ذا ديبلومات| هل ستغير «العسكرة الرقمية» الحروب؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

تدّعي قوة الفضاء الأمريكية أنها بصدد تقديم “فرع عسكري رقمي”. فهل هي بذلك تحدث تناقضًا في المصطلحات؟ وفقًا للجنرال “جاي ريموند”، قائد قوة الفضاء الأمريكية، فإن أحدث فرع عسكري أمريكي في طريقه أيضًا ليصبح أول خدمة مسلحة رقمية بالكامل في العالم.

وبدلاً من فكرة (Tron-esque) حول الجنود الذين يقاتلون تقريبًا في ساحة معركة رقمية بحتة، فإن ما كان يشير إليه ريموند – والذي وُضِعَ سابقًا في بيان رؤية قوة الفضاء – كان أكثر واقعية إلى حد ما؛ ما يؤكد على الحاجة إلى أن تكون الخدمة الجديدة مترابطة ومبتكرة. وبعبارة أخرى، فإن الطموح الفعلي هو إلى حد ما أن تكون هناك خدمة عسكرية تعمل ضمن الأطر التي أنشأتها الحالة الحالية للتكنولوجيا الرقمية بدلاً من تبنيها بشكل مجزأ. وهو ما فسح المجال أمام المهمة الخاصة للقوة الفضائية نفسها بشكل طبيعي للتواصل. فبعد كل شيء، يُتوقع من أفراد القوة الفضائية تشغيل منصات الأقمار الصناعية والاستطلاع عن بُعد، بدلاً من قيادة مقاتلات الفضاء أو ركوب المركبات الفضائية المعادية، (بالنسبة للمستقبل المنظور على الأقل). وهذا الأمر يتناقض بشكل صارخ مع مشاة البحرية، على سبيل المثال، الذين لا يزال من المتوقع أن يعملوا في عالم من الوحل والدم الحقيقيين.

وربما يجعل هذا التناقض “الخدمة الرقمية” جودة متأصلة بدلاً من كونها هدفًا طموحًا. ولكن الفكرة تثير تساؤلاً عميقًا حول ما تعنيه القوة العسكرية في عالم غير مألوف بشكل متزايد. فالأمر كما يعلم جميع طلبة التاريخ العسكري، هو أن الحرب ما هي إلا سياسة بوسائل أخرى. والسياسة – ناهيك عن التجارة وعناصر أخرى تقريبًا من الجهود البشرية – تُنفذ بشكل متزايد في العالم الرقمي. فلماذا إذًا لا تحذو الحرب حذوها؟

تعتمد الإجابة إلى حد ما على مدى مركزية العنف الجسدي ضد البشر في مفهوم الحرب. ولكن الحرب في الفضاء تشترك مع الحرب في الفضاء الإلكتروني في أن البشر ليسوا مباشرة في خط النار. وكما هو الحال، يمكن شن حرب في الفضاء بالكامل بواسطة أنظمة يتم التحكم فيها عن بعد، وقد تكون أهدافها بدورها جمادًا بشكل حصري. وإضافة إلى ذلك، ونظرًا للاعتماد الكامل للأنظمة الفضائية على روابط أرضية، قد تكون الأسلحة نفسها رقمية.

وبهذا المعنى، فإن “الجيش الرقمي” هو ببساطة امتداد إضافي لاتجاه طويل الأمد: فالطائرات تسمح للجنود بتدمير أهداف بعيدة والعودة إلى ديارهم؛ فصواريخ كروز والصواريخ الباليستية تضع المشغل بعيدًا عن الأفق؛ والطائرات بدون طيار المسلحة التي تسمح للمشغل الذي يجلس في حاوية شحن في منتصف الطريق حول العالم بمراقبة هدف لساعات أو أيام قبل أن يقرر تدميره أم لا. ويبدو أن مسيرة التكنولوجيا تتيح لنا تجريد بعض المحاربين على الأقل من ابتعادهم عن الحروب، أو حتى تجريد مفهوم الحرب نفسها.

ولكن هذا لا يعني أن الحرب التي يجري احتواءها بالكامل في الفضاء، أو في العالم الرقمي، لن تضر بالمدنيين. إذ يمكن أن تؤدي الاضطرابات في الاتصالات المدنية أو البنية التحتية للشبكة – سواء عن طريق التدمير المادي للأقمار الصناعية أو الهجمات الناجحة على الشبكات – إلى آثار متتالية بسرعة كبيرة من خلال سلاسل التوريد المعقدة والهشة بشكل متزايد. لقد كان لدينا مثال تلو الآخر في الأشهر الثمانية عشر الماضية حول مدى اتساع هذه التأثيرات، حتى عندما يكون من مصلحة جميع الأطراف استعادة الخدمة المنتظمة في أسرع وقت ممكن. ومن الصعب تخيل حدوث اضطراب متعمد يتم إصلاحه بشكل سريع وسهل.

ومع ذلك، لن تكون الحرب المجردة في مأمن من احتمال التصعيد أكثر من أي شكل آخر من أشكال القتال. ففي الوقت الذي تكافح فيه الدول بالفعل من أجل التحديد الدقيق لكيفية الرد على هجوم رقمي أو فضائي ضار، ما يترك إمكانية حدوث تصعيد لا يمكن احتواؤه، ولا ينبغي لأحد أن يكون لديه انطباع بأن الحرب التي تبدأ في الفضاء أو في الفضاء الإلكتروني ستظل محصورة هناك، فلا يوجد مكان آمن يمكن فيه دفع المصلحة الوطنية ضد إرادة الآخرين دون عواقب غير مقصودة.

فقد شهدنا في الأسابيع القليلة الماضية تراجع تحالف دول غربية لا مثيل لها من الناحية التكنولوجية في مواجهة ميليشيا أصولية كانت – رغم أنها لم تخلو من ابتكاراتها التكنولوجية والتكتيكية – أضعف عسكريًّا من جميع النواحي. باستثناء، بالطبع، من حيث قدرتها على البقاء وخبرتها بالبيئة المحلية، والتي أثبتت أنها حاسمة في الحرب.

وربما يكون من الضروري بالفعل أن تصبح الجيوش “أصلية رقميًّا” ومستعدة لمنافسة جميع المجالات. ولكن يجب ألا نخطئ في ذلك من أجل القدرة على تغيير المبادئ الأساسية للحرب أو الالتفاف عليها.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا