فورين بوليسي | هل تستطيع حكومة لبنان الجديدة إصلاح الفوضى؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

هذا الشهر، أصبح للبنان حكومة جديدة، بعد أكثر من عام على انفجار المرفأ القاتل الذي أودى بحياة 217 شخصًا وأصاب 7 آلاف. حسنًا، “جديدة” – كما هو الحال دائمًا في السياسة اللبنانية – قد تكون كلمة مطاطة. لكن على الأقل بعد عام من الركود، وجدت الدولة عشرات الأشخاص لتشكيل حكومة عاملة، من ضمنهم مقدم برنامج مسابقات، وملياردير، ومسئول سابق في المصرف المركزي.

يتولى منصب رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وهو ملياردير في مجال الاتصالات وواحد من أثرى رجال الأعمال في لبنان، والذي اتُهم بالفساد بعد الخدمة في منصب رئيس الوزراء مرتين من قبل. إن المحاولات المتكررة شائعة جدًا لرؤساء الوزراء اللبنانيين، حتى القائمين بالأعمال: أحد القادة المؤقتين في العام الماضي، وهو سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء المُغتال ورئيس وزراء سابق، كان واحدًا من شخصين حاولا وفشلا في تشكيل حكومة بعد الانفجار. 

لقد تأخر تشكيل الحكومة كثيرًا. جعلت فرنسا، الراعي الاستعماري للبنان، تشكيل حكومة عاملة شرطًا للحصول على أي دعم مالي، وهو موقف أعربت عنه الكثير من المؤسسات متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي. لكن القليل من الناس يتوهمون أن التشكيلة الأخيرة ستستطيع تحقيق إصلاحات حقيقية لبلد هوى في واحدة من أشد الأزمات المالية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث نزل أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

وفي ظل وجود طبقة حاكمة مكدسة برجال أعمال وساسة أغنياء، لا تزال الكثير من الوجوه المألوفة – الذين يُحمِّل الكثيرون فسادهم وإهمالهم مسئولية الوصول إلى الوضع الحالي – لا تزال تهيمن على المشهد السياسي في لبنان.

إذا كانت حكومة لبنان انهارت بعد انفجار بيروت، من كان يدير الدولة على مدار العام الماضي؟

إن انفجار ألفَي طن من نترات الأمونيوم المخزنة بشكل سييء فجّر الكثير من النوافذ والمباني، وحطّم حكومة رئيس الوزراء حينها حسان دياب. نزل آلاف اللبنانيين الغاضبين إلى الشوارع للاحتجاج على سوء الإدارة الشديد للمسألة برمتها. جاء هذا بعد عقود من القيادة الأنانية التي تسللت إلى كل جزء من الحياة في لبنان، وتشمل خفض قيمة العملة بشدة، ورفع أسعار الغذاء، والانقطاع اليومي للكهرباء. خسرت العملة اللبنانية، الليرة، أكثر من 90% من قيمتها في عامين. حتى ديسمبر 2020، ارتفعت أسعار الغذاء إلى 400% مقارنة بالعام السابق، وارتفعت أسعار الملابس 560%، وارتفعت أسعار الأثاث، والأجهزة المنزلية، والصيانة 655%.

لكن دياب استمر كرئيس وزراء لحكومة تصريف الأعمال بسلطة شبه منعدمة، حيث تخلى رئيسا وزراء مكلفان – وهما مصطفى أديب ثم الحريري – عن منصبهما بعد الفشل في تشكيل حكومة جديدة، تاركين الفصائل السياسية تمضي العام في الاختلاف على التشكيل الجديد. إن نظام تقاسم السلطة في لبنان مبنى على أسس طائفية؛ رئيس مسيحي، ورئيس وزراء مسلم سُني، ورئيس برلمان مسلم شيعي. ذلك الإصرار على القسمة الطائفية لما بعد الحرب الأهلية يعني أن الكثير من الوجوه المألوفة – حتى وإن كانت غير فعالة – تستمر في الظهور في نفس المناصب.

من هم الجدد والجديرون بالملاحظة؟

لن يحصل لبنان على علامات عالية لإدراجه نساء في الحكومة. عُيّنت نجلاء رياشي وزيرة للتنمية الإدارية، وهي المرأة الوحيدة في حكومة من 24 عضوًا – وهو تراجع حاد في العدد من رقم 6 القياسي في حكومة دياب المكونة من 20 عضوًا.

ومن ضمن الـ23 الآخرين، يبرز يوسف الخليل، وزير المالية الحالي. وبصفته مسئولًا سابقًا في مصرف لبنان المركزي لأربعة عقود تقريبًا، أدار خليل قسم العمليات المالية في مصرف لبنان المركزي ونسّق البرنامج الذي حاول جلب المزيد من الدولارات الأمريكية إلى البلاد عن طريق عرض أسعار فائدة جذابة على الودائع الكبيرة. نفس ذلك البرنامج زاد من حدة أزمة لبنان المصرفية، وخفض الودائع في البنوك التجارية، وترك المدنيين بحسابات بنكية فارغة، عاجزين عن سحب نقودهم.

لكن من سيربح المليون؟ هذا السؤال محجوز لجورج قرداحي، وزير الإعلام اللبناني الجديد، الذي يصادف أنه المقدم السابق للنسخة العربية من برنامج من سيربح المليون؟ في الوقت نفسه، فراس أبيض، الذي ترأس جهود الرعاية الصحية في لبنان منذ بداية جائحة كوفيد-19، هو وزير الصحة اللبناني الجديد. يُعد أبيض، ذو الوجه الجديد والودود، واحدًا من الشخصيات القليلة التي يحترمها الشعب اللبناني.

لماذا يهم وجود حكومة جديدة؟

كبداية، جعل المأزق السياسي من شبه المستحيل تدفق المساعدات الخارجية. ودون حكومة عاملة، لن يحصل لبنان على أي تخفيف لعبء الديون الذي يبلغ 90 مليار دولار؛ الحكومة الجديدة على الأقل تمنح الدولة فرصة لإعادة تنظيم صفوفها.

من ضمن خطواته الأولى كوزير للمالية، وافق خليل على الاستعانة بشركة كائنة في نيويورك يوم 17 سبتمبر لإعادة بدء تدقيق جنائي للمصرف المركزي. إن الحكومة التي تستطيع معالجة الفساد هي شرط مسبق أساسي للإنقاذ المالي من صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الدولية. كان التدقيق المبدئي قد فشل بعد شهور من الخلافات الداخلية ومحاولات للتستر، ما أدى إلى طريق مسدود في العملية.

ثم هناك حزب الله، الذي تَعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية، لكنه قوة سياسية في لبنان، ويدعم وزيرين في حكومة ميقاتي. أنقذ حزب الله الموقف مؤخرًا في أزمة نقص وقود الديزل في البلاد، بطرق لم تفعلها الحكومة. جلبت الجماعة أكثر من مليون جالون من الوقود الإيراني إلى لبنان من سوريا يوم 16 سبتمبر، قبل يوم واحد من حصول الحكومة على شحنتها من العراق. على الرغم من أن الخطوة خالفت العقوبات الأمريكية المفروضة على أي شخص يقوم بأعمال مع الحكومة السورية، إلا أنها كانت إغاثة بسيطة للسكان المدنيين اليائسين، الذين يستمرون في تحمل انقطاع الكهرباء وساعات الانتظار في طوابير أمام محطات البنزين.

هل ستغير الحكومة الجديدة أي شيء؟

هذا مستبعد. من المرجح أن تطبق الحكومة الجديدة لمسات تجميلية على هذه المشكلات المترسخة، فقط بما يكفي لتأمين الأصوات لصالح الأحزاب الطائفية التقليدية في لبنان. المشكلة الأكبر هي أن الدولة مفلسة، وليست محطمة فقط. إن إيجاد طريقة لتصحيح العجز المالي، وتدعيم العملة، والتعامل مع عبء الديون، واستعادة مظهر من مظاهر السلامة للحياة اليومية هي الأولوية رقم 1 – أو ينبغي أن تكون – للحكومة الجديدة. لكن هناك قدر كبير من الشك فيما يعتبرها معظم المحللين دولة فاسدة.

خلال حوار مع سي إن إن يوم 17 سبتمبر، قال ميقاتي إن هذه “فترة انتقالية باتجاه التغيير” وإنه يأمل في قيادة حكومة “تأخذ الدولة باتجاه الانتخابات وتسمح للناس باختيار من يريدونه لاحقًا”. من المقرر إجراء الانتخابات العامة اللبنانية القادمة في مايو القادم، إذا لم تُؤجل.

في نهاية المطاف، يعيش اللبنانيون في الظلام معظم الوقت، بدون بنزين، ويكافحون لشراء الخبز اليومي. إنهم متروكون بسؤال واحد، والذي – مثل الحكومة الجديدة – مألوفًا لهم: كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص الذين تسببوا في هلاك الدولة أن يصبحوا نفس الأشخاص الذين يصلحونها؟

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا