ذا استراتيجيست | غداة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.. ما التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة– بسام عباس

لقد هزّت كارثة أفغانستان العديدَ من حلفاء الولايات المتحدة حول العالم، ما جعلهم يتساءلون عن مصداقية الولايات المتحدة كشريك. ففي الشرق الأوسط، دفعت هذه الكارثة بعض الحلفاء العرب إلى إعادة تقييم مواقفهم وتقليل التوترات الإقليمية من خلال التقليل من شأن خصوماتهم القديمة مع تركيا وإيران. المنطقة الآن في خضم إجراء بعض التحولات الاستراتيجية الدقيقة التي يمكن أن تعزّز احتمالات بيئة أكثر استقرارًا، لا سيما في الخليج العربي.

وكما كان متوقعًا، فإن انسحاب الولايات المتحدة المهين من أفغانستان وعودة حركة طالبان الثيوقراطية المتطرفة إلى السلطة قد أثلج صدور الأطراف المعادية، مثل إيران وروسيا والصين، وعزّز مكانتهم، حتى باكستان التي تزعم أنها تؤدي دورها كشريك للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب. وفي الوقت نفسه، عززت شكوك الزعيم التركي “رجب طيب أردوغان” بشأن الولايات المتحدة، ونبَّهت بعض دول الخليج العربية المدعومة من الولايات المتحدة إلى عدم الوثوق في دور واشنطن كحارس الأمن في المنطقة.

ورغم أن عدم ثقة أردوغان بواشنطن ليست بالأمر الجديد، إلا أن خيبة أمله من حلفاء تركيا في الناتو تتزايد منذ عدة سنوات؛ حيث انتقدهم لدعمهم الأكراد العراقيين والسوريين كمصدر محتمل لدعم الأقلية الكردية الساعية للحكم الذاتي في تركيا، كما حذرهم من عدم مساعدة أنقرة بشكل كافٍ في تدفق اللاجئين السوريين، والأهم من ذلك، عدم دعمهم بشكل قاطع حملته القمعية الواسعة النطاق على المعارضة في أعقاب الانقلاب الفاشل ضده في عام 2016. وقد وجد أنه من المناسب استراتيجيًّا أن تميل بلاده نحو روسيا والصين.

وقد تضاعفت التجارة الثنائية السنوية بين تركيا والقوتين (أكثر من 25 مليار دولار أمريكي مع روسيا ومبلغ مماثل مع الصين)، كما شهدت العلاقات العسكرية بين أنقرة وموسكو طفرة غير مسبوقة، حيث اشترت تركيا أنظمة الدفاع الجوي الروسية (إس– 400) على الرغم من اعتراضات واشنطن الجادة، إلا أن رد أردوغان على الانسحاب الانتقامي للولايات المتحدة من صفقة بيع مقاتلات (إف–35) مع تركيا هو شراء المزيد من صواريخ (إس-400) ودعوة روسيا لبناء محطات طاقة نووية في تركيا.

وفي غضون ذلك، واصل أردوغان توسيع دور بلاده في الشرق الأوسط، فبينما كان يبني صداقة استراتيجية مع قطر الصغيرة الغنية بالنفط والمؤثرة، فقد دعم القضايا الإسلامية الفلسطينية والسياسية، متحديًا إسرائيل وعددًا من الدول العربية. وقد نبذته إسرائيل، فيما كانت دول الخليج العربية، بقيادة السعودية، ومصر تشعر بالرهبة من سلوكه السياسي المتطفّل؛ ما أدى إلى فتور علاقاتها مع تركيا.

وجاءت هزيمة أفغانستان لتغير الصورة الإقليمية، فالمملكة العربية السعودية وحلفاؤها في مجلس التعاون الخليجي، والإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، يعيدون تقييم أوضاعهم. لقد وجدوا أنه من المفيد تحسين العلاقات مع تركيا وإيران وقطر. ومن ثَمَّ تحركت الرياض لوأد الخصومات السابقة وإحياء العلاقات مع طهران، بينما سعت أبو ظبي إلى تطوير وتوسيع العلاقات مع طهران والدوحة، فيما يجري حوار جاد بين أبو ظبي وأنقرة لتحسين العلاقات بينهما.

ولأول مرة منذ قطع السعودية العلاقات مع إيران في يناير 2016، التقى وزيرا خارجية البلدين في بغداد الشهر الماضي في مؤتمر نظمته السلطات العراقية والفرنسية، وأفادت الأنباء أن الخصمين القديمين يتجهان نحو إعادة العلاقات. وفي الوقت نفسه، تبدو آفاق التقارب التركي والإماراتي والتطبيع الكامل للعلاقات بين الإمارات وقطر مشرقة، فيما تبحث الرياض وأبو ظبي أيضًا عن علاقات أوسع وأكثر ودية مع روسيا والصين.

ولا يمثل هذا بالضرورة نهاية دور الولايات المتحدة كلاعبٍ رئيسٍ تقليديٍّ في المنطقة، نظرًا لشراكتها الاستراتيجية القوية مع عدد من دول الشرق الأوسط، والهيمنة المستمرة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ولكنه في المقابل يشير بشكل أساسي إلى أن الفشل الذريع للولايات المتحدة في أفغانستان أدى إلى سلسلة من عمليات إعادة الاصطفاف في المنطقة، كما أنه يوضح أن السلام الأمريكي الذي سيطر على الشرق الأوسط لمعظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يتم تفكيكه تدريجيًّا، ومن المتوقع أن تتسارع العملية مع وعد الرئيس “جو بايدن” بسحب 2500 جندي أمريكي من العراق نهاية هذا العام.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا