مركز تحليل السياسات الأوروبية | طموحات الصين في البلطيق تحتاج لرد من الاتحاد الأوروبي

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

كان استدعاء السفير الصيني في ليتوانيا من منصبه حدثًا غير مسبوق في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجمهورية الصين الشعبية. للمرة الأولى، عاد دبلوماسي صيني إلى وطنه من دولة أوروبية منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي في 1993. وكما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، نتج القرار عن مخالفة سياسة الصين الواحدة، التي تمثل مسألة حساسة للصين. بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، قد يكون هذا هو الوقت المناسب لإظهار التضامن الأوروبي.

كانت العلاقات بين ليتوانيا والصين سيئة بالفعل. في شهر مايو، أعلنت الحكومة في فيلنيوس عن انسحابها من كتلة 17+1 برعاية الصين، وهي مبادرة مصممة لتنمية العلاقات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار في وسط وشرق أوروبا. شجع وزير الشئون الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس الدول الأخرى على فعل نفس الشيء واقترح أن هذا هو “الوقت المناسب” للانتقال إلى “صيغة 27+1” أي، إدراج الاتحاد الأوروبي بالكامل في استحداث سياسة موحدة تجاه جمهورية الصين الشعبية. وقال: “يصبح الاتحاد الأوروبي أقوى عندما تعمل كل الدول الأعضاء الـ27 معًا إلى جانب مؤسسات الاتحاد الأوروبي”. وكما تُظهر الأحداث الأخيرة، كانت الدعوة الليتوانية للتضامن الأوروبي سديدة.

في شهر يونيو، تبرعت ليتوانيا بـ20 ألف جرعة من لقاح كوفيد-19 لتايوان كبادرة على حسن النية، بينما في الشهر التالي، أعلنت رئيسة تايوان تساي إنج ون على تويتر عن افتتاح مكتب تمثيل تايواني في ليتوانيا عما قريب، إلا أن هذا التصريح أثار الجدل. إنه لم يتبع التقليد المعتاد (مثل مكتب تمثيل تايبيه)، كما هو الحال في البلاد الأخرى التي لا تحافظ تايوان على علاقات دبلوماسية رسمية معها. من الملحوظ أن هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها اسم الجزيرة لتسمية مؤسسة تمثل الدولة في واحدة من دول الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى هذا، أعلنت ليتوانيا عن خطط لفتح مكتب تجاري في تايوان.

ردًّا على هذا، أصدر المتحدث باسم وزير الخارجية الصيني ردًّا نمطيًّا، يعرب عن استيائه من “التأسيس المتبادل لوكالات رسمية والمبادلات الرسمية بين إقليم تايوان والدول التي لها علاقات دبلوماسية مع الصين، مثل ليتوانيا”، وهذ  ا فتح الطريق لمغادرة سفير الصين وعودة سفير ليتوانيا هذا الشهر.

رد الاتحاد الأوروبي، وذكر أن هذه الخلافات “لها تأثير على العلاقات الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين” وأضاف أنه لم يعتبر افتتاح مكتب تمثيل في أو من تايوان (على عكس السفارة أو القنصلية) انتهاكًا لسياسة الصين الواحدة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي.

كان الرد الصيني، من خلال صحيفة جلوبال تايمز الناطقة باسم الحكومة، هو وصف ليتوانيا بـ”الدولة الأكثر عداءً لروسيا في أوروبا،” مقترحةً أن الصين ينبغي أن تتكاتف مع روسيا وبيلاروسيا، لتطبيق العقاب، ثم اختتمت الخطبة باستخدام الإهانة الماوية للدولة البلطيقية ووصفها بأنها تابع ذليل.

هذا الرأي، الذي جرى التعبير عنه في المنفذ الإعلامي الحكومي، هو تحذير مبكر للاتحاد الأوروبي، لا سيما نظرًا للانقسامات داخل الاتحاد حول العلاقات مع الصين. ولعل الاتفاقية الشاملة للاستثمار، التي جرى التفاوض عليها في أواخر 2020، مثال رائع. فعلى الرغم من موافقة ألمانيا وفرنسا، من ضمن آخرين، اعترض ممثلو إيطاليا، وبولندا، وبلجيكا وإسبانيا على الطريقة التي مضت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قدمًا في الاتفاق في الأيام الأخيرة من رئاسة ألمانيا لمجلس الاتحاد الأوروبي.

لاحظ الصينيون الخلافات في الرأي بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، الرد الأوروبي غير الحازم. قال وزير الخارجية الصيني وانج يي إن التوجه الحالي للاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر الصين شريكًا، ومنافسًا، وخصمًا منهجيًا في نفس الوقت “متناقض”. بالنسبة إلى صُنّاع السياسة في الاتحاد الأوروبي، الرد المنطقي هو إلغاء السياسة المتناقضة واستبدالها بالوضوح عن طريق وضع سياسة مترابطة وموحدة تجاه الصين. وفي مواجهة التهديدات الموجهة إلى دولة عضو في الاتحاد، هناك حاجة للتضامن ليس فقط على الصعيد التصريحي بل والعملي أيضًا.

لا ينبغي التساهل مع الدعوات من دول خارج الاتحاد الأوروبي لـ”معاقبة” عضو في الاتحاد الأوروبي. إنها تصريح واضح عن سوء النية من القوة الأجنبية وتلعب على معرفة ليتوانيا بأن أكبر تهديد أمني عليها هو الاتحاد الروسي وجمهورية بيلاروسيا. من الصعب أن نأخذ على محمل الجد تصريح وزير الخارجية الصيني بأن “الصين وأوروبا ليس لديهما تضارب خطير في المصالح أو مآزق تاريخية”، في الوقت الذي تستحضر فيه الصين تاريخ ليتوانيا من الغزو والاضطهاد الروسي لتعزيز مصالحها.

ينبغي أن تجهز الدائرة الأوروبية للشئون الخارجية، بالإضافة إلى الهيئات الأخرى التابعة للاتحاد الأوروبي، جبهة موحدة بين الدول الأعضاء لمعارضة هذه الممارسات بحزم. وفقًا للقيم الجوهرية للاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يشكّل التهديد بالعنف جزءًا من السياسة الخارجية. يمكن رؤية حالة ليتوانيا كاختبار للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ومن وجهة نظر الدول الأعضاء، من الضروري انتهاز هذه الفرصة لإظهار التضامن الأوروبي.

قال تشانج هونج، الخبير في دراسات أوروبا الشرقية بالأكاديمية الصينية لعلوم الاجتماع، “يمتلك الاتحاد الأوروبي تقليدًا دبلوماسيًّا بالدفاع عن أعضائه … في القضايا التي لا تمس المصالح الجوهرية والشئون الداخلية للاتحاد الأوروبي. تقدم بروكسل الدعم الرمزي لمواقف الدول الأعضاء.” سيُظهر حل النزاع الحالي بين الصين وليتوانيا، اللتين تحتلان المرتبة 1 والمرتبة 142 على التوالي في التصنيف العالمي للسكان، إذا ما كانت كلماته صحيحة أم لا. إن الوقت مناسب لتجاوز الرمزية، ولا شك أن أمن الدولة العضو يُعدّ مصلحة جوهرية لكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا