ذا ناشيونال نيوز | «جبران باسيل» يقف حجر عثرة في طريقها.. الإعلان عن تشكيل حكومة لبنانية

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

استغرقت الطبقة السياسية في لبنان ما يزيد عن عام لتشكّل حكومة، لكن العديد من اللبنانيين ليسوا متأكدين ما إذا كان ينبغي لهم الاحتفاء بهذا الأمر، حتى لو أقرّ معظم اللبنانيين أن استمرار الفراغ لم يعد أمرًا يمكن الدفاع عنه. لكن في أفضل الأحوال، ستواجه حكومة ميقاتي صعوبات كثيرة. 

ستكون أولوية السيد ميقاتي هي وقف التدهور الاقتصادي السريع في لبنان. أول شيء من المتوقع أن يفعله هو استكمال رفع الدعم على منتجات الوقود، الذي لطالما كان عبئًا على خزينة البلاد. في الأشهر الأخيرة، أدّى ترقب الناس لتنفيذ هذه الخطوة، والتي تعد ضرورية لوقف نزيف احتياطيات البلاد الأجنبية، لعمليات تخزين واسعة النطاق للبنزين وزيت الوقود. علاوة على هذا، عادة ما يجري تهريب كميات كبيرة من الوقود إلى سوريا، حيث الأسعار هناك مرتفعة. أدّت حالات النقص الناتجة عن هذا إلى تشكل طوابير طويلة أمام محطات الوقود وتضخم الأسعار في جميع المجالات.

إن الحكومة الجديدة لديها هامش للمناورة ماليًا. سيكون لديها 540 مليون دولار على هيئة قروض من البنك الدولي لإنفاقها، من بينها 246 مليون دولار لدعم شبكة أمان اجتماعية طارئة. ستحصل الحكومة أيضًا على نحو 370 مليون دولار على هيئة مساعدات إنسانية تم التعهد بتقديمها في مؤتمر نظمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الرابع من أغسطس. الأهم من هذا، أن لبنان سيتلقى قريبا 860 مليون دولار من مخصصات حقوق السحب الخاصة به في صندوق النقد الدولي.

لن تُلبّ أيّ من هذه المطالب الجوهرية التي سيفرضها صندوق النقد الدولي على لبنان، لكن هذا يمكن أن يساعد في استقرار البلاد التي مرت بصيف بشع. إن أهم مساهمة للسيد ميقاتي ستكون استعادة بعض الثقة، الغائبة تمامًا اليوم داخل المجتمع اللبناني.

سياسيًا، سيتعين على السيد ميقاتي التعامل مع الطموحات السياسية لـ “جبران باسيل”، صهر الرئيس اللبناني “ميشيل عون”. يرغب السيد باسيل في خلافة “عون” الذي يشاركه تمامًا هذه الرغبة. إن التأخر الطويل في تشكيل الحكومة يُعزى إلى حد كبير إلى محاولة السيد باسيل، بالتعاون مع عون، تسمية أكثر من ثلث وزراء الحكومة. وعبر قيامه بذلك، كان من المفترض أن يسيطر باسيل على أجندة الحكومة ويُسقط الحكومة في حال استقالة جميع الوزراء الذين سماهم.

رسميًّا، فشل السيد عون والسيد باسيل في تحقيق هدفهما، لكن المسألة جرى حلها عبر تسوية غامضة. بالرغم من عدم رغبة السيد ميقاتي في تشكيل حكومة يمتلك فيها الرئيس وصهره حق الفيتو، إلا أن ميقاتي وافق على تسوية فيما يخص وزيرين مسيحيين يتم تسميتهما خارج حصة السيد عون والسيد باسيل. تم اختيار الوزيرين عبر التوافق بين السيد عون والسيد ميقاتي.

لا يزال باسيل يرغب في خلافة عون، ربما يخلق هذا مشاكل. فبالرغم من أن الوزيرين على علاقة جيدة بالرئيس ورئيس الوزراء ميقاتي، إلا أنه في حال انحيازهما لعون في المستقبل، فقد يمنحه هذا هو وباسيل السلطة التي يحتاجانها لدعم مصالح باسيل، ما يقوّض بالتالي تجانس الحكومة ويضرّ بميقاتي.

أفادت تقارير إخبارية بأن باسيل أُجبر على التنازل بفضل مزيج من التهديدات الفرنسية بفرض عقوبات وضغط من حزب الله. إن صهر الرئيس هو حليف لحزب الله، لكن هناك حدود لما يمكن للحزب قبوله من باسيل. إن الجهود التي بذلها باسيل لتقويض عملية تشكيل الحكومة بغرض فرض مطالبه، لم تساهم إلا في تسريع التدهور الاقتصادي، ما خلق العديد من المشاكل لحزب الله.

الأهم من هذا، أنه في الأيام التي سبقت الاتفاق على تشكيل الحكومة، تحدث الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” والرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” عبر الهاتف، حيث أعلن “رئيسي” أن إيران ترغب في ولادة حكومة لبنانية. يبدو أن تلك كانت النقطة التي أوضح فيها حزب الله لباسيل أن الحل أمر ضروري.

يستفيد ميقاتي من دعم دولي وإقليمي كبير، لكنه واعٍ تمامًا أن لبنان يقع في مكان تتقاطع فيه مصالح ومنافسات دولية وإقليمية. لو كانت إيران وفرنسا مهمتان في فرض اتفاق لتشكيل الحكومة، فإن الدول العربية لن تكون أقل أهمية في منح الحكومة مصداقية وغطاء إقليميين. إن السيد ميقاتي حريص للغاية على إعادة بناء الثقة مع العالم العربي، والتي تضررت بفضل سنوات من هيمنة حزب الله على البلاد.

مع انعقاد الانتخابات اللبنانية في الربيع المقبل، ربما يمكن القول إن السيد ميقاتي حريص على تعزيز موقفه للعودة كرئيس للوزراء بعد الانتخابات، هذا إن عُقدت الانتخابات في موعدها. إن البديل الرئيس لميقاتي هو “سعد الحريري” الذي من المتوقع أن يعترض عون وباسيل على توليه هذا المنصب، وهذا يعني أنه من الآن حتى انعقاد الانتخابات، سيضطر رئيس الوزراء للتحرك بحذر فيما يخص إحراز تقدم حقيقي على الجبهة الاقتصادية وإدارة علاقته مع عون وباسيل.

لن يكون هذا سهلاً. يركز السيد باسيل بالكامل على مصالحه السياسية وسيتصرف تجاه الحكومة بطريقة يمكن أن تعزز شعبيته. هذا يعني أن وزير العدل الموالي لعون ربما يحاول فتح ملفات فساد ضد خصوم باسيل، بينما يوزع وزير الشؤون الاجتماعية المتحالف مع عون المساعدات بطريقة تساعد على نجاح مرشحي باسيل في الانتخابات.

إن هذا النوع من المحسوبية ليس مثاليًّا تمامًا، ولن يساعد في طمأنة المجتمع الدولي. لكن سيتعين على السيد ميقاتي استخدام دهائه للمضي قدمًا في خطته الاقتصادية للبنان. يأمل العديد من اللبنانيين في نجاح ميقاتي، ولن يقبلوا أي محاولة لإحباط أي جهود جادة لتحسين وضع البلاد.    

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا