المجلس الأطلسي| أزمة الطاقة في أوروبا تبرز مخاطر الاعتماد على الغاز الروسي

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

تعيش أوروبا حاليًا في قبضة أزمة طاقة ناشئة، باتت تثير تساؤلات بشأن دور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في استغلال تزايد الطلب على الطاقة وانخفاض الإمدادات وحالة عدم اليقين الجيوسياسي.

من الصعب المبالغة في تقدير خطورة الوضع الراهن. ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعًا هائلًا بنسبة 600 بالمائة حتى الآن هذا العام. إن هذا التقلب الشديد في الأسواق بات يضرب مجالات اقتصادية مهمة في عموم أوروبا، بداية من مصانع السماد وصناعة الغذاء وصولًا إلى قطاع الصحة.

تتراكم هذه الأزمة منذ بعض الوقت. وهي مدفوعة بمزيج من ارتفاع الطلب في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد 19، وأحداث متعلقة بالطقس، ومشاكل في مصانع إنتاج الغاز حول العالم، والتجارة القائمة على المضاربة في سوق الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي.

مع هذا، فإن قرار روسيا بعدم نقل مزيد من الغاز عبر أوكرانيا أو تجديد مواقع تخزين الغاز الأوروبي، فاقمت من دون شك من الأزمة. أثار موقف موسكو صدمة في عموم القارة الأوروبية. وأصبح تأثير الأزمة جليًّا في بلدان بعيدة نسبيًّا مثل إسبانيا والملكة المتحدة، اللتين لديهما الحد الأدنى من الاعتماد المباشر على الغاز الروسي.

يقول منتقدون إن روسيا تستخدم إمدادات الغاز كسلاح. ويتهمون الكرملين بمحاولة ابتزاز الاتحاد الأوروبي ومسؤولين ألمان في محاولة للضغط عليهم لمنح الموافقات التقنية والتنظيمية الضرورية لخط أنبوب “نورد ستريم 2” الروسي.

كم المدة التي ستستغرقها الأزمة الحالية؟ في هذه المواجهة عالية المخاطر، تمسك موسكو فيما يبدو بجميع الأوراق. صرّح مسؤولو الكرملين علانية بأن إعطاء الموافقة على مشروع “نورد ستريم” سيخفف من الأزمة، ويبدو أن الروس سينتظرون حتى تنجح مساعيهم في تسريع منح الموافقة للمشروع.

حتى لو تمكن صنّاع القرار في الاتحاد الأوروبي من تفادي مواجهة شتاء غضب بفضل مجموعة من الإجراءات التي يدرسونها الآن، إلا أن تداعيات أزمة الطاقة الحالية ستطال العديد من القطاعات، وسيبقى أثرها لفترة طويلة.

هناك مصدر قلق أكبر وهو قدرة الاتحاد الأوروبي على مقاومة الضغط الروسي، وهناك خطر كبير يتمثل في إمكانية خضوع بروكسل لمطالب الكرملين فيما يتعلق بمشروع “نورد ستريم 2″، حتى لو تعرضت إمدادات الطاقة وأمن أوروبا الوسطى، من بينها أوكرانيا، للخطر.

إن الوضع الدرامي الحالي تتجلى فصوله عقب استكمال العمل على مشروع نورد ستريم 2 خلال صيف 2021. يتطلب الأنبوب الآن موافقات تقنية وتنظيمية قبل تشغيله تجاريًّا. من غير الواضح بعد ما إذا كانت روسيا ستلتزم بقواعد الاتحاد الأوروبي التنظيمية الحالية التي تدعو لتفكيك عمليات الإنتاج والنقل.

وبالرغم من عدم اتخاذ قرار بعد فيما يخص الأمور القانونية، إلا أن هناك خطرًا وشيكًا يتمثل في تحويل روسيا لكميات الغاز البالغة 40 مليار متر مكعب والمنقولة عبر أوكرانيا، وضخها عوضًا عن هذا عبر أنبوب “نورد ستريم2” وذلك بمجرد تشغيل الأنبوب تجاريًّا. إن موسكو مُلزمة بحسب العقود بدفع أموال للغاز المنقول عبر أوكرانيا حتى العام 2024. مع هذا، فإن شروط الاتفاق التي تم التوصل إليها في نهاية عام 2019 لا تُلزم شركة “غازبروم” أيضًا باستخدام الأنبوب الذي يعبر أوكرانيا.

إن أول إشارة على احتمال تخلي روسيا عن نقل الغاز عبر أوكرانيا جاءت في الأول من أكتوبر، عندما أعلنت “غازبروم” أن الغاز الذي كان يمرّ تاريخيًّا عبر أوكرانيا، سيُعاد توجيه مساره إلى ممر جنوبي يربط بين أنبوب “تورك ستريم2” الجديد- المار عبر البحر الأسود- ببنى تحتية في بلغاريا وصربيا. حجزت شركة غازبروم قدرة إنتاج تبلغ 24.6 مليون متر مكعب يوميًّا تمر عبر أوكرانيا إلى المجر، لكن الشركة لا تستخدم هذه القدرة حاليًا.

لو دخل أنبوب نورد ستريم 2 طور التشغيل التجاري في الأشهر المقبلة، فربما تحول “غازبروم” مسار نقل الغاز من أوكرانيا إلى هذا الممر الجديد، في خطوة شبيهة بما حدث مع المجر في الأول من أكتوبر. إن هذا القرار ستكون له تداعيات أمنية على أوكرانيا ومنطقة وسط وشرق أوروبا بأكملها.

وجد تحليل أجرته مؤسسة (ICIS) المتخصصة في نشر بيانات وأخبار دولية حول الطاقة، أنه إذا جرى تحويل نقل الغاز من أوكرانيا إلى أنبوب “نورد ستريم 2” وإعادة توجيهه من ألمانيا إلى وسط وشرق أوروبا، فإن المنطقة يمكن أن تواجه نقصًا في الإمدادات يتراوح بين 15-20 مليار متر مكعب أو أكثر أثناء ذروة الطلب. وهذا يُعزى إلى أن عكس مسار تدفق الغاز من الغرب إلى الشرق قد يواجه معوقات متعلقة بالقدرات عند نقاط حدودية في وسط أوروبا. وبوصفها آخر بلد في هذا المسار الجديد للغاز، ستكون أوكرانيا هي الأكثر تضررًا.

علاوة على هذا، في حال تم الاستغناء عن نقل الغاز عبر أوكرانيا، لن يكون لها قدرة على الوصول إلى إمدادات بديلة من جيران أوروبيين. تشتري أوكرانيا كميات غاز تتراوح بين 10-15 مليار متر مكعب كل عام في السنوات الأخيرة من المجر وبولندا وسلوفاكيا، لكن بعض هذه الكميات يتم اقتطاعها من الغاز الروسي القادم لهذه الدول الثلاث الواقعة في وسط أوروبا.

حذر “المجلس الأطلنطي” بالفعل من هذا الخطر في مقال سابق منشور في إبريل 2021. لقد بات واضحًا في الأول من أكتوبر أنه نتيجة لقرار روسيا إنهاء نقل الغاز إلى المجر، فلن تحصل أوكرانيا على جزء مُقتطع من الغاز الروسي الواصل إلى هذا البلد. هناك وضع مشابه ربما يحصل على الحدود البولندية في حال جرى وقف ضخ الغاز، ما يجعل أوكرانيا مُعتمدة على سلوفاكيا كمصدر وحيد للغاز.

إن تحويل مسار نقل الغاز من أوكرانيا إلى أنبوب “نورد ستريم 2” ستكون له تداعيات سلبية على أقاليم أوكرانية قريبة من البحر الأسود. في حال جرى تحويل مسار الغاز، وأصبحت أوكرانيا معتمدة على الغاز السلوفاكي المنقول من الغرب إلى الشرق، فهناك خشية من أن بعض هذه الكميات ربما لا تصل إلى أقاليم أوكرانية منها “أوديسا” و”كيرسون” و”ماريبول” و”مايكولايف” “زابوروجيا”. إن جميع هذه الأقاليم في وضع ضعيف بالقرب من شبه جزيرة “القرم” المحتلة من روسيا، وهي أهداف مهمة لجهود الكرملين المتواصلة لزعزعة استقرار أوكرانيا.

إن نجاح الضغط الروسي في تشغيل أنبوب “نورد ستريم 2” دون إخضاعه للقواعد الأوروبية الخاصة بوصول الطرف الثالث والشفافية، ربما تُعيد السوق الأوروبي بأكمله للوراء بما لا يقل عن 12 عامًا. في عام 2009، سعت بروكسل لاتخاذ إجراءات صارمة ضد احتكارات السوق عبر تطبيق “حزمة الطاقة الثالثة” وهي عبارة عن مجموعة قوانين مصممة لزيادة المنافسة والشفافية.

جرى تمديد هذه القواعد لاحقًا لتشمل خطوط أنابيب بحرية تربط الاتحاد الأوروبي بدول غير عضوة، مثل أنبوب “نورد ستريم 2”. في الوقت الراهن، فإن طريق النقل الوحيد الملتزم بهذه المبادئ التي وضعتها “حزمة الطاقة الثالثة” هو الممر الأوكراني لنقل الغاز.

في حال جرى وقف طريق النقل الأوكراني، وجرى نقل الغاز الروسي عبر ممري “نورد ستريم” و”تورك ستريم”، من دون ضمانات قانونية واضحة بعدم استخدام هذه الطرق كأداة إجبار جيوسياسية، فإن أزمة الطاقة الحالية في أوروبا ربما تكون مجرد مقدمة لما قد يحدث في السنوات المقبلة. 

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا