الجارديان| تحالف «أوكوس» دليل على ولادة نظام عالمي جديد

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

فرنسا غاضبة، و”تيريزا ماي” تشعر بالقلق. إن الإعلان عن تحالف “أوكوس” الجديد بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وإلغاء صفقة الغواصات بين فرنسا وأستراليا، دفعا وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” لوصف التحالف بأنه “طعنة في الظهر”، بينما تشعر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة بالقلق من أن التحالف الجديد يجرّ بريطانيا إلى حرب بشأن مستقبل تايوان.

الأمر الغريب أن ردّ فعل بكين كان هادئًا نوعًا ما. نعم، اتهمت الصين الغرب بأن لديه “عقلية الحرب الباردة”، كما حذر الرئيس الصيني “تشي جي بينغ” الأجانب من مغبة التدخل في المنطقة، لكن تحذير الصين من أنها “ستراقب الموقف عن كثب” كان أقرب إلى حالة غضب داومت الصين على تكرارها.

إن تحالف “أوكوس” مهم من ناحية ما يكشفه عن طريقة تفكير الشركاء الثلاثة، وليس من ناحية مضمونه الحقيقي. يصفه بعض المراقبين بأنه اتفاق “نووي” في حين أنه ليس كذلك. فالغواصات ليست غواصات من طراز “ترايدنتس” التي تحمل أسلحة نووية والتي ظهرت في مسلسل “Vigil” الذي بثته محطة “بي بي سي” لكنها مجرد غواصات تعمل بالطاقة النووية ما يمنحها مدى أطول. بالنسبة للغرب، فإن تحالف “أوكوس” يظهر خوفًا حقيقيًّا من أن الرئيس المقبل للولايات المتحدة ربما يكون دونالد ترامب أو أحد أتباعه. تحدث بوريس جونسون بنبرة حازمة بشأن استمرار تحالف “أوكوس” “لعقود من الزمن”: إن الأثر غير المعلن هو أنه بصرف النظر عن هوية الرؤساء الأمريكيين الذين سيتولون السلطة على مدار هذه الفترة الزمنية، فإن “أوكوس” يتعلق بدمج الولايات المتحدة في أمن منطقة آسيا – المحيط الهادئ على المدى الطويل.

هناك أمر أقل وضوحًا، وهو أن هذا التحالف يتعلق أيضًا بدمج الولايات المتحدة في الأمن الأوروبي في عالم ربما أصبح فيه حلف الناتو أقل أهمية. في هذا الأسبوع، كان لفرنسا كل الحق أن تغضب بشأن خسارتها التحالف مع أستراليا وعقد الغواصات. لكن على مدار العقد المقبل، من المتوقع أن نشهد ترتيبًا مختلفًا: ستكون المملكة المتحدة وفرنسا عمودين لنظام الأمن الأوروبي (بالإضافة إلى قوة عسكرية ناشئة للاتحاد الأوروبي). كما أن الارتباط بتحالف “أوكوس” يجلب معه أهم عنصر لتثبيت الاستقرار: وجود الولايات المتحدة المتحالفة بقوة مع قوة أوروبية رئيسية (وإن كانت غير عضوة في الاتحاد الأوروبي).

إن خطاب الصين بشأن الحرب الباردة يفتقر إلى مسألة مهمة: هياكل ذلك الزمن كانت ثنائية ومتصلبة. لكن تحالف “أوكوس” يشير إلى أن النظام الليبرالي يمكن أن يعيد تأسيس نفسه عبر اتفاقيات تضم “أطرافًا قليلة” بحيث تتعاون مجموعات مختلفة من القوى سوية بشأن قضايا مختلفة. إن تحالف “كواد” الرباعي الذي يضم اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة هو أبرز مثال على هذا حتى الآن، لكن تحالف “أوكوس” ربما يكون إشارة على أن هناك المزيد سيأتي في المستقبل. ربما تغضب هذه الاتفاقيات بعض الدول الأعضاء في هذا النظام على المدى القريب (غضب بريطانيا تجاه الولايات المتحدة فيما يخص أفغانستان، والغضب الفرنسي بشأن تحالف “أوكوس”)، لكن هذه التحالفات تظهر أن النظام الليبرالي أكثر قوة مما يوحي به الضجيج على السطح. هذه ليست حربًا باردة، لكن سلسلة من عمليات التأقلم المتغيرة باستمرار.

تعرف بكين فيما يبدو هذا الأمر، وربما يفسر ذلك سبب ردّها الضعيف على التحالف. لن تنشغل بكين كثيرًا بتفاصيل تحالف “أوكوس”، إذ إن هناك بالفعل الكثير من المعدات العسكرية الغربية في المنطقة. إن التحدي الحقيقي للصين هو السؤال التالي: لماذا لا تحظى شكواها بشأن هذا التحالف الجديد سوى بدعم عدد قليل للغاية من جيرانها؟ فسنغافورة، ذلك البلد الذي كان لعقود من الزمن يوازن بين الصين والولايات المتحدة في المنطقة، عبّر عن أمله في أن يساهم تحالف “أوكوس” في “إتمام الهيكل الإقليمي”، وكأنه يتحدث عن مدفأة جورجية وليس اتفاقا عسكريًّا فتاكًا. إن إخفاق الصين في العقدين الماضيين لا يتمثل في فشلها في إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، ولكن عجزها عن إقناع دول إقليمية بأن رحيل أمريكا سيكون فكرة جيدة.

إن نقطة ضعف تحالف “أوكوس” ربما لا تكون مسألة الأمن ولكن في مجال آخر: التجارة، ولا شك أن الصين هي أكبر شريك لجميع جيرانها، والتكتل التجاري الرئيسي الوحيد الذي ليست عضوة فيه هو “اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ”. توقع تقرير صادر من مؤسسة “مجموعة السياسة الخارجية البريطانية” هذا الأسبوع، أن خطوة الانضمام لـ “اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ” ستكون جزءًا من استراتيجية الصين لتحسين روايتها الإقليمية حول نفسها. وفي اليوم الذي أعقب الإعلان عن تحالف أوكوس”، أعلنت الصين تقدمها بطلب رسمي للانضمام لذلك الاتفاق.

هذه خطوة ذكية لكنها خطيرة أيضًا؛ فاتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، يطلب مجموعة من المعايير فيما يخص التجارة، والأهم من هذا، فيما يتعلق بالعمل، والذي هو بالتأكيد أضعف من قواعد الاتحاد الأوروبي، لكنه أكثر صرامة من تلك الموجودة في الصين نفسها. تمتلك الصين نفوذًا، وربما تكون قادرة على التفاوض بشروطها بحرية أكثر من الدول الأعضاء الأصغر. لكن دخولها في هذا الاتفاق ربما يتضمن نقاشات مع ما يبدو وكأنها ستكون العضوة الأحدث في هذا الاتفاق في عام 2022، والمقصود هنا المملكة المتحدة التي ستكون، بعد اليابان، ثاني أكبر اقتصاد في هذا التجمع. لو استطاعت المملكة المتحدة معرفة كيفية دفع الصين لتبنّي معايير أعلى فيما يخص حقوق العمل، والسعي في الوقت ذاته للمحافظة على تحالف “أوكوس”، فستكون هذه مساهمة حقيقية تعزز من فكرة “بريطانيا العالمية”.

لقد كان دونالد ترامب أول من سحب الولايات المتحدة من اتفاق “الشراكة عبر المحيط الهادئ”، النسخة السابقة للاتفاق الحالي. إن محاولة الصين دخول هذا الاتفاق، ربما تغري الأمريكيين بالعودة مجددًا للاتفاق؛ ما يعني أن المفارقة الأكبر الناتجة عن تحالف “أوكوس” هي أن أكبر اقتصادين في العالم أصبحا أكثر انقسامًا في مجال الأمن، ولكنهما باتا في الوقت ذاته أكثر ترابطًا عبر الاقتصاد.

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا