مودرن دبلوماسي| صعوبات وتحديات تواجه الانتقال الديمقراطي في السودان

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

شهد السودان العديد من الصراعات في العقود الستة الماضية منذ نيله الاستقلال. بالرغم من كونه حالة شاذه في منطقة يعصف بها الاستبداد الشعبوي والعنف المتصاعد، إلا أن هذا البلد لم يشهد استقرارًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا كبيرًا منذ سنوات. وبينما نجح التحالف العسكري – المدني الحاكم، الذي يقود البلاد نحو انتقال ديمقراطي يُفضي إلى انتخابات، في تقليل خطر السقوط نحو حرب أهلية، إلا أن حالة العداء المتزايدة في الأطراف بدأت تهدد الإصلاحات الخجولة التي أُنجزت في العامين الماضيين.

إن محاولة الانقلاب الأخيرة هي مثال مناسب على الخطط التي تختمر داخل مستويات الجيش السوداني لجرّ البلاد مجددًا نحو الخلف. وبينما جرى إحباط محاولة الانقلاب، إلا أن هذا ليس نجاحًا يستحق التفاخر به، لكنه تحذير من أن الانتقال الديمقراطي لن يكون مهمة سهله كما كان البعض يأمل.

إن مشاكل السودان اليوم هي انعكاس لمشاكله في الماضي: خاصة تلك التي أدت للثورة. بدأت الاضطرابات المدنية في السودان في ديسمبر 2018. حوّل “عمر البشير”، الذي حكم البلاد لزمن طويل، السودان إلى دولة منبوذة دوليًّا خلال حكمه الذي دام 30 عامًا والذي تميز بالطغيان والعزلة الاقتصادية. بطبيعة الحال، تدهور وضع السودان كثيرًا بسبب عزلته الاقتصادية، لا سيما بعد استقلال جنوب السودان. ومع خسارته لعوائد النفط و95 بالمائة تقريبًا من صادراته، اقترب السودان أكثر من حافة الانهيار. وردًّا على هذا الوضع، لجأ نظام السودان لفرض إجراءات تقشفية صارمة عوضًا عن إصلاح الاقتصاد وجذب الاستثمار. إن تخفيض الدعم المحلي على الوقود والمواد الغذائية، تسبب في ارتفاع كبير في الاسعار، ما أفضى في النهاية لاندلاع احتجاجات في شرق البلاد، والتي امتدت كالنار في الهشيم إلى العاصمة الخرطوم.

في إبريل 2019، بعد أشهر من احتجاجات متواصلة، أطاح الجيش بحكومة “البشير”، وأسس مجلسًا من جنرالات الجيش، عُرف أيضًا باسم “المجلس العسكري الانتقالي”، كما أسّس اتفاق اقتسام السلطة بين القوى المدنية والعسكرية حكومة مؤقته تدوم لـ 39 شهرًا، وبعد ذلك، رشّحت الحركة المناصرة للديمقراطية السيد “عبد الله حمدوك” رئيسًا للوزراء: تكون مسئولية حكومته الترتيب للانتخابات العامة في نهاية المرحلة الانتقالية. أفضى هذا الاتفاق لدمج الصلاحيات العسكرية والمدنية بهدف تطهير المجتمع من أي فصائل متمردة، وإقامة اقتصاد مستقر للحكومة التالية. لكن الطموحات تجاهلت الحقائق على الأرض.

إن السودان اليوم في العام الثالث من اتفاق الانتقال الديمقراطي الذي وُصف بالانتصار. مع هذا، فإن النظام اليوم في أضعف حالاته وباتت التحديات التي تواجهه أقوى من أي وقت مضى. فبالرغم من تحقق حالة من الهدوء بفضل اتفاقيات سلام مع المتمردين في السودان، إلا أن انتشار الأسلحة والمدافع لم يتوقف. في الواقع، تصاعدت الهجمات في العامين الماضيين بعد توقف قصير بفضل اتفاقيات السلام. إن هذا الصراع ناجم عن تقاسم الموارد بين شرائح مجتمعية مختلفة حول دارفور وكوردوفان والنيل الازرق. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن العنف المتصاعد أدّى لتشريد أكثر من 410 آلاف شخص في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء عام 2021. إن معدل التشرّد لهذا العام هو أكبر بست مرات من معدلات التشرّد المسجلة في العام الماضي، وبحسب مهمة حفظ السلام الأممية المنسحبة، فقد فشلت السلطات فشلًا ذريعًا في تقليل انتشار أعمال العنف واللصوصية: والتي تجلّت جزئيًّا عبر محاولة الانقلاب التي استطاعت اختراق النظام الذي أنشأته الحكومة.

إن حالة عدم الاستقرار الإقليمية هي نصف القصة فقط. منذ الإطاحة بنظام عمر البشير، نادرًا ما شهد السودان استقرارًا، ناهيك عن تحقيقه مكاسب إضافية تستحق الاحتفاء بها. بالرغم من تطبيع العلاقات مع إسرائيل والانضمام لبرنامج صندوق النقد الدولي، لم تتراجع حدّة الأزمة في البلاد. إذ لم يتراجع الارتفاع الحاد في الأسعار أو تفشي البطالة مطلقًا، وهي العوامل ذاتها التي أشعلت الانقلاب على البشير عام 2019، بل إنها تفاقمت أكثر. في الوقت الراهن، وصلت نسبة التضخم إلى ما فوق ال 400 بالمائة، بينما انخفضت قيمة الجنيه السوداني انخفاضًا هائلًا بسبب شروط صندوق النقد الدولي. وبالرغم من تحقيقه بعض النجاح في مفاوضات تخفيف أعباء ديون السودان الدولية، إلا أن نظام “حمدوك” واجه صعوبة في جذب استثمارات دولية وخلق وظائف: ويعود هذا بشكل رئيسي إلى الصراعات المزمنة التي لا يزال يدور رحاها داخل نسيج المجتمع السوداني.

بالرغم من فشل محاولة الانقلاب، إلا أن هذا حتى الآن ليس سببًا لكي تتنفس هذه الحكومة الهشة الصعداء. إن التحليل المعمق لمحاولة الانقلاب، يكشف حقيقة صادمة: الفصائل العسكرية – أو بعضها على الأقل – لم تعد مقتنعة أنها على قدم المساواة مع النظام المدني. علاوة على هذا، فإن منفذي الانقلاب حاولوا الاستفادة من اتساع رقعة الاضطرابات في البلاد عبر غلق الطرق ومحاولة تخريب وسائل الإعلام الحكومية، أملًا منهم في كسب دعم شعبي. إن الشعب يشعر بحالة إحباط بسبب الأزمة الاقتصادية، لكن فشل محاولة الانقلاب يعني أن الناس لم ييأسوا بعد من فكرة إقامة حكومة ديمقراطية وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. لكن هذه لن تكون المرة الأولى التي يحاول فيها الجيش التمرد، وبالتأكيد لن تكون المرة الأخيرة.

إن السبيل الوحيد لإنقاذ الديمقراطية هو تثبيت استقرار الاقتصاد السوداني وحل العنف بين المجتمعات قبل قيادة البلاد نحو الانتخابات. فيما عدا ذلك، يبدو أن نظام عمر البشير السياسي متجذر بعمق داخل شبكة الحكم في السودان، لدرجة أنه حتى لو تمكنت الحكومة الانتقالية من النجاة من عدة انقلابات، فإن أي حكومة تتشكل في نهاية المطاف سيكون مصيرها الهلاك.   

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا