معهد الدراسات الأمنية الإفريقي |ما تداعيات 11 سبتمبر الدائمة على إفريقيا؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لمنع استمرار الهجمات، يجب أن يركز الجيل القادم من مكافحة الإرهاب على الناس، وليس على القوة العسكرية.

يجسد سقوط أفغانستان الشهر الماضي، وعودة حركة طالبان للسلطة من جديد، فشل مكافحة الإرهاب على مدى السنوات العشرين الماضية، فمنذ الحادي عشر من سبتمبر، لقي نحو 254 ألف شخص مصرعهم في الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم. كما أن مكافحة الإرهاب أصبحت أولوية عالمية للقضاء على التهديد الذي يشكّله المتطرفون وممولوهم. لقد هيمن عليها الجيش من خلال نهج أمني مرتكز على الدولة.

بينما ينضم المجتمع الدولي إلى الأمريكيين في الاحتفال بالذكرى العشرين لهجمات سبتمبر 2001، من المهم أن نأخذ في الاعتبار دوافع الإرهاب؛ إذ إنه في كثير من الحالات، لا سيما في إفريقيا، ينتج عن مشاكل الأمن البشري العميقة الجذور التي يعاني منها الأشخاص الذين غالبًا ما تتجاهلهم حكوماتهم أو تهمشهم، وهو ما لا يمكن معالجته بالوسائل العسكرية وحدها.

لعبت أفغانستان بقيادة طالبان دورًا أساسيًّا في الإرهاب قبل وبعد 11 سبتمبر. ويعتقد أن الجماعة وفّرت ملاذًا آمنًا لأسامة بن لادن وأتباعه في القاعدة الذين نفّذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كما أنها حمتهم من البحث الدولي لتقديمهم إلى العدالة. أودى الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2001، والذي أطاح بحركة طالبان، بحياة أكثر من 64 ألف أفغاني، وأثار الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم؛ مما شن موجة جديدة من الهجمات الإرهابية.

ففي إفريقيا، نفّذت الجماعات الإسلامية العديد من الضربات القوية في عامي 2002 و2003 في دول مثل تونس وكينيا ومصر والجزائر والمغرب. وفي نيجيريا، تأسّست جماعة جديدة أطلقت على نفسها اسم “طالبان النيجيرية” في عام 2002 في ولاية بورنو الشمالية الشرقية. وأصبحت هذه الجماعة فيما بعد “بوكو حرام”.

لقد كان تأثير أفغانستان على الجريمة في إفريقيا شديدًا، فقد أصبح مصدر إلهام للجماعات المتطرفة، كما أنه أصبح مصدرًا رئيسيًّا لتهريب الأفيون والهيروين، حيث أصبح سوق المخدرات غير المشروعة الأسرع نموًا في القارة. ولم تكن طالبان والقاعدة الجماعتين الوحيدتين اللتين تحركان العنف والتطرف في إفريقيا. ففي حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، أحدث ظهور تنظيم داعش وإعلان الخلافة الإسلامية في عام 2014 ثورة في تجنيد الجماعات الإرهابية لشباب القارة وانخراطهم في الإرهاب.

ومثل تنظيم القاعدة، يستغل تنظيم داعش المظالم المحلية، ويدعم الجماعات المحلية أو المنتسبين إليها. كما أن تكوينات متناثرة أُطلق عليها اسم الولايات ساعدت تنظيم داعش على توسيع نفوذه ليشمل جميع المناطق الجيوسياسية الخمسة في إفريقيا. وتشمل النقاط الخمس الساخنة للإرهاب حوض بحيرة تشاد والساحل والمغرب العربي والقرن الإفريقي ومنطقة موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا. وينفذ فروع محلية مدعومة من القاعدة أو داعش تلك الهجمات المميتة.

ونتيجة للتنظيم الجيد والتعاون المتبادل في رسم خرائط للمساحات الإقليمية بين الجماعات المتطرفة، شهد العقدان الماضيان ارتفاعًا في الهجمات عبر إفريقيا. وفي السنوات العشرين التي سبقت 11 سبتمبر، تسببت 6142 حادثة في وفاة أكثر من 10 آلاف شخص، بينما وقع في العشرين عامًا اللاحقة لأحداث 11 سبتمبر 7108 هجمة أدت إلى مقتل أكثر من 55 ألف شخص. ومع وجود 41٪ من جميع الهجمات المرتبطة بتنظيم داعش على مستوى العالم، حلت إفريقيا محل الشرق الأوسط كمركز ثقل للحوادث التي ينفذها التنظيم.

فكيف ولماذا حدث هذا في وقت تزايد التركيز فيه على مكافحة الإرهاب بعد 11 سبتمبر؟

السبب الأول: هو تسييس الإجراءات ضد الإرهاب، واستجابة إفريقيا المتناقضة له. وحتى عندما أدانوا هجمات سبتمبر 2001، نظر العديد من القادة الأفارقة إلى مكافحة الإرهاب على أنها أجندة أمريكية أو غربية وليست قضية إفريقية.

وقد تأثر هذا جزئيًّا بتجربة إفريقيا المختلطة مع التطرف العنيف. فمن ناحية، كانت القارة مستهدفة من المنظمات الإرهابية العالمية. ومن ناحية أخرى، كان يُنظر إليها على أنها تصنع الإرهاب، لا سيما أثناء نضالها ضد الاستعمار. فقد كان العديد من القادة الأفارقة مثل “روبرت موغابي” و”معمر القذافي” و”عمر البشير” يُصنفون في السابق على أنهم إرهابيون أو راعون للإرهاب.

كان هناك أيضًا شعور بأن المجتمع الدولي تصرّف بشكل غير مبالٍ تجاه “أحداث 11 سبتمبر” الإفريقية عندما قصف مجاهدو بن لادن السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا في عام 1998.

كان انخراط إفريقيا في الحرب العالمية على الإرهاب، كما أشارت قمة مكافحة الإرهاب في داكار عام 2001 لمنع موجة جديدة من الهجمات التي تضر بتنمية القارة، بمثابة بيان سياسي لتشجيع الشركاء الدوليين على مواصلة دعم إفريقيا. في البداية نجحت، حيث قامت الحكومات الأمريكية والأوروبية بإعادة تعبئة مساعداتها للدول التي تدعم حملة مكافحة الإرهاب. ولكن استخدمت المساعدة الخارجية الأمريكية لإفريقيا كحافز لمكافأة حلفائها.

كما استُخْدمت هذه المساعدات بشكل أساسي لزيادة الإنفاق العسكري على حساب برامج التنمية، ويمكن أن تساعد مثل هذه البرامج في ثني السكان عن التحول إلى التطرف العنيف، لا سيما في المجتمعات الريفية الفقيرة حيث تستغل حالة الفقر والوازع الديني في عمليات التجنيد الإرهابية.

والنتيجة غير المقصودة لجهود مكافحة الإرهاب المحفزة في إفريقيا هي أنها ساعدت في تمويل الأنظمة الاستبدادية، كما أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية غضت الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوض بشكل خطير الديمقراطية والحكم الرشيد.

السبب الثاني لتنامي التطرف العنيف في إفريقيا هو افتقار الاتحاد الإفريقي ومعظم المنظمات الإقليمية إلى تنسيق مكافحة الإرهاب؛ فقد كان استخدام عمليات حفظ السلام سيئة التجهيز ذات التفويضات المحدودة في أماكن مثل الصومال ومالي وحوض بحيرة تشاد وموزمبيق مكلفًا للغاية ولم يحقق سوى القليل من الأرباح.

السبب الثالث: يقدم نظام العدالة الجنائية نهجًا أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب من العمليات العسكرية، وعلى الرغم من ذلك، فقد قوضها الفساد، والتسليم السياسي، وانعدام استقلالية السلطة القضائية. ومع أنه يمكن للمحاكم أيضًا معالجة بعض قضايا الأمن البشري العميقة الجذور ودوافع الإرهاب، والمساعدة في إعادة بناء العقد الاجتماعي والثقة في الحكومة، إلا أنه لم يتم استخدامها بشكل كافٍ لمكافحة التطرف العنيف.

السبب الرابع: تجاهلت العديد من الدول الإفريقية الحوار مع الجماعات المتطرفة. كما أنها لم تطلب التوجيه بشأن الحلول القابلة للتطبيق من المجتمع المدني والجهات الفاعلة في المجتمع، بما في ذلك الشباب والقطاع الخاص والنساء، وتكتسب بعض جوانب الحوار مثل العفو عن الإرهابيين زخمًا بين الحكومات الإفريقية، ولكن هذه العملية تحتاج إلى إدارة فعالة لمنع أي رد فعل عكسي من المجتمعات والمقاتلين السابقين الذين يعودون إلى الجماعات المتطرفة أو الإجرامية.

وقد أدت التطورات الأخيرة في أفغانستان بالعالم إلى نقطة تحول جديدة، وذلك سواء كان حكم طالبان يمثل مرحلة جديدة من الإرهاب أم نهاية حقبة مكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.

في كلتا الحالتين، سيعتمد مسار إفريقيا على مقدار ما تعلمناه من فشل في العِقدين الماضيين. لقد ثبت أن النهج العسكري أو المتمحور حول الدولة غير فعال. وبدلاً من ذلك، هناك حاجة إلى استراتيجيات واسعة تشمل التدخلات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويجب أن تكون الشعوب في مركز هذه الاستراتيجيات، وأن تكون مملوكة ومعززة على مستوى المجتمع والدولة.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا