آسيا تايمز| ندرة المياه هي أكبر تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

من المحتمل أن تصبح المياه أهم عامل مُحدد لاستقرار الدول والصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. إن ما يجعل صراعات المياه في الشرق الأوسط قضية ملتهبة للغاية هو أن هذه الصراعات يكمن وراءها مزيج معقد من مظالم عِرقية ونزاعات قديمة بين الدول.

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، اندلعت في إيران مجددًا احتجاجات مناهضة للحكومة، لكن هذه المرة بسبب ندرة المياه. كان مركز هذه الاحتجاجات هو محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، التي تقطنها أقلية عربية كبيرة لطالما اشتكت من تلقيها معاملة من الدرجة الثانية من الحكومة في طهران. وكالعادة، ردّ النظام بأساليب عنيفة؛ ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل واعتقال العشرات.

إن التغيّر المناخي هو أحد العوامل وراء هذه الأزمة. تواجه إيران أكثر مواسم الصيف جفافًا على مدار التاريخ، إذ ارتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار درجة أو درجتين بمقياس سيلسيوس أعلى من المعتاد، كما انخفض هطول الأمطار بنحو 85 بالمائة. لكن التغير المناخي لم يسهم إلا في تفاقم أزمة من صنع الإنسان بالكامل، ناجمة عن سنوات من بناء السدود واستشراء الفساد وسوء الإدارة وتحويل مجاري الأنهار.

تضمّ خوزستان 80 بالمائة من نفط إيران و60 بالمائة من مخزوناتها من الغاز. تسبب استخراج هذه الموارد في حدوث تلوث بيئي، لكن السكان العرب هناك حذروا أيضًا من مؤامرة تُحيكها الحكومة التي يهيمن عليها الفرس في طهران، والتي تحاول عن قصد إبعاد العرب عن الأراضي الخصبة لاستغلال المزيد من الأراضي في عمليات استخراج النفط والغاز. كما بنت الحكومات المتعاقبة في طهران أيضًا سدودًا غير مدروسة وحوّلت المياه العذبة التي كانت وفيرة من أنهار خوزستنان نحو محافظات مجاورة.

إن الشيء المعقول الذي ينبغي أن تفكر فيه طهران هو صياغة سياسة لإدارة المياه والتوقف عن بناء السدود. لكن هذا قد تكون له تداعيات كبيرة على اقتصاد البلاد السياسي، فلسنوات عديدة، كان بناء السدود حكرًا على شركات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني صاحب النفوذ القوي، والذي يستخدم عقودًا حكومية مربحة كمصدر للاختلاس والمحسوبية. تقدّم إيران أيضًا دعمًا للكهرباء والمياه التي يستهلكها شعبها، ما يشجع إهدارها. إن تقليل هذا الدعم قد يزيد من التوترات داخل البلاد.

عوضًا عن هذا، ردّت طهران على أزمة المياه لديها عبر وقف إمدادات المياه إلى العراق المجاور، والقادمة من أنهار مشتركة بين البلدين، وأدّى هذا لحدوث أزمة مياه في محافظة ديالي العراقية ذات الغالبية السُنّية. ويمكن أن يؤجّج هذا الأمر التوترات الطائفية في العراق ويوفر مجنّدين جددًا لتنظيم داعش الذي لا يزال نشطًا. إن عودة نشاط داعش والصراع الطائفي، هو آخر شيء يحتاجه العراق، الذي يقترب من تحقيق ما يشبه حالة استقرار سياسي مع انعقاد الانتخابات العامة المقرر انعقادها في أكتوبر المقبل.

لكن نظرًا لغياب استراتيجية إقليمية كبرى لمشاركة مياه الأنهار وإدارة بناء السدود، من المحتمل أن تتحول المياه إلى لعبة ذات نتيجة صفرية. في بعض الحالات، ستعني عملية التنمية في منطقة وجود كميات أقل من المياه في منطقة أخرى. وفي حال تم إعادة تنشيط الأراضي الزراعية الواقعة شمال شرق سوريا، فستضطر البلاد لسحب مزيد من المياه من نهر الفرات، وهذا يعني وصول مياه أقل إلى العراق. وفي حالات أخرى، ستسعى البلدان وراء استراتيجية تسليح إمدادات المياه لتلقين أعدائها المفترضين درسًا.

في الواقع، اتهم الكُرد في محافظة الحسكة السورية تركيا ووكلاءها بتعمّد قطع إمدادات المياه إلى منطقتهم. تنظر تركيا إلى الحزب الكردي الحاكم لهذه المنطقة السورية بأنه حليف وثيق لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية. بالمثل، تهرّبت تركيا من التوصل لاتفاق مع العراق بشأن نهريهما المشتركين، قائلة إنها تمارس سيادة مطلقة على هذين النهرين اللذين يتدفقان عبر أراضيها.

إن الدول مرعوبة أيضًا من وقف دعمها المقدم للمزارعين في مناطق ريفية، خشية هجرتهم نحو المدن. في الواقع، أحد أسباب الحرب الأهلية السورية كان الجفاف الذي ضرب مناطق ريفية في الفترة بين 2006 و2009. أدّى ذلك لهجرة نحو 1.5 مليون شخص إلى مدن سوريا، ما فاقم من التوترات الاجتماعية في البلاد وقاد في نهاية المطاف إلى حرب أهلية في عام 2011.  إن الاقتصاد السياسي في بلدان أخرى في المنطقة متشابه إلى حد ما.

يقدم الأردن مياهًا مدعومة إلى قبائل متنفذة في وادي الأردن الذي يُعدّ ركيزة الدعم السياسي الأساسية للنظام في عمّان.  وبالمثل، تشعر مصر بعين الحذر تجاه التداعيات الكارثية المحتملة على استقرارها السياسي المحلي في حال انخفض تدفق المياه من نهر النيل بسبب سدّ النهضة الإثيوبي العظيم، ودفع هذا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتحذير من أن “جميع الخيارات محتملة” في حال فشلت مصر وإثيوبيا في الاتفاق على السدّ.

ونادرًا ما يرد ذكر الصراع حول المياه في التحليلات الغربية المهتمة بأزمات الشرق الأوسط الجيوسياسية، ويشير هذا إلى نظرة النخب السياسية الغربية الضيقة إلى الشرق الأوسط. إن صراعات المنطقة يُنظر إليها فقط من منظور الدين والطاقة، ويحظى هذان العنصران باهتمام هائل من الغرب، ويُعزى هذا بشكل أساسي إلى أن الدين مرتبط بالإرهاب العالمي والطاقة مرتبطة بأمن الطاقة في الغرب.

لكن ندرة المياه والصراعات الناجمة عنها يمكن أن تسفر عن ظهور موجة لاجئين من المنطقة، وقد يتسبب هذا في أزمة إنسانية تفوق كل التصورات؛ ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية وانهيار دول وزعزعة استقرار مناطق بعيدة مثل أوروبا وجنوب آسيا. إن المياه، وليس النفط أو السياسات الطائفية، هي التي يجب أن تشغل عقول صُنّاع السياسيات في الشرق الأوسط والعالم.    

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا