ذا ناشيونال نيوز | بخروج بايدن من الشرق الأوسط.. هل ستكون إيران سعيدة؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

في وقت تسعى فيه إيران لتوسيع نفوذها في العراق وأفغانستان- جارتيها في الغرب والشرق – يراقب قادتها باهتمام بالغ التطورات الأخيرة في البلدين. إن إيران مصممة على تحويل العراق إلى بلد تابع وتكرار النموذج المليشياوي الذي أنشأته في أفغانستان، متحججةً بهدف ظاهري يتمثل في مواجهة القاعدة وتنظيم داعش واحتواء حركة طالبان الصاعدة.

إن القيادة الإيرانية، التي تضمّ المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس المنتخب “إبراهيم رئيسي” والحرس الثوري الإيراني، لن تتخلى مطلقًا عن سياسة النظام المتمثلة في زرع مليشيات داخل البلاد التي تسعى لترويضها. تخلق هذه المليشيات المسلحة والمدربة جيدًا بعد ذلك نفوذًا كافيًا لتحدّي سيادة البلدان التي تتواجد فيها، وبالتالي، ضمان خضوعها لإيران. تواصل إيران اتباع هذه الاستراتيجية، وهي تعتمد على صمت القوى الغربية، من بينها الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية الأخرى.

هي تعوّل أيضًا على الموارد المالية التي تمسّ الحاجة إليها، والتي يمكن أن تكسبها من رفع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى لعقوباتها مقابل إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. إن إيران في حاجة ماسة للأموال لدعم اقتصادها، وأيضًا ربما لتمويل عملياتها العسكرية في المنطقة.

لكن في الوقت الراهن، تسير محادثات فيينا ببطء لعدة أسباب- من بينها انتقال منصب الرئاسة إلى إبراهيم رئيسي، وانشغال الولايات المتحدة بسحب قواتها القتالية من أفغانستان والعراق هذا العام، فضلًا عن الشكوك بشأن خطط طهران لإثارة المزيد من القلاقل في العراق لتعميق هيمنتها على شؤونه الداخلية.

إن طهران في عجلة من أمرها، لا سيما مع محاولتها إخماد الاضطرابات داخل البلاد التي اندلعت بسبب المشاكل الاقتصادية ونقص المياه وقضايا أخرى، كما أن رفع العقوبات المفروضة على القطاعين المصرفي والنفطي في إيران هو أمر مهم لحل بعض هذه المشاكل. لكن حتى في وقت تبدو فيه إدارة بايدن حريصة على إعادة إحياء الاتفاق النووي، إلا أن العوامل سابقة الذكر أبطأت المفاوضات. تواصل النظام مع ما يسمى حلفاؤه – الصين وروسيا – طلبًا لمساعدتهم لتسريع المحادثات، لكن دون جدوى.

وما زاد الوضع تعقيدًا لطهران، هو أن هناك إشارات على وجود انقسام داخلي وسط النخب الحاكمة. لم تظهر تفاصيل بعد، لكن هذا قد يفسّر السبب وراء تأجيل اجتماع بشأن الاستراتيجيات لمدة أسبوعين بعد أن كان مقررًا عقده أصلًا هذا الأسبوع. 

وبصرف النظر عن هذا التأرجّح، غير أن العراق وأفغانستان لا يزالان بلدَين مهمَّين في حسابات طهران الاستراتيجية.

راقب النظام الإيراني عن كثب لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في واشنطن مطلع هذا الأسبوع. طمأن السيد بايدن السيد الكاظمي بشأن استمرار الدعم الأمريكي للحكومة العراقية ومؤسساتها، كما أعلن الرئيس الأمريكي أيضًا عزمه سحب قوات قتالية متمركزة في البلاد، بالرغم من أن الجنود الأمريكيين سيواصلون تواجدهم هناك لتقديم التدريب للقوات العراقية.

ستنظر إيران، التي لطالما حذرت من “التدخل” الغربي والعربي في العراق، إلى إعلان بايدن بوصفه فرصة لاستكمال مهمتها بتحويل هذا البلد إلى دولة تابعة. ولهذا السبب، رفضت طهران بشكل قاطع أي اقتراح بربط محادثات فيينا بسياستها الإقليمية. لن تقبل إيران بتقييد عملياتها داخل العراق، أو عرقلة مشاريعها الإقليمية الأخرى التي تمر عبر هذا البلد، والذي يعمل كجسر برّي يربط إيران بسوريا.

لهذا، فإن دوافع طهران تطرح طيفًا من الاحتمالات فيما يخص مستقبل العراق على المدى القريب: تغيير الحكومة في بغداد، وتحوّل في تكتيكات قوات الحشد الشعبي – وهي منظمة جامعة لمليشيات عراقية مقربة من طهران وتحظى برعاية الحكومة العراقية – وتأجيل انتخابات أكتوبر البرلمانية، أو طبيعة الانتخابات نفسها، والتي يمكن أن تكون حرة ونزيهة أو مزوّرة.

قال الأمير “تركي الفيصل”، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية والدبلوماسي السابق، إن إحدى أهم القضايا التي تواجه السيد الكاظمي وحكومته هي الأمن والاستقرار الداخليين. أخبرني الأمير تركي مؤخرًا: “بالطبع نرغب في نجاح السيد الكاظمي”، وأضاف قائلًا: “للأسف، تواصل قوات الحشد الشعبي إطلاق صواريخ على المناطق المحمية في بغداد، مثل السفارة الأمريكية. هو لم يتمكن حتى الآن من جعل الحشد الشعبي جزءًا من قوات الأمن العراقية”.

مع هذا، كان خبير آخر تحدثت إليه أكثر تفاؤلًا بشأن مستقبل العراق. قال “مايكل نايتس”، وهو عضو زميل في معهد واشنطن، إن العلاقات الأمريكية – العراقية ستواصل الازدهار – بالرغم من أن إيران ستأمل في عدم حدوث هذا. وأضاف “نايتس”: “لن يكون هناك انسحاب أمريكي من العراق. ما يحدث هو (إعادة تصنيف) لدور القوات الأمريكية في العراق وتحولها من قتالية لتصبح غير قتالية”. وتابع قائلا: “لكن الواقع يقول إن القوات هناك هي بالفعل غير قتالية عمليًّا”. يأتي هذا، بحسب السيد نايتس، في وقت تزداد فيه عزلة المليشيات العراقية المذكورة.

مع هذا، عبّر الأمير تركي عن قلقة إزاء الاستقرار المستقبلي في منطقة غرب آسيا، وخاصة لو حصل النظام الإيراني على مبتغاه في فيينا، وهو قلق من تأثير “طموحات إيران خارج أراضيها ليس فقط على العالم العربي، ولكن أيضًا، كما رأينا الآن، إعلان الإيرانيين تأسيسهم قوات حشد شعبي في أفغانستان”.

وفيما يتعلق بالسبب المنطقي وراء طموحات إيران في أفغانستان، يقول “هوشيار زيباري” وزير الخارجية العراقي الأسبق، إن طهران تخشى من نفوذ طالبان. ويضيف: “من الواضح للغاية أن الإيرانيين قلقون للغاية”، وتابع بالقول “هم ليسوا مرتاحين بشأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبان على الحدود”.

وبالرغم من أنه من الحكمة دائمًا توقع صدور سلوك عدواني من إيران، لكن هل من الممكن أن تُظهر إيران رغبة في المصالحة، لا سيما بالنظر إلى التحديات داخلها وعلى حدودها؟ نظرًا لرغبته في تحقيق إنعاش اقتصادي لبلاده، ربما يحرص السيد “رئيسي” على طمأنة السعودية بأنه جاد في سعيه للحوار والتوصل في نهاية المطاف لاتفاق مع المملكة، وهناك حديث في طهران بشأن مفاوضات محتملة في أغسطس.

مع هذا، لا يتوقع الأمير “تركي” احتمال أن يُسفر حوار كهذا عن نتائج إيجابية. عقَدَ البلدان مفاوضات في العراق مؤخرًا، لكن سياسات وأفعال طهران لا تزال تسلك المسار ذاته. وقال الأمير “تركي”: “ما يُبعدنا نحن السعوديين عن الإيرانيين هو تاريخ طويل من تنفيذ إيران لطموحاتها في منطقتنا، ولن يكون هناك اتفاق محتمل قريبًا، إذا حدث هذا على الإطلاق”.

وفي النهاية، ما من مؤشر على أن إيران تعمل على تغيير استراتيجيتها الإقليمية. وبهذا؛ حان الوقت لصنّاع القرار في الغرب لأن يوقفوا تظاهرهم بأنهم لا يسمعون أو يقرأون ما يقوله النظام الإيراني. 

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا