ناشيونال إنترست | ابتزاز الصين الاقتصادي لليتوانيا قد يأتي بنتائج عكسية

وليد أبوالمعارف

رؤية

ترجمة – آية سيد

أصبحت جمهورية ليتوانيا حامل لواء غير متوقع لقضايا الأمن السيبراني العابرة للحدود الوطنية، حيث تحث وزارة دفاعها المواطنين الليتوانيين على عدم شراء الهواتف المصنوعة في الصين وعلى التخلص من أي هواتف مماثلة يمتلكونها. جاء إعلان وزارة الدفاع في أعقاب تقرير حكومي يزعم أن الهواتف التي يصنعها عملاق الإلكترونيات الصيني شاومي تأتي بقدرات مدمجة لرصد عبارات مثل “استقلال تايوان” و”ديكتاتورية” وفرض رقابة عليها.

إن وحدة الرقابة هذه تبدو ساكنة في الهواتف المُباعة للأسواق الأوروبية، لكن يُقال إنه يمكن تفعيلها في أي لحظة، وأضاف مسئولو الأمن السيبراني الليتوانيون أنه يجري تحديث القائمة السوداء باستمرار بعبارات جديدة لكي تعكس أحدث أولويات الحزب الشيوعي الصيني. كانت الحكومات الغربية مدركة للثغرات الأمنية المحتملة لأجهزة المحمول الصينية منذ سنوات، لكن الكثير من الدول الزميلة لفيلنيوس في الاتحاد الأوروبي كانت عازفة عن إثارة المسألة بشكل رسمي مع بكين، ناهيك عن اتخاذ إجراءات فعالة ضد التكتلات التكنولوجية الصينية المدعومة من الدولة. نفى ممثلو شاومي ادعاءات فيلنيوس الأخيرة، وأخبروا وسائل الإعلام الصينية أن الشركة لا “تفرض رقابة على الاتصالات من وإلى مستخدميها”. 

أشعلت ليتوانيا أيضًا غضب الحزب الشيوعي الصيني بمبادراتها المستمرة تجاه تايوان، بتأسيس “منتدى ليتوانيا-تايوان” بداية هذا العام والإعلان عن اتفاقية مع تايبيه لفتح مقر دبلوماسي يُسمى مكتب التمثيل التايواني. تستضيف العواصم الأوروبية مثل برلين وباريس مكاتب مماثلة، لكنها رسميًّا تمثل “تايبيه” على عكس دولة تايوان – وهو فارق دبلوماسي دقيق يهدف إلى استرضاء بكين، التي تعتبر الجزيرة جزء من جمهورية الصين الشعبية. تمثل الاتفاقية المرة الأولى منذ ثمانية عشر عامًا التي تفتتح فيها تايوان بعثة دبلوماسية رسمية ومعترف بها على القارة الأوروبية.

ردت الصين سريعًا على ما وصفته بأنه انتهاك ليتوانيا لـ”مبدأ الصين الواحدة،” حيث اتهمت وزارة الخارجية الصينية فيلنيوس بتجاوز “الخط الأحمر” الخاص بـ”السيادة القومية” وحث الدولة البلطيقية على “تصحيح قرارها الخاطئ فورًا، واتخاذ إجراءات ملموسة لإصلاح الضرر، وعدم المضي قدمًا في الطريق الخطأ”.، فيما تمادت صحيفة جلوبال تايمز الصينية المملوكة للدولة، حيث هددت باتخاذ “إجراءات حاسمة” ضد “التخريب الليتواني”، ووصفت “الدولة الأوروبية الصغيرة” بأنها بيدق في “الاستراتيجية الأمريكية ضد الصين”.

كان الخبراء والمعلقون في بكين صريحين جدًا في التعبير عن شكل انتقام الحزب الشيوعي الصيني، مؤكدين أن الصين تستطيع أن تعرقل ليتوانيا اقتصاديًّا بسبب اتخاذها “الموقف الخطأ” في قضية تايوان. قال وانج يوي، مدير معهد الشئون الدولية بجامعة رنمين الصينية، لجلوبال تايمز: “لقد أخطأ المهرج في حساب النفوذ الاقتصادي للصين عن طريق المبالغة في تقدير نفسه في محاولة بائسة لتحقيق مكاسب أكبر. تضحي ليتوانيا بمصالحها القومية بتعاونها مع الولايات المتحدة التي لا يمكن الاعتماد عليها.”

واستدعت بكين منذ ذلك الحين سفيرها في فيلنيوس، شين زيفي، وهو ما حث السلطات الليتوانية على فعل نفس الشيء مع نظيرته في بكين، ديانا ميكيفيتشيني. أوقف المسئولون الصينيون الشحن بالسكك الحديدية إلى ليتوانيا ويُزعم أنهم تحركوا لإعاقة عملية الموافقة على التصريح للمُصدِّرين الليتوانيين – وهي عقوبات في كل شيء ما عدا الاسم. قالت مصادر حكومية رفيعة في فيلنيوس لصحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست إنهم يعتقدون أن هذه مجرد البداية. قالوا: “مع الأسف، سيصبح الأمر أكثر من هذا. سيكون أشبه بحصار كلي على الصادرات إلى ليتوانيا”.

التهديدات، والانتقادات اللاذعة، والعقوبات هي الأركان الأساسية لما يُعرف بـ”دبلوماسية الذئب المحارب” الصينية. أثبتت بكين استعدادها المتزايد لتسليح نفوذها الاقتصادي المتنامي لخدمة الأهداف الجيوسياسية، لكن حالة ليتوانيا تسلط الضوء على الحدود المفاجئة والعواقب غير المتعمدة لذلك النهج. من وجهة نظر بكين، من المغري رؤية ليتوانيا “الصغيرة” و”القابلة للاستبدال” كهدف سهل – ففي النهاية، الفجوة العسكرية والاقتصادية الضخمة بين البلدين لا تحتاج إلى توضيح. لكنه بالتحديد حجم ليتوانيا وانفصالها النسبي عن شبكات التجارة العالمية هو ما يمكنه أن يعزلها عن وطأة الإكراه المالي الصيني. ذكر وزير اقتصاد ليتوانيا، أوسرين أرمونايت، أن صادرات ليتوانيا إلى الصين تمثل واحد في المائة فقط من إجمالي حجم صادرات بلاده. من نفس المنطلق، كانت الاستثمارات الصينية في ليتوانيا في العقود الماضية ضئيلة نسبيًا. إن الشاغل الأكبر لفيلنيوس هو الضربة المحتملة لتدفقات التجارة نتيجة حظر الشحن بالسكك الحديدية المزعوم، لكن المسئولين الليتوانيين يقولون إنه توجد مسارات بديلة كافية لتخفيف الآثار بعيدة المدى للتعليق.

وبالرغم من عدم التماثل الواضح بين الجانبين، فإن الصراع الحالي لا يخلو من المخاطر على الحزب الشيوعي الصيني. إن فكرة ترهيب قوة عظمى لدولة أصغر بكثير إلى حد الإخضاع لن تخدم سُمعة الصين العالمية الواهنة. لقد أعربت دول من مونتينيجرو إلى زامبيا عن عدم رضاها عن مشروعات البنية التحتية الصينية بالخارج التي يصفها المستفيدون وبعض المحللين بأنها “فخ ديون”. وقد أصبحت أوروبا الشرقية ووسط أوروبا، التي كانت أرضًا خصبة للاستثمار الصيني، قلقة من نفوذ بكين. اتخذت بولندا، ورومانيا، وإستونيا إجراءات لإقصاء عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي من شبكات الجيل الخامس. حتى ألمانيا، المترددة عادةً عن إغضاب بكين، قررت على ما يبدو متابعة اتهامات ليتوانيا لشاومي بتحقيق أمني سيبراني خاص بها.

إن نتيجة ذلك التحقيق قد تشجع حوارًا أوروبيًّا أوسع حول الثغرات الأمنية لأجهزة المحمول المصنوعة في الصين – وهو تطور من المرجح أن يلقى ترحيبًا في واشنطن، التي أعربت كثيرًا عن مخاوف مشابهة.

وبعيدًا عن إحداث وقيعة بين ليتوانيا والدول الغربية الميالة تجاه التعاون الأوثق مع الصين، أدت مواجهة فيلنيوس مع بكين إلى بيانات دعم واضحة من واشنطن وبروكسل. قال مسئول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي، “نحن [الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي] أعربنا بوضوح أننا نختلف مع ما تفعله الصين في استدعائها للسفير، وفرض هذا النوع من الضغط الاقتصادي [على ليتوانيا]، الذي يخالف القانون الدولي”. إن حملة الصين القاسية ضد ليتوانيا تهدف جزئيًّا إلى إثارة نوع من الخوف لدى الدول الأخرى والمؤسسات التي تفكر في إقامة علاقات أعمق مع تايوان، لكن، هنا أيضًا يرى بعض الخبراء إمكانية ظهور نتيجة معاكسة. قال إيمليان كافالسكي، الأستاذ بجامعة جاجيلونيان، بولندا، لموقع Emerging Europe، “ربما تأتي حرب الصين التجارية على ليتوانيا بنتيجة عكسية عن طريق تكثيف الحوار في أوروبا حول معنى سياسة “الصين الواحدة” وهو شيء كان يحدث بالفعل خلف الأبواب المغلقة”.

لم تتزحزح ليتوانيا عن موقفها أمام عقوبات الحزب الشيوعي الصيني ومساعيه، بل ونجحت الدولة البلطيقية أيضًا في فرض بعض التكاليف الصغيرة على بكين في المقابل. يسلط الخلاف بين الصين وليتوانيا الضوء على حجم وحدود قدرة بكين على استخدام القوة الاقتصادية كأداة للإكراه الخارجي.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا