ناشيونال إنترست | كيف ظهرت الصواريخ الصينية والطائرات الإيرانية في الحرب الأهلية الإثيوبية؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس  

منذ نوفمبر 2020، اندلعت حرب أهلية معقدة ومأساوية في منطقة تيغراي في إثيوبيا، حيث تم تأليب التيغراي، بقيادة النخبة الحاكمة السابقة في إثيوبيا، ضد الحكومة الفيدرالية الإثيوبية والجيش الإريتري، الذي تدخَّل لدعم أديس أبابا، وأدى القتال إلى مقتل آلاف المقاتلين والمدنيين، وتشريد أكثر من 1.7 مليون شخص

وسط تقارير عن الفظائع والضربات الجوية العشوائية والانتشار الإقليمي والانعكاسات الدراماتيكية في ساحة المعركة، تميَّز الصراع المتصاعد في أيامه الأولى بهجمات بعيدة المدى بواسطة أنظمة صاروخية ومدفعية متطورة مستوردة من الصين. علاوة على ذلك، كانت هناك مزاعم مستمرة باستخدام طائرات من دون طيار مسلحة لم يتم التحقق منها حتى هذا الصيف.

في حين أن مثل هذه الأسلحة قد تكون في طليعة سباق التسلح بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، يوضح صراع تيغراي كيف تشق المتغيرات ذات الأسعار المعقولة من هذه الأسلحة طريقها إلى صراعات تشمل جهات فاعلة أقل ثراءً أيضًا.

جائزة السلام التي أدت إلى الحرب

إثيوبيا هي جمهورية اتحادية متعددة الجنسيات، حيث تمثل قوميات أورومو وأمهرة أكثر من نصف السكان. ولكن بين عامي 1991 و2018، تولى حكم البلاد بطريقة استبدادية عرقية تيغراي، الذين يشكّلون حوالي 6% من السكان، ممثلين في حزب جبهة تحرير شعب تيغراي. كما أثار العديد من هؤلاء التيغرايين الكثير من الضغائن العميقة ضد إريتريا، ما أدى إلى انفصالها عن إثيوبيا في عام 1991.

في عام 2018، هزم تحالف متعدد الأعراق أخيرًا الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ووصل رئيس الوزراء “آبي أحمد” إلى السلطة، وشرع في إنهاء الأعمال العدائية مع إريتريا؛ ما تسبب في نيله جائزة نوبل للسلام.

هذا التطور الواعد، لسوء الحظ، بشَّر بالحرب القادمة، حيث أثار غضب جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي التي سعى آبي إلى قمعها بشكل متزايد. فعندما ألغى آبي الانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2020 بسبب تهديد فيروس كورونا، أجرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تصويتًا إقليميًّا على أي حال. وعندما سعى آبي لتأكيد سيطرته على المنطقة المتحدية، هاجم التيغراي في 3 نوفمبر قواعد للجيش الإثيوبي، واستولوا على العديد من أنظمة الأسلحة الثقيلة.

وردًّا على ذلك، نشر آبي الجيش لسحق التمرد، بمساعدة القصف الجوي وميليشيات الأمهرة وحتى الجيش الإريتري، كما استولت القوات الإثيوبية على عاصمة إقليم تيغراي “ميكيلي” بنهاية نوفمبر. ولكن في الأشهر التالية، أدت الفظائع المتزايدة (والتي شملت مذابح وتطهيرًا عِرقيًّا وعمليات اغتصاب جماعي ممنهجة) لا سيما من قبل المليشيات الأمهرية والقوات الإريترية والغارات الجوية العشوائية، إلى زيادة التجنيد والانشقاق عن متمردي تيغراي.

أخيرًا، وفي انعكاس مذهل، في يونيو 2021، شنّت قوات دفاع تيغراي هجومًا مضادًا، واستعادت مدينة ميكيلي العاصمة وأجبرت القوات الفيدرالية على الانسحاب من تيغراي. وتحتدم اليوم حرب على جبهتين، حيث لا تزال قوات الدفاع التكتيكية تقاتل القوات الإريترية في الشمال، بينما تتقدم قواتها جنوبًا على الطريق السريع (بي 30) باتجاه مدينة جوندر في منطقة أمهرة.

صواريخ المتمردين على إريتريا وأمهرة

معظم الأسلحة الثقيلة التابعة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية هي من أصل سوفييتي، سواء كانت روسية أو أوكرانية، بما في ذلك دبابات (تي 72) ومقاتلات (سو 27) و (ميج 23). لكن إثيوبيا حصلت على مشتريات حديثة من الصين، بما في ذلك نوعان من أنظمة راجمة الصواريخ المتعددة الثقيلة 300 ملم: (كالت إيه 200) و(نورينكو إيه أر2)، وصُممت كلتا المنظومتين على غرار نظام (بي إم- 300 سميرش) الروسي، وتم تركيبهما على (8×8) بواسطة شاحنات مدعومة برافعة إعادة تحميل إضافية.

وتستطيع أنظمة راجمة الصواريخ المتعددة الثقيلة وضع قنابل شديدة الخطورة تنتشر على نطاق واسع في فترة زمنية قصيرة. وعلاوة على ذلك، يمكن للصواريخ الأكبر أن تضرب أهدافًا أعمق خلف خطوط المواجهة. ويبلغ مدى راجمة الصواريخ (إيه 200) التي تحمل عشرة صواريخ، خمسة وسبعين ميلًا، بينما يبلغ مدى راجمة الصواريخ (أيه آر 2) التي تحمل اثني عشر صاروخًا (وهي نموذج تصدير للنظام العسكري الصيني من النوع 03)، واحدًا وثمانين ميلاً. ويمكن للصواريخ أن تحمل رؤوسًا حربية شديدة الانفجار أو متفجرات ذات وقود ينفجر بملامسة الهواء، أو قنابل عنقودية، كما أنها تأتي في أشكال ضربات دقيقة موجهة بواسطة نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية (بيدو).

وفي بداية الأعمال العدائية في نوفمبر، استولت قوات تيغراي على ما لا يقل عن راجمتي صواريخ من نوع (إم 20- إيه 200) وراجمة من نوع (إيه آر2- إم آر إل)، بالإضافة إلى العديد من عربات التحميل. ويبدو أن إحدى طائرات (إم 20- إيه 200) تركت بعد أن علقت على أرض صخرية، ولكن قوة الدفاع الوطني الإثيوبية استعادتها مرة أخرى في أواخر عام 2020، وجرى تدميرها في النهاية، ويُزعم أيضًا أنه جرى الاستيلاء على (إم 20- إيه 200) في يوليو 2021.

وفي 13 نوفمبر 2020، شن التيغراي غارات باستخدام منظومة (إم 20) على القواعد الجوية في جوندر وعاصمة مقاطعة أمهرة (بحر دار) إلى الجنوب، على بعد 180 ميلًا من “ميكيلي”. وفي الضربة الأولى، دمر صاروخ صالة الوصول في جوندر، بينما أخطأ صاروخ آخر المطار في بحر دار. وفي نوفمبر شن التيغراي هجومَين آخرين، وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن أحد الصواريخ أدى إلى إحداث حفرة في ساحة أسمنتية في مطار بحر دار.

وردًّا على التدخل الإريتري في الحرب، قصفت قوات الدفاع التغراية أيضًا العاصمة الإريترية أسمرة، ومدينة مصوع ثلاث مرات في شهر نوفمبر، بأربعة وستة صواريخ، أطلقت في 27 و28 نوفمبر على التوالي. وتشير روايات مختلفة إلى أن الأسلحة سقطت على مطار أسمرة الدولي والمنشآت العسكرية والضواحي المحيطة، ولكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات. وبالنظر إلى المسافة الأقصر– حوالي خمسين وخمسة وسبعين ميلًا على التوالي عبر الحدود – فربما تكون هذه الصواريخ من نوع (إم أر إل إس) وليست صواريخ باليستية.

قوة الطائرات بدون طيار في إثيوبيا

وفي المقابل، استخدمت أديس أبابا الكثير من طائرات الهليكوبتر من طراز (مي- 35) وحوالي ثلاثين مقاتلة من طراز (ميج 23) و(سو 27) في شن ضربات جوية في الحرب. ورد أن العديد من الهجمات الجوية تسببت في خسائر فادحة في صفوف المدنيين، وكان أكثرها سوءًا تلك التي شُنَّت في 23 يونيو عندما قتلت غارة في يوم السوق في توغوغا 64 مدنيًّا وجرحت 184 آخرين.

لكن القوات التيغراية استولت على بعض الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي. وشملت الخسائر المؤكدة التي تسببت فيها صواريخ إيغلا أرض–جو المحمولة على الكتف، طائرة (ميج 23) بالإضافة إلى الطيار الذي جرى أسره، وطائرة شحن من طراز (إل– 100-30)، وطائرة هليكوبتر من طراز (مي 35)، بالإضافة إلى ذلك، جرى إطلاق ما لا يقل عن أربعة صواريخ (في– 600) من ثلاثة منظومات من نوع (إس 125) تم الاستيلاء عليها، ولكنها أخطأت أهدافها.

لذلك، يبدو أن الطائرات بدون طيار تقدم شكلًا أقل تكلفة وأقل خطورة من القوة الجوية. في الواقع، تفيد تقارير بأن قوات الدفاع الوطني الإثيوبية كانت تستخدم طائرات بدون طيار مسلحة تعود إلى وقت مبكر من الصراع، حيث زعمت قيادة قوات التيغراي أن الطائرات بدون طيار الصينية تقوم بمهام جوية نيابة عن الحكومة الإثيوبية، وذلك دون أي تأكيد.

فيما أكد جنرال في سلاح الجو الإثيوبي أن القوات المسلحة تستخدم طائرات بدون طيار، لكن ليس طائرات مسيرة مسلحة. فعلى سبيل المثال، تم تجهيز الشرطة الفيدرالية الإثيوبية بطائرات صينية بدون طيار، ومن المعروف أيضًا أن القوات المسلحة حصلت على طائرات استطلاع الإسرائيلية من طراز (إيروستار) التكتيكية و(واندر بي).

ونظرًا لعلاقة إثيوبيا مع الصين والقدرة على تحمل تكاليف الطائرات القتالية الصينية بدون طيار، كان يُفترض أن تكون الصين مصدر هذه الأسلحة، حيث زعمت بعض مصادر الطرف الثالث أن سلاح الجو الإثيوبي لديه عدد كبير من طائرات بدون طيار المسلحة من طراز راينبو (سي إيه إس سي – سي إتش- 4 بي) أو (وينج لوونج 2) (بيتروداكتيل). ولكن لا يوجد دليل مؤكد أيضًا.

أخيرًا، وفي 3 أغسطس، أظهرت سلسلة من الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للحكومة، رئيس الوزراء “آبي” وهو يمشي على مدرج مطار سيمارا ووراءه تظهر طائرة مقاتلة كبيرة بدون طيار من نوع (مركبة قتال جوي بدون طيار) بها مراكز تعليق تحت أجنحتها يبدو أنها تحمل صواريخ. وكشفت صور الأقمار الصناعية في 2 أغسطس وجود طائرتين بدون طيار في القاعدة.

من جهته، حدد موقع التحقيق المفتوح المصدر (بيلنجكات) Bellingcat أن الملف الشخصي للطائرة بدون طيار يُظهر أنها طائرة إيرانية من طراز (مهاجر 6). والأكثر إيحاءً هو أن الصور التي تُظهر الجزء الخارجي والداخلي لمحطة التحكم الأرضية للطائرات بدون طيار وتغذية الفيديو تتطابق بشكل وثيق مع الصور الإيرانية لنظام التحكم في الطائرة (مهاجر 6).

والطائرة بدون طيار (مهاجر 6) هي أحدث نسخة من عائلة الطائرات بدون طيار التي استخدمتها إيران لأول مرة في منتصف الثمانينيات، ويمكنها القيام بمهام المراقبة باستخدام مستشعر كهربائي بصري، كما يمكنها أيضًا تنفيذ ضربات باستخدام قنابل انزلاقية دقيقة من طراز (قائم 1). ومع ذلك، ستكون فائدة (مهاجر 6) مقيدة بنطاقها المبلغ عنه والبالغ 124 ميلًا؛ ما يحدّ من وصولها فوق عاصمة التيغراي (ميكيلي)، على سبيل المثال، والتي تبعد عن مطار سيمارا بنحو 155 ميلًا.

ومع ذلك، فإن حرب تيغراي المستمرة توضح كيف أن الطائرات المقاتلة بدون طيار والصواريخ بعيدة المدى تسقط في أيدي المزيد من الجهات الفاعلة في جميع أنحاء العالم، وتشهد المزيد من الاستخدام المتكرر في النزاعات، كما أن الطائرات بدون طيار ترقى إلى شكل من أشكال القوة الجوية لا يمكن إنكاره، وأنها تقلل المخاطر، كما أنها أكثر فاعلية من حيث التكلفة، بينما توفر المدفعية الصاروخية والغارات الصاروخية وسيلة بديلة لمهاجمة الأهداف العسكرية والمدنية بعيدًا عن الخطوط الأمامية.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا