ريسبونسيبل ستيت كرافت | هل ستتمكن الولايات المتحدة من التقارب مع ألمانيا أم ستتنافس معها؟

هدى اسماعيل

رؤية

ترجمة – بسام عباس

قد تبدو ألمانيا شريكًا طبيعيًّا في  “المنافسة العالمية بين الديمقراطية والسلطوية” التي صاغها بايدن، غير أن الجمهور الألماني ليس مهتمًا!

تأتي صفقة خط أنابيب نورد ستريم 2  المثيرة للجدل بين إدارة بايدن والمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها “أنجيلا ميركل” في لحظة حرجة في العلاقات الألمانية الأمريكية. ورغم أن استعادة التحالفات الأوروبية التقليدية لواشنطن سمة مميزة لسياسة الرئيس بايدن الخارجية، ظلت التوترات عالية مع برلين. ولحسن الحظ، قدمت الأشهر الأخيرة لميركل في المنصب لإدارة بايدن فرصة لإعادة ضبط العلاقات الألمانية الأمريكية، وإرساء الدبلوماسية مع برلين على أسس أكثر براجماتية. إذ تعد الصفقة السياسية لحل الخلافات جزئيًّا حول خط أنابيب نورد ستريم 2 خطوة أولى جيدة. ومع ذلك، ومن أجل وضع العلاقة على المسار الصحيح، يجب على فريق بايدن أيضًا الابتعاد عن تأطير السياسة الدولية كمنافسة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية.

للوهلة الأولى، يبدو أن تركيز إدارة بايدن على المنافسة العالمية بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية له منطق يؤيده. وكما لاحظ كلٌّ من بايدن وميركل، يؤكد السياسيون الألمان والأمريكيون على القيم الديمقراطية المشتركة باعتبارها أمرًا رئيسيًّا في سياستهم الخارجية. ومع ذلك، يخفي هذا التأكيد الاختلافات الرئيسية بين الفهم الألماني والأمريكي للديمقراطية ويقلل من مدى الضرر الذي لحق بالمفهوم  الأمريكي للديمقراطية في التصور الألماني. حيث يثق الألمان بشدة في ديمقراطيتهم، ففي استطلاع حديث شمل عشر دول مختلفة أجرته مؤسسة أوراسيا جروب فونداشين، احتلت ألمانيا المرتبة الثانية في عدد المستجيبين الذين يعتقدون أن بلدهم ديمقراطي بنسبة 91٪. وعلى العكس من ذلك، فإن الآراء الألمانية حول الديمقراطية الأمريكية منخفضة بشكل ملحوظ، حيث وافق أقل من ربع الألمان على الديمقراطية الأمريكية.

وسيكون من الحكمة أيضًا أن يقلل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” من التركيز على سياسات المواجهة التي تنتهجها إدارته تجاه روسيا والصين. ومن المعروف أن الألمان يدعمون بشكل لا لبس فيه نظامًا عالميًّا تقوده الولايات المتحدة على نظام عالمي تقوده الصين، ولكن عندما يُجبرون على الاختيار بين النظامين، فإن هذا التفضيل يتعارض مع خيبة الأمل الألمانية الشديدة من السياسة الخارجية الأمريكية. فقد أعرب ثلثا الألمان الذين شملهم استطلاع مؤسسة “أوراسيا جروب فونداشين” عن اعتقادهم بأن السياسة الخارجية الأمريكية لم تحدث فرقًا كبيرًا أو لم تحدث أي فرق أو جعلت العالم أسوأ إلى حد ما. وفي استطلاع منفصل أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية نُشر في وقت سابق من هذا العام، فضّلت أغلبية قوية من الألمان الحياد عند سؤالهم عما إذا كانوا سينحازون إلى الولايات المتحدة في صراع مع الصين أو روسيا. ومن غير المرجح أن يفضل المستشار الألماني التالى – أيًّا كان – موسكو أو بكين على واشنطن، ومع ذلك ينبغي على فريق بايدن أن يفهم أن الجمهور الألماني سيفضّل الحياد عندما يكون خيارًا.

إن الضغط على ميركل والقادة الألمان المستقبليين للانضمام إلى ائتلافات مناهضة لروسيا أو معادية للصين سيجبر  الألمان على الإجابة عن أسئلة صعبة حول العلاقة الألمانية الأمريكية التي من الأفضل تركها دون إجابة، بينما تظل ثقة ألمانيا في الولايات المتحدة منخفضة للغاية.

ويبدو أن إدارة بايدن قد تعلمت هذا الدرس جزئيًّا على الأقل فيما يتعلق بقضية خط أنابيب نورد ستريم 2؛ إذ سيمتد خط الأنابيب المقترح تحت بحر البلطيق لتوصيل الغاز الطبيعي الروسي مباشرة إلى ألمانيا دون المرور عبر دول أخرى، مثل أوكرانيا، التي تفرض رسوم عبور.

ومن جانبها، أشارت إدارة بايدن في البداية إلى أنها ستواصل معارضة إدارة ترامب العدوانية للمشروع شبه المكتمل، مصطفةً مع الدول المعارضة مثل أوكرانيا وبولندا التي احتجت على ذلك مؤكدة أن خط الأنابيب لن يؤدي إلا إلى زيادة النفوذ الروسي في المنطقة من خلال تجاوز خطوط الأنابيب القائمة التي تمر عبر دول أوروبا الشرقية والوسطى.

لكن زيارة المستشارة “أنجيلا ميركل” الأخيرة لواشنطن منتصف يوليو ، أسفرت عن اتفاق سياسي مع بايدن بشأن هذه القضية. ففي مقابل موافقة الإدارة على استمرار تعليقها لعقوبات الكونجرس على مشروع نورد ستريم 2، ألزمت ميركل ألمانيا بالضغط على روسيا لتجديد اتفاق نقل الطاقة مع كييف لمدة عشر سنوات أخرى. وصرحت كل من إدارة بايدن وميركل أن هذه الصفقة لا تتغلب على جميع الاختلافات، لكنها تعترف بحقيقة أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقدم كثيرًا لوقف استكمال خط أنابيب نورد ستريم 2.

إن تحول إدارة بايدن بشأن قضية من الواضح أنها مهمة لألمانيا يعدّ أمرًا واعدًا في حد ذاته، ولكن مجرد وجود الخلاف يشير إلى مشكلة أوسع في نهج بايدن؛ فمنذ البداية، كانت إدارته تتعامى عن كيفية تغيير المواقف الألمانية تجاه الولايات المتحدة لكيفية تفسير رسالته حول المنافسة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية في برلين.

وبالاعتماد على الروايات العريضة حول الصراع بين الديمقراطية والاستبداد، فقد فوتت إدارة بايدن مسارات أضيق يمكن من خلالها للبلدين إحراز تقدم نحو أهداف السياسة نفسها. وأفضل مثال على ذلك هو تغير المناخ، فقد كشف استطلاع “أوراسيا جروب فونداشين” في مايو أن الألمان استشهدوا بالعمل بشأن تغير المناخ باعتباره ثاني أكثر الإجراءات شعبية التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لتحسين التصور الألماني عن الديمقراطية الأمريكية. وإذا واصلت إدارة بايدن التعاون الثنائي مع ألمانيا لتقليل الاعتماد الأمريكي والألماني على مصادر الطاقة التي ينبعث منها الكربون مثل الغاز الطبيعي، فإن هذه الخطوة ستحظى بشعبية لدى الجمهور الألماني وتقليل الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية.

وتقدم الأشهر المقبلة للولايات المتحدة فرصة لإعادة العلاقات مع ألمانيا المتشككة، ففي حين أنه من غير المحتمل إحراز تقدم فوري في مجالات الخلاف الجوهري بين برلين وواشنطن، يمكن لبايدن استخدام الوقت المتبقي لميركل في منصبها للإشارة إلى حسن النية الأمريكية والاهتمام بالشراكة مع ألمانيا. ومع ذلك لن يؤدي اتباع هذا النهج إلى إعادة بناء الثقة الألمانية المفقودة في الولايات المتحدة على الفور. إلا أنه سيقلل من التكلفة التي سيتعين على السياسيين الألمان دفعها مقابل اعتبارهم يعملون لصالح واشنطن، كما سيزيد هذا النهج أيضًا من احتمالية أن يفي خليفة ميركل بالاتفاق السياسي، وهو ليس اتفاقًا رسميًّا ملزمًا ، بشأن خط أنابيب نورد ستريم 2.

إن إعادة تأطير العلاقة الألمانية الأمريكية كعلاقة قائمة على المصالح المتبادلة بين الشركاء المتساوين – بدلًا من جر ألمانيا إلى حرب باردة جديدة – سوف تذهب بعيدًا في وضع علاقة إدارة بايدن مع المستشار الألماني القادم على الطريق الصحيح.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا