فورين أفيرز | أمريكا يجب أن تعود إلى الشراكة العابرة للمحيط الهادئ

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

تخلى الرئيس الأمريكي جو بايدن عن نهج العمل المنفرد الذي اتبعه سلفه في السياسة الخارجية. أصبحت الولايات المتحدة مجددًا عضوًا في منظمة الصحة العالمية وانضمت مجددًا لاتفاقية باريس لتغير المناخ. يحاول بايدن أيضًا إحياء الاتفاق النووي الإيراني. إلا أن إحدى المبادرات الاقتصادية الخارجية التي لم يحاول إحياءها بعد هي عضوية الولايات المتحدة في اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ. في 2017، سحب الرئيس حينذاك دونالد ترامب الولايات المتحدة من الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، التي امتدت من فيتنام إلى أستراليا، والتي تمثل تقريبًا 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. لكن الأعضاء الـ11 المتبقين مضوا قدمًا في الاتفاقية، وغيروا اسمها إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ. أسقطت الاتفاقية الرسوم الجمركية بين المشاركين ووضعت قواعد ذات معايير عالية وقائمة على السوق في مجالات تتراوح من حماية الملكية الفكرية إلى الشركات المملوكة للدولة.

إذا حاولت واشنطن الانضمام مجددًا إلى الاتفاق، سوف تواجه عقبات داخلية ودولية. مع هذا، يتعين على إدارة بايدن السعي للعودة إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ. إن المخاطر مرتفعة ليس فقط للاقتصاد الأمريكي بل أيضًا لنفوذ واشنطن العالمي، لا سيما وأنها تتنافس مع الصين الصاعدة.

الأمر يتعلق بالاقتصاد العالمي

أثناء إدارة أوباما، كان الأساس المنطقي لواشنطن لكي ترسم وتنضم إلى اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ مباشرًا. وضعت الاتفاقية مجموعة من القواعد المشتركة التي من شأنها أن تحكم التجارة والاستثمار في المنطقة الاقتصادية الأكثر حركية في العالم. وتخدم كإغراء للبلاد الأخرى لكي تتبنى معايير الشراكة العابرة للمحيط الهادئ القائمة على السوق وتقدم بديلًا جذابًا للنموذج الاقتصادي الصيني الذي تقوده الدولة. أشار هذا أيضًا إلى دعم واشنطن النشط لاندماج آسيا مع الاقتصاد العالمي.

في البداية، سارت الأمور بسلاسة. بعد انضمام الولايات المتحدة إلى محادثات الشراكة العابرة للمحيط الهادئ في 2009، حذت دول ذات ثقل اقتصادي مثل كندا، واليابان والمكسيك نفس الحذو وعند ختام المفاوضات في 2015، أعربت المزيد من الدول عن اهتمامها بالمشاركة. إلا أن الكونجرس الأمريكي لم يصدّق مطلقًا على الاتفاق. جاءت المعارضة من يسار الوسط من ساسة مثل بيرني ساندرز، السيناتور المستقل من فيرمونت، وإليزابيث وارين، السيناتور الديمقراطية من ماساتشوستس، التي جادلت بأن الاتفاق يعزز مصالح الشركات الكبيرة على حساب العمال الأمريكيين.

وجاءت المعارضة أيضًا من اليمين، خاصة من الشعبويين والقوميين أمثال ترامب. في مسعى للفوز بولايات حزام الصدأ مثل ميشيجان وبنسلفانيا في الانتخابات الرئاسية 2016، انتقد ترامب الاتفاقية، وزعم أنها ستؤدي إلى خسارة المزيد من وظائف التصنيع لصالح وجهات بعيدة وإلى عجز أكبر في التجارة الأمريكية. هذه المخاوف أشعلت معارضة متزايدة للتجارة الحرة. وخلال أسبوعه الأول في المنصب، أمر ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من الشراكة العابرة للمحيط الهادئ.

كان التوقع السائد في واشنطن هو أنه بدون الولايات المتحدة، سوف تنتهي الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، غير أنها لم تفعل. على العكس، أعاد الأعضاء المتبقون، بقيادة اليابان، تسميتها إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ ووقعوها في 2018. وفي وقت مبكر من هذا العام، بدأت بريطانيا عملية الانضمام الرسمية، وربما تكون الصين مستعدة للانضمام إلى الاتفاقية. ومن أجل ضمان أن يكون للولايات المتحدة رأي في تشكيل قواعد التجارة العالمية، تحتاج إدارة بايدن للعودة إلى طاولة المفاوضات.

كبح صعود الصين

هناك أسباب عدة لوجوب انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، أحد العوامل الحاسمة هو الصين. توقع المسئولون في إدارة ترامب أن الشراكة العابرة للمحيط الهادئ ستنهار عندما انسحبت الولايات المتحدة، وكانوا يعتمدون على انتهاء الاتفاق التجاري الآسيوي الكبير الذي تقوده الصين، الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. لكنهم كانوا مخطئين على الصعيدين. يعمل كل الأعضاء العشرة في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بالإضافة إلى الصين، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية بجهد لإدخال الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة حيز التنفيذ أوائل العام المقبل. هذا يشدد على كيف ترى الدول الآسيوية التجارة كأولوية سياسة خارجية وستواصل البحث عن طرق لتوسيع التجارة سواء قررت واشنطن المشاركة أم لا.

في الوقت نفسه، اشتدت القوة الجاذبة للاقتصاد الصيني زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة. هذا يُعقد قدرة واشنطن على حشد حلفائها في منطقة الهندي – الهادئ لكبح نفوذ الصين الصاعد. أعلن بايدن أن مواجهة الصين واحدة من أولويات سياسته الخارجية، بيد أن فعل هذا سيكون صعبًا إذا أصبح حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في المنطقة أكثر اندماجًا على الصعيد الاقتصادي مع الصين. إن الدولة حتى الآن هي أكبر سوق لليابان وكوريا الجنوبية ومعظم أعضاء رابطة آسيان، وهذا العام تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري للهند. كانت الصين أيضًا الوجهة الأبرز للاستثمار الأجنبي المباشر في 2020.

إن واحدة من نقاط القوة الاقتصادية للصين هي الدور الحيوي الذي تلعبه في سلاسل الإمداد العالمية، إلا أنه في السنوات الأخيرة، أظهرت الحرب التجارية الأمريكية – الصينية وجائحة كوفيد-19 مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للإمداد – خاصة عندما يكون ذلك المصدر خصمًا جيوسياسيًّا. إذا كانت الولايات المتحدة عضوًا في اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، تستطيع استخدام الاتفاقية كأساس لبناء سلاسل إمداد أكثر مرونة وثقة، ما يحدّ من نفوذ الصين.

السبب الأخير الذي يُحتم على واشنطن أن تعيد التفكير في اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ هو أن بكين ربما تكون مستعدة للانضمام إلى الاتفاق. في نوفمبر الماضي، صرّح الرئيس الصيني شي جين بينج أن الصين تنظر بـ”طريقة إيجابية” إلى احتمالية الانضمام إلى الاتفاق. بكل تأكيد، ستواجه الصين صعوبة في الالتزام بقواعد اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ. لكن هذا لا يعني أنها لن تستطيع الانضمام. إذا نجحت بكين في الانضمام إلى هذا الجهد، سوف يخدم هذا كضربة موفقة كبرى في العلاقات العامة ويعيق قدرة واشنطن على استعادة النفوذ الاقتصادي في هذا الجزء من العالم.

خارطة طريق للمستقبل

حتى الآن، لم تظهر إدارة بايدن اهتمامًا كبيرًا باتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، إلا أن ممثلة التجارة الأمريكية كاثرين تاي تركت احتمالية أن تحاول الإدارة إحياء سياسة عصر أوباما مفتوحة. قالت في شهادتها أمام لجنة المالية بمجلس الشيوخ الأمريكي، “إن التركيبة الأساسية للعمل عن كثب مع الدول ذات التفكير المتشابه في منطقة الهندي-الهادئ والتي لها مصالح استراتيجية واقتصادية مشتركة تبدو منطقية، لكن الكثير من الأمور تغيرت في العالم منذ توقيع الشراكة العابرة للمحيط الهادئ في 2016.”

إن تاي محقة. اختُتمت مفاوضات الشراكة العابرة للمحيط الهادئ منذ ست سنوات تقريبًا، وكان معظم محتواها مبني على مقترحات أمريكية قُدمت منذ أكثر من عقد. إذا كانت واشنطن لتحاول الانضمام مجددًا إلى اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، ستكون هناك حاجة لتعديلات لكي تعكس الظروف المتغيرة وتحصد دعمًا كافيًا في الكونجرس الأمريكي ولدى الشركاء في اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ.

إذا اختارت واشنطن التودد إلى أعضاء اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ مرة أخرى، ينبغي أن تدرك إدارة بايدن أن الولايات المتحدة لم تعد حارس الاتفاقية. ستطلب واشنطن من أعضاء اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ التكاتف معها بعد التخلي عنهم منذ خمس سنوات. مهما كان أعضاء اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ منفتحين على المشاركة الأمريكية، ستكون هناك حدود للتنقيحات التي سيقبلونها. وإقناع المشرعين الأمريكيين بدعم اتفاق تجاري إقليمي سيكون صعبًا أيضًا. مع هذا، ينبغي أن تُبقي إدارة بايدن هذا الخيار حيًّا. وبينما تعمل الولايات المتحدة لاستعادة مصداقيتها ونفوذها حول العالم وتتنافس مع الصين، لا يمكنها تحمل وضع نفسها على الهامش وترك الآخرين يصيغون القواعد التي ستشكل مستقبل الاقتصاد العالمي.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا