحثية أمريكية في فترة تمتد لخمس سنوات.

مع هذا، ينكر باحثو المؤسسات البحثية غالبًا خضوعهم لأي نفوذ من مموليهم العاملين في إنتاج السلاح النووي. أشارت جهات تواصلنا معها قبل نشر تقريرنا إلى استقلاليتها وإلى تقارير أصدرتها بشأن سياسات الحدّ من انتشار السلاح النووي، كدليل على موضوعيتها. مع هذا، ربما لا يكون موظفو هذه المؤسسات البحثية مدركين تمامًا بمدى تأثير مصالح الممولين على ما تقوله هذه المؤسسات وأي مواضيع تتناولها. هذا يعني أن بالرغم من أن تصريحات المؤسسات البحثية الواضحة بشأن استقلالها الفكري، قد تكون خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها لا تنفي خطر الانحياز. بالمثل، فإن التمويل الموجّه نحو برنامج واحد في مؤسسة بحثية، ربما يؤثر على مجالات أخرى. وكما أن من الصعب تقديم دليل واضح على تأثير هذه التمويلات، لا سيما دون إجراء مزيد من الأبحاث، كذلك من العسير إنكار أن تقديم 10 ملايين دولار لأكثر من عشر مؤسسات بحثية لن يحدث فارقًا في مجال السياسة النووية.

بالإضافة إلى الشواغل الخاصة بنفوذ الممولين، ينبغي للمؤسسات البحثية أن تراعي صورتها التي قد تتضرر من تلقيها أموال من شركات تصنع أسلحة دمار شامل تم حظرها مؤخرًا وفقًا للقانون الدولي عبر “معاهدة حظر السلاح النووي”. لقد دفع تبنّي هذه المعاهدة عددًا من المصارف والمؤسسات المالية لقطع علاقتها بشركات إنتاج سلاح نووي. ينبغي للمؤسسات البحثية أن تحذو حذو هذه المصارف والمؤسسات.

هناك مجالات ومبادرات أخرى عانت من مشكلة تمويل مثير للجدل من شركات، إما إدراكًا منها لخطر خضوعها للنفوذ أو لأن هذا يضرّ بصورتها. تعرّض “صندوق الدفاع عن البيئة” لانتقادات بسبب قبوله تمويلًا من صناعة الوقود الأحفوري. لقد كان دور صناعة التبغ ضارًا لدرجة أن الأطراف المشاركة في “اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ”، باتت مُلزمة بحماية “سياسات الصحة العامة من المصالح التجارية والخاصة لصناعة التبغ”.

هذه قضية مهمة لكنها ليست خاسرة بالتأكيد. يجب على المؤسسات البحثية الإقرار بوجود مشكلة، وأن تتخذ إجراءً حاسمًا. يمكنها التعهّد بشكل فردي أو مشترك برفض قبول تمويل من شركات تعمل في تصنيع أسلحة نووية. هناك بالفعل بعض المنظمات البحثية في هذا المجال، من بينها “مؤسسة الحدّ من السلاح” و”اتحاد العلماء الأمريكيين”، التي لم تقبل أي تمويل من مُنتجي سلاح نووي في العام الماضي.

لقد ألقينا الضوء على مشكلة تمويل المؤسسات البحثية، والآن الأمر يعود لهذه المؤسسات لإصلاح تلك المشكلة. طالما كانت حسابات هذه المؤسسات البنكية ومجالسها مليئة بأرباح ومتربّحين لديهم مصالح خاصة، فسوف تبرز شكوك حول استقلالية ونزاهة أبحاث وحلول سياسات هذه المؤسسات.    

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا