فورين أفيرز | لماذا منع استثمارات الوقود الأحفوري من شأنه أن يحطم أفريقيا؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

في أبريل، أعلنت سبع دول أوروبية، من ضمنها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أنها ستوقف التمويل العام لمشروعات وقود أحفوري معينة بالخارج. وقبلها بأقل من عام، سحب صندوق الثروة السيادي النرويجي، وهو الأكبر في العالم، حصصه في شركات تعدين وطاقة كبرى بسبب مخاوف بيئية. وفي 2018، أصبحت أيرلندا أول دولة تتعهد بسحب استثماراتها بالكامل من الوقود الأحفوري.

بعد عقود من التربح من النفط والغاز، منع عدد من الدول الغنية أو وضع قيودًا على الاستثمار العام في الوقود الأحفوري، ويشمل الغاز الطبيعي. هذه السياسات في كثير من الأحيان لا تفرق بين الأنواع المختلفة للوقود، ولا تضع في اعتبارها الدور الحيوي الذي تلعبه بعض أنواع الوقود في تحفيز نمو الاقتصادات النامية، خاصة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وبينما تحاول مؤسسات تمويل التنمية الموازنة بين المخاوف المناخية والحاجة لتحفيز تنمية متكافئة وزيادة أمن الطاقة، اتخذت بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خطوات نشطة للحد من استثمارات الوقود الأحفوري. يحث بعض المساهمين البنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى على فعل نفس الشيء. على سبيل المثال، يصبح بنك التنمية الأفريقي عاجزًا على نحو متزايد عن دعم مشروعات الغاز الطبيعي الضخمة في مواجهة ضغط المساهمين الأوروبيين. حتى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش دعا الدول إلى إنهاء التنقيب عن الوقود الأحفوري وإنتاجه.

وعلى الرغم من أن كل الدول يجب أن تلعب دورها في المعركة ضد تغير المناخ، إلا أن التحول العالمي من الوقود القائم على الكربون يجب أن يراعي الفروق بين البلاد ويتيح مسارات متعددة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية. في بلاد مثل نيجيريا، الغنية بالموارد الطبيعية لكنها لا تزال فقيرة في الطاقة، يجب ألا يحدث التحول على حساب الطاقة ميسورة التكلفة والتي يعتمد عليها الناس، والمدن والصناعات. على العكس، يجب أن يكون شاملًا، ومنصفًا، وعادلًا – وهو ما يعني الحفاظ على الحق في التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، كما هو منصوص عليه في المعاهدات العالمية مثل اتفاقية باريس للمناخ 2015.

قليل من المكاسب.. كثير من المعاناة

إن تحجيم استثمارات الغاز الطبيعي في أفريقيا لن يفعل الكثير للحد من انبعاثات الكربون عالميًا ولكنه سيضر كثيرًا بالآفاق الاقتصادية للقارة. في الوقت الحالي، أفريقيا متعطشة للطاقة: باستثناء جنوب أفريقيا، يمتلك شعب أفريقيا جنوب الصحراء البالغ عدده مليار نسمة قدرة توليد الطاقة بمقدار 81 جيجاوات فقط – وهي أقل بكثير من قدرة المملكة المتحدة على إنتاج 108 جيجاوات. علاوة على هذا، هؤلاء المليار شخص ساهموا بأقل من 1% في انبعاثات الكربون التراكمية العالمية. في نيجيريا، على سبيل المثال، يبعث الشخص العادي 0.6 طن متري من الكربون في العام، وهو جزء ضئيل من المتوسط العالمي البالغ 4.6 طن للفرد وأقل من 6.5 طن للفرد في أوروبا و15.5 طن للفرد في الولايات المتحدة. بصيغة أخرى، استخدام الطاقة والانبعاثات منخفضين جدًّا في أفريقيا جنوب الصحراء لدرجة أن مضاعفة استهلاك الكهرباء ثلاث مرات من خلال الغاز الطبيعي – وهو ما لا يقترحه أحد – سيضيف فقط 0.6% للانبعاثات العالمية.

لكن الحد من تطوير مشروعات الوقود الأحفوري، وبالتحديد مشروعات الغاز الطبيعي سيكون له تأثير سلبي بشدة على أفريقيا. إن الغاز الطبيعي ليس له معنى في كل الأسواق الأفريقية، لكن في الكثير منها، هو أداة مهمة لإخراج الناس من الفقر. إنه لا يُستخدم للطاقة فقط ولكن للصناعة وكسماد وكوقود نظيف للطهي. يحل الغاز النفطي المسال محل كميات ضخمة من الفحم والكيروسين الخطرين الذين كانوا يُستخدمون على نطاق واسع للطهي، ما أنقذ ملايين الأرواح التي كانت تُفقد في الماضي بسبب تلوث الهواء الداخلي، ولا يمكن المبالغة في دور الغاز كوقود تحولي في الدول النامية، لا سيما في أفريقيا.

غير أن تقدم أفريقيا قد يتبدد بسبب جهود العالم الغني لكبح الاستثمارات في كل الوقود الأحفوري. في أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، تتعرض مشروعات الغاز الطبيعي للخطر بسبب نقص التمويل الإنمائي. لقد جرى إنشاء مؤسسات مثل شركة تمويل التنمية الدولية الأمريكية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي للمساعدة في تحفيز المشروعات عالية التأثير في الدول التي لا يملأ فيها رأس المال الخاص الفجوة. تحتاج خطوط أنابيب الغاز ومحطات الطاقة في الأسواق الأكثر تعطشًا للطاقة إلى التمويل الإنمائي لجذب رؤوس الأموال الأخرى وتمكين هذه المشروعات من البدء.

إن الجهود الرامية لتقييد استثمارات الوقود الأحفوري في أفريقيا يصعب استيعابها لأن الكثير من الدول الغنية وراءها – مثل اليابان وبريطانيا والولايات المتحدة – تُدرج الغاز الطبيعي في خططها متعددة العقود للتحول إلى الطاقة النظيفة. بلجيكا، على سبيل المثال، ضاعفت استخدامها للغاز منذ 1990 ولديها خطط لرفع قدرة تحويل الغاز إلى طاقة في السنوات المقبلة. تصر ألمانيا على حرق الفحم حتى 2038 على الأقل وتبني خط أنابيب غاز نورد ستريم 2 لتأمين طاقتها، وتطور بعض أكبر الشركات الأوروبية والأمريكية الخاصة الغاز الطبيعي في أفريقيا – في غانا وموزمبيق ونيجيريا والسنغال ضمن دول أخرى – من أجل التصدير إلى آسيا وأوروبا، إلا أنه في الوقت نفسه، تسعى حكوماتهم إلى قطع التمويل عن مشروعات الغاز للاستخدام المحلي في أفريقيا.

تمويل مستقبل صديق للبيئة

في نيجيريا، الطاقة النظيفة محورية لخطط الحكومة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية. بالنسبة إلى نيجيريا ومعظم دول أفريقيا جنوب الصحراء الأخرى، شبكات الطاقة التقليدية الضعيفة ستواصل عرقلة انتشار طاقة الرياح والطاقة الشمسية لوقت طويل في المستقبل. يمكن رفع أو تقليل الطاقة القائمة على الغاز لتلبية الطلب، وهو ما يساعد في موازنة مزيج الطاقة في نيجيريا ويتيح استخدام أكبر للموارد المتنوعة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. ولأن العمر التشغيلي المتوقع لمحطات الغاز التي تحتاجها نيجيريا يتراوح بين 25 و30 عامًا، سنمتلك الوقت للتحول إلى نظام طاقة أكثر نظافة بحلول منتصف القرن. لكن لا يسع لمواطنينا الانتظار حتى تنخفض أسعار البطاريات أو تُكتشف تكنولوجيات جديدة لكي يحصلوا على طاقة موثوقة أو يعيشوا حياة عصرية وكريمة.

تلتزم نيجيريا والدول الأفريقية الأخرى بمستقبل خال من الانبعاثات، على الأقل بسبب قابليتنا الشديدة للتأثر بالآثار السلبية لتغير المناخ. لقد أعربنا عن التزامنا باتفاقية باريس للمناخ من خلال مساهماتنا الوطنية. لكن التزامنا بالإجراءات الخاصة بتغير المناخ لا يمكن فصله عن احتياجات الطاقة الخاصة بنا. إن تحول الطاقة العالمي العادل يجب أن يشمل أفريقيا، ولا يمكن أن يحرم شعبنا من حقه في مستقبل أكثر ازدهارًا. وبدلًا من عرقلة التنمية الاقتصادية للقارة، ينبغي على العالم الغني أن يساعد مُنتجي الطاقة في أفريقيا للحصول على التمويل لمشروعات الغاز الطبيعي الحيوية التي يمكن أن تخدم كجسر للوصول إلى صفر انبعاثات ولمشروعات الطاقة المتجددة وشبكات الطاقة الحديثة اللازمة لتشغيلها.

إن الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ لا ينبغي أن تعني خنق كل مشروعات الوقود الأحفوري، وإنما تسهيل تدفق رأس المال إلى الدول الأكثر احتياجًا له.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا