منتدى شرق آسيا | هل تتحول الحرب الباردة بين أمريكا والصين إلى صراع مُسلّح؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

هناك عالم ثنائي القطبية بدأ في الظهور وذلك مع هيمنة المنافسة الصينية – الأمريكية على كل مناحي السياسة الدولية. إن الثنائية القطبية تميل لتضخيم العداء الأيديولوجي وتشجّع محاولات بناء تحالفات حصرية. من خلال تصويرها المنافسة بين البلدين على أنها معركة بين الديمقراطية والاستبداد، زادت إدارة بايدن من انتقادها العلني لانتهاكات الصين لحقوق الإنسان، وتصدّت للمناورات الصينية في المحيط الهادئ.

بتصويرها الصين على أنها خطر وجودي، حاولت الإدارة الأمريكية إنشاء تحالف للديمقراطيات، وفي المقابل اتخذت الصين إجراءات لمواجهة الولايات المتحدة، وأبرزت تفوق النموذج الصيني الاستبدادي في التعامل مع أزمة كوفيد19. إن إقدام بكين على تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع روسيا وباكستان وإيران وبلدان أخرى، هي محاولة منها لبناء تحالف “مناهضة للهيمنة”.

لكن عداء الصين الأيديولوجي مبالغ فيه! لم تُعرف بكين بأنها قوة طليعية تسعى لزرع أنظمتها حول العالم مثلما روّج الاتحاد السوفيتي للشيوعية، وكما روّجت الولايات المتحدة للديمقراطية. إن نسخة الصين من الاستبداد – التي تعززت بفضل وسائل مراقبة عالية التقنية – لا تقدّم بديلًا أخلاقيًّا مقنعًا للديمقراطية الليبرالية لمعظم البلدان.

ولا شك أن خوف بكين من مساعي واشنطن لنشر الديمقراطية داخل أراضيها أكبر من خوف الولايات المتحدة من استبداد الصين، وعوضًا عن بذل جهود حثيثة لنشر الاستبداد، بنت الصين جدارًا ناريًّا للمعلومات وشدّدت من سيطرتها الأيديولوجية المحلية. ترفض الصين فكرة وجود طابع عالمي للقيم الليبرالية، وسعت أساسًا لجعل العالم أكثر تقبلًا لحكم الحزب الشيوعي الصيني.

إن التهديد الأيديولوجي الذي تمثّله الولايات المتحدة جرى تضخيمه؛ فهي لم تعد نبراسًا للديمقراطية، وقد تحول الإعجاب العالمي بالنموذج الأمريكي إلى خيبة أمل بفضل التوترات العِرقية والاستقطاب السياسي وانعدام المساواة الاقتصادية – الاجتماعية وكراهية الأجانب، فضلًا عن أن النتائج المدمّرة الناجمة عن استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية لنشر الديمقراطية، كما يتضح من حربي العراق وأفغانستان، قوّضت الدعم للديمقراطية وولّدت مشاعر معادية لأمريكا. تشهد القوة الأمريكية تراجعًا نسبيًّا، كما أن صمودها يواجه اختبارًا عسيرًا، لذا يجب على واشنطن ترتيب بيتها من الداخل قبل أن تشّن حملة قائمة على المبادئ ضد الصين.

كما أن محاولات أمريكا لبناء تحالفات حصرية أصبح ضحية سوء فهم. إن الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والصين لا تتطابق مع نسخة كلاسيكية لتصادم بين قوتين عظميين متساويتين تتنافسان على الهيمنة، لكن الاتحاد الأوربي والصين واليابان والهند تظل قوى مستقلة وربما تخلّ بتوازن القوى بين البلدين.

ولا يرغب العديد من حلفاء أمريكا وشركائها في أن يتم حشرهم في المنتصف. هم لديهم أولويات اقتصادية واستراتيجية مختلفة وتصورات تهديد متباينة، وقد واجه الرئيس الأمريكي جو بايدن صعوبات شديدة في كسب تأييد دول متشابهة التفكير ضد الصين، وليس لهذه الدول أوهام بشأن القوة الأمريكية، وقد وزنت التكاليف مقابل الفوائد واتخذت قراراتها تبعا لذلك. أسفر الإعلان عن تحالف “أوكوس” عن إلغاء أستراليا صفقة غواصات تعمل بالديزل والكهرباء قيمتها 66 مليار دولار مع فرنسا، وواصفة ما حدث بأنه “طعنة في الظهر”، ردّت باريس بغضب شديد واستدعت سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا. لقد وتّر تحالف “أوكوس” العلاقات مع أقدم حليف أوربي لأمريكا.

بالمثل، لم تبن بكين تحالفًا مناهضًا لأمريكا قائمًا على أسس أيديولوجية، واكتفت بإعلان شكوتها من التهديدات التي تمثلها أمريكا عليها. إن تحالفات الصين الاستراتيجية مصلحية أكثر منها عاطفية، ولم ينقسم العالم بعد إلى تكتلين أيديولوجيين وجيوسياسيين.

إن توازن القوى الحساس بين الولايات المتحدة والصين زاد من تعقيد الثنائية القطبية الناشئة. يتعامل الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” مع واشنطن من موضع قوة مُتصور، وهو لم يعد يقبل بخضوع الصين لضغوط أمريكا ومطالبها من دون شروط، لكن ثقة الصين الظاهرة تخفي وراءها تحديات وشعور بعدم الأمن، ومن غير الواضح بعد ما إذا كان باستطاعة الصين أن تكون أول نظام استبدادي يتفادى مصيدة الدخل المتوسط التي منعت العديد من الاقتصاديات الناشئة من أن تتحول إلى بلدان ذات دخل مرتفع.

أنفقت الصين أموالًا هائلة لتحديث جيشها الذي لا يزال لا يمكنه مضاهاة الجيش الأمريكي أو استعراض قوته عالميًّا. لكن الصين غير مضطرة لمضاهاة القوة الأمريكية للمحافظة على المنافسة مع أمريكا، وذهبت بكين إلى ما هو أبعد من الاقتصاد الموجّه الذي ساد في الاتحاد السوفيتي خلال أيامه الأخيرة، وبنت قاعدة تكنولوجية متطورة وعريضة واقتصادًا ذا قدرة تنافسية عالمية. وخلافا للاتحاد السوفيتي، فإن الصين ليست قوة مُنهكة تسيطر عليها أوهام أيديولوجية، ومع بلوغ حدّة التوجسات الصينية ذروتها تجاه الولايات المتحدة، زاد العداء الأمريكي كثيرًا من شعبية الرئيس “تشي” بسبب وقوفه ضد الضغوط الأمريكية.

لم تواجه واشنطن مطلقًا منافسًا شبيهًا لبكين، ولا تستطيع هاتان القوتان الهيمنة على بعضهما البعض، وهو ما يفرض استمرار الثنائية القطبية، كما لا يمكن للصين أن تتوقع قبول الولايات المتحدة بنظامها الاستبدادي، وفي المقابل لا يمكن لواشنطن تغيير قيم بكين الراسخة أو وقف صعودها.

وبالرغم من أن أيًّا من هاتين القوتين لن تفتعل حربًا ضد الأخرى، غير أن هناك إمكانية حقيقية بأن تؤدي خطوة خاطئة لتصعيد أو صراع عنيف، لذا يجب على زعماء البلدين إيجاد سبل للمنافسة بشكل بنّاء.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا