ناشيونال نيوز: هل تقوض أزمة الطاقة في أوروبا استقلاليتها الاستراتيجية؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

جرونينجن مدينة هولندية هادئة ومزدهرة، وهي نموذج لقصة النجاح الأوروبية، ومع ذلك فهي تعيش على وقع الهزات الأرضية.

فقد أجبرت تلك الزلازل القوية – على سبيل المثال حدث زلزال العام الماضي، بلغت قوته 3.4 بمقياس ريختر– الحكومة على الإغلاق المبكر لحقل الغاز الطبيعي الكبير الذي يرقد أسفل المدينة. ففي الوقت الذي تجتاح فيه أزمة الطاقة أوروبا هذا الخريف، أصبحت مدينة جرونينجن الآن هي المفصل الذي يواجه الاتحاد الأوروبي وصناعة الطاقة فيه التحدي المتزايد.

تلوح عمليات الإغلاق في أنحاء أوروبا هذا الشتاء، حيث ارتفع سعر الغاز الطبيعي إلى ما يعادل دفع 250 دولارًا لبرميل النفط، ولا يعني ذلك عدم وجود ما يكفي من الغاز في العالم، كما أن علاقات التوريد مع المنتجين الرئيسيين ليست على ما يرام.

وتلعب مجموعة من العوامل دورًا في هذه العملية، فالدول الآسيوية تشتري إمداداتها مبكرًا، وهناك قيود من بعض الدول المنتجة، فيما تتغير السياسات داخل أوروبا، حيث يحاول الاتحاد الأوروبي معالجة أجندة المناخ. وإذا كان هناك استياء في فصل الشتاء، فسيكون بمثابة لائحة اتهام للأجندة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي. وفي هذه الأثناء، تورطت المملكة المتحدة بنفس القدر في نقص الغاز، بل ويمكن أن تكون الأكثر تضررًا، خاصة بعد خروجها من الاتحاد.

لقد كان الاندفاع إلى الطاقة المتجددة ناجحًا للغاية في أوروبا، فقد انخفضت تكاليف التحول إلى طاقة الرياح على وجه الخصوص وتجاوزت مستويات الكفاءة في الصناعة جميع التوقعات. وانتشرت الأخبار في جميع أنحاء القارة حول عمليات تشغيل قياسية للطاقة المولدة دون مساهمة من محطات تعمل بالفحم. فالمملكة المتحدة، التي أطلقت الثورة الصناعية من قلب مناجم الفحم، أمضت ما يقرب من 68 يومًا دون استخدام الوقود الكربوني.

ولكن في سبتمبر الماضي، توقف كل هذا فجأةً، إذ حلَّ الركود، ولم تهب الرياح، ومع أن الطقس بدا لطيفًا، إلا أن الجميع يشعرون فجأة بالقلق إزاء عملية التدفئة في الشتاء.

كما أن روسيا لعبت دورًا كبيرًا في هذه التوترات، حيث إنها قدمت عطاءات صغيرة فقط لسعة النقل على خطوط الأنابيب للغاز الطبيعي الذي يمر عبر بولندا وأوكرانيا. كما أن موسكو تتطلع أيضًا إلى الحصول على جائزة أكبر من الإمدادات التي تتدفق عبر خط أنابيب (نورد ستريم) الجديد مباشرة إلى دول أوروبا الغربية. لذا فقد منع الضغط الدول من تجديد مرافق التخزين المستنفدة.

وأدت المعارضة المحلية للإنتاج في مناطق مثل جرونينجن، أكبر حقل بري في أوروبا، إلى حرمان صانعي السياسة من تخطي الحواجز التي تقع تحت سيطرتهم، والآن يتدافع القادة الهولنديون لمعرفة ما إذا كان يمكنهم تسريع إنتاج الحقل مرة أخرى.

وهناك دول أخرى تواجه قضايا مماثلة، فقد تخلت المملكة المتحدة عن أسلوب التكسير الهيدروليكي على الطريقة الأمريكية في السنوات الأخيرة. وحتى الآن، ليست هناك أي مؤشرات على عكس القرار، رغم أن حكومة “بوريس جونسون” بدت حريصة على القيام بذلك عندما وصلت إلى السلطة عام 2019.

كذلك أصبح الوضع ما بعد جائحة كورونا لا يساعد، فجزء كبير من إنتاج الغاز في المملكة المتحدة معطل حاليًا، حيث بدأ الآن فقط تنفيذ الصيانة المتأخرة من العام الماضي. وفي أثناء ذلك، رفعت النرويج إنتاجها، ولكن عليها أيضًا أن تقلق بشأن زيادة مخزونها الذي استنفد في طقس العام الماضي شديد البرودة.

وفي كل مكان تتطلع إليه تجد فيه معضلة ينبغي مواجهتها.

لقد تحدثت أوروبا كثيرًا عن الحكم الذاتي الاستراتيجي لمعظم هذا القرن، وقطاع الطاقة نموذج على ذلك. فمن السهل على أوروبا أن تجعل نفسها استثنائية عندما يتعلق الأمر بالحكم على وجوب وجود معيار واحد لشواحن الهواتف المحمولة، أو وضع قواعدها الخاصة لكيفية استغلال البيانات التي ينتجها المواطنون عبر الحدود، ومع ذلك، فإن الطاقة ليست ضمن هباتها.

وحققت بعض الدول أداءً جيدًا في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، ولكن دون اختراقات تكنولوجيا البطاريات أو إنتاج الهيدروجين، ولا يمكن أن يكون هناك اعتماد حصري على مصادر الطاقة المتجددة. إذ تبرز الطاقة النووية كبديل رئيسي لأنظمة الوقود المعتمدة على الكربون. والمشكلة هي أن بعض الدول، مثل ألمانيا، تخلت عنها. بينما يسعى آخرون، مثل بريطانيا، إلى الحصول على سعة أكبر من تلك التي يجلبونها مباشرة.

لم يعد الفشل في التحلي بالجرأة ترفًا بالنسبة للمملكة المتحدة بعد أن تركت الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لم تغازل الحكومة سوى عرض من شركة (رولز رويس) لإدراج تكنولوجيا المفاعلات النووية الصغيرة إلى الشبكة في غضون عشر سنوات أو ما شابه. وبدلاً من الاستثمار في المشاريع الضخمة، تعتقد شركة بناء المحركات أن لديها نموذجًا قابلًا للتطبيق للمحطات النووية الإقليمية من شأنه أن يتيح لها مسارًا بديلًا.

وقد تعرض مفاعل (سايزويل سي) النووي البريطاني، وهو مشروع منفصل قيد الإنشاء تدعمه الولايات المتحدة، لضربة في العام الماضي عندما انسحبت شركة يابانية من صفقة لإمداد الموارد التكنولوجية. والآن تضغط (رولز رويس) على قضيتها لتكون جزءًا من هذا المشروع وتريد موافقة سريعة على تقنيتها الذكية. وتؤكد أن المنشأة يمكن أن تبدأ على الإنترنت في حوالي عام 2030. ويرى السياسيون في الحكومة الخلفية نفحة من عدم الشعبية في أزمة الطاقة، وبدأ البعض في التحدث عن نهج (رولز رويس).

لقد كانت الطاقة المتجددة نعمة عظيمة لأوروبا، وهي حقًا ميزة رائعة لأن تفعل الكثير بهذه السرعة. ولكن موثوقية العرض هي التحدي النهائي. فإذا تمكن الأوروبيون من كسر ذلك، فإن هدف الحكم الذاتي الإقليمي وحتى العالمي سيكون في متناول أيديهم.

وقد طرحت أحداث سبتمبر الهادئ بشكل مخيف تساؤلات جدية على الأوروبيين، فبعد عشر سنوات في المستقبل، يجب أن تكون الحلول جاهزة. 

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا