منتدى شرق آسيا| كيف ستتأثر الصين بسقوط أفغانستان في أيدي طالبان؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

إن الفراغ السياسي الذي أعقب خروج الولايات المتحدة من أفغانستان وسيطرة طالبان السريعة على البلد، ربما يشجعان جماعات جهادية مسلحة، ويوفّران ملاذًا لتصاعد الإرهاب، ويعززان وضع هذا البلد بوصفه وجهة جذابة للمقاتلين الأجانب، كما أن تحول مركز الجاذبية من الشرق الأوسط إلى أفغانستان، ربما يخلق حالة عدم استقرار أكبر في المنطقة، ما سيزيد من شواغل الصين العابرة للحدود. وبالرغم من أن الصين زادت فيما يبدو من تعاونها مع نظام طالبان، إلا أنها مترددة في لعب دور مهم في دعم استقرار البلاد.

وكما أشارت التصريحات الأخيرة للرئيس الصيني “تشي جي بينغ” والتي يحث فيها أفغانستان على اقتلاع الإرهاب، وتعهّده بتقديم مزيد من المساعدات للبلاد، فإنه لا يمكن لبكين تحمّل خطر انتقال حالة عدم الاستقرار إلى إقليم “شينغ يانغ”.

ولا شك أن لاجئي الإيغور المتواجدين الآن في أفغانستان معرضون للتطرف والإرهاب، فالارتباط الوثيق بين مصالح الصين الأمنية والاقتصادية، يزيد من مستوى المخاطر بالنسبة لبكين، ولا ننسى أن الشواغل القديمة بشأن تحول أفغانستان إلى معقل خارجي لقوى انفصالية مناهضة للصين، دفعها لتعزيز تعاونها في مجالي الأمن ومكافحة الإرهاب مع نظرائها في أفغانستان. يمكن أن تنتقل الأسلحة والموارد التي سيطرت عليها طالبان مؤخرًا إلى أيدي جماعات إرهابية أخرى، ما يفاقم من عدم الاستقرار الإقليمي.

من المرجح أن تواصل بكين تعزيز الأمن على طول الحدود المشتركة بين إقليم “شينغ يانغ” الصيني مع أفغانستان، ورفع مستوى التعاون مع وكلائها في جنوب ووسط آسيا. ستفعل الصين هذا بصورة أساسية عبر منظمة “شنغهاي للتعاون” التي تحظى فيها أفغانستان بصفة مراقب.

إن استقرار أفغانستان مهم، حيث إن الوصول إلى طرق البلاد وسككها الحديدية سيكون حاسمًا في تحقيق خطط الصين لبناء مشروع “الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان”. وصفت جماعات متمردة بلوشية وسندية استثمارات الصين في هذا المشروع بأنها سياسة إمبريالية واستعمارية حديثة، بهدف حشد التعاطف والدعم لقضيتها وتبرير الهجمات التي تشنها. إن توقف صفقة منجم نحاس “ميس آيناك” منذ فترة طويلة، يعكس الارتباط المعقد بين مصالح بكين الاقتصادية والأمنية في أفغانستان.

تتبع بكين نهجًا حذرًا وواقعيًّا تجاه وعود طالبان بإعادة الاستقرار حتى تتجنب أخطاء الولايات المتحدة وشركائها في حلف الناتو. صرّح مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني “وانغ يي” أن بكين “ستدفع من أجل المصالحة وإعادة الإعمار في أفغانستان باحترام وبطلب من الشعب الأفغاني”، كما أشار “وانغ” أيضا إلى طالبان بوصفها “قوة عسكرية وسياسية مهمة في أفغانستان” لكنه أحجم عن الاعتراف بطالبان بوصفها حكومة أمر واقع في البلاد.

بكين لا تلعب دورًا مباشرًا في جهود إعادة الأعمار في مرحلة ما بعد الحرب في أفغانستان لأسباب عديدة. وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة لا تلعب دور القوة الداعمة للاستقرار في أفغانستان، باتت قيادة طالبان تفتقر إلى دعم وثقة المجتمع الدولي. وبينما وصفت وسائل الإعلام الصينية “حرب أمريكا الطويلة” في أفغانستان بوصفها إخفاقًا، إلا أن قدرة طالبان على البقاء في السلطة هي محل شك. إن فرض طالبان الوحشي لقيود اجتماعية على النساء في التسعينيات، ألقى أيضًا بظلال من الشك على استعداد طالبان وقدرتها على احتضان الجميع تحت حكمها. هناك أيضًا احتمال أن تستقطب طالبان جماعات جهادية أخرى في البلاد، وتسهل حدوث فوضى أكبر في البلاد.

إن الدعم الضمني الذي قدمته بكين إلى نظام طالبان له هدفان: ترغب بكين في تنازلات من طالبان بسبب شواغلها الأمنية في إقليم “شينغ يانغ”، كما أن التعاون مع طالبان يوفر أيضًا فرصة استراتيجية للصين لإثبات تفوق نظامها وحكمها السياسيين، وإظهار نموذج لبناء السلام يحقق الاستقرار عبر التنمية الاقتصادية. إن نهج بكين المفضل يتمثل في اتباع نهج “ننتظر ونرى” الذي يرتكز على حسابات المخاطر والفرص الكامنة في التطورات الجيوسياسية والمحلية على الأرض في أفغانستان.

وتظل قدرة الصين على الاستثمار في قوات عسكرية وأمنية خاصة مقيدًا بسبب التزامها بمبدأ عدم التدخل، وهناك عناصر أخرى من بينها الشواغل الدبلوماسية، وغياب القدرة والشكوك بشأن فاعلية الحلول العسكرية. تتضاعف هذه الشواغل بفضل جهل الصين بالطبيعة الجغرافية لأفغانستان، واحتمال أن يشعل الوجود العسكري والأمني الصيني في هذا البلد شكاوى محلية.

لقد طغت عمليات مكافحة الإرهاب ذات الطابع العسكري على النهج القديم والتقليدي لـ “الحرب على الإرهاب”، والتي شكلت بداية للغزو الأمريكي لأفغانستان وعقدين من عمليات مكافحة الإرهاب في البلاد. إن هذا التركيز على تحقيق مكاسب قصيرة الأجل، عوضًا عن مكاسب طويلة الأمد متوائمة مع الحقائق السياسية على الأرض، ميّز إلى حد كبير فشل النهج الأمريكي ضد الإرهاب. وبوصفها قوة صاعدة ذات حضور متزايد حول العالم، يجب على الصين الآن تجنب أخطاء الولايات المتحدة، والسعي لأن تأخذ زمام الأمور بأيديها. ينبغي أن ترتكز جهود مكافحة الإرهاب على فهم الأسباب التاريخية والهيكلية التي تعطي دافعًا للإرهاب.

تواجه بكين أيضًا أزمة مصداقية في عموم آسيا وإفريقيا. يقارن بعض المسلمين نوايا الصين تجاههم بمعاملة الصين لمواطنيها، ويشمل هذا معاملة أقليات عرقية ودينية في المناطق الحدودية، وربما تحتاج الصين لإيلاء مزيد من الاهتمام لتصورات المجتمعات المحلية، وربما تحتاج بكين أيضًا لإظهار التزامها باحترام وحماية حقوق شرائح أوسع من السكان المسلمين، والمحافظة في الوقت ذاته على مصالحها من هجمات جهادية مسلحة.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا