آسيا تايمز | أزمة لبنان تحولت من سيئ إلى أسوأ!

آية سيد

رؤية

ترجمة: آية سيد

في خضمّ الجائحة التي أخرجت العالم عن مساره، لم يحصل انحدار لبنان الحاد على الانتباه الذي يستحقه نظرًا للأهمية الاستراتيجية للدولة. لبنان، الذي يحد سوريا من شماله وشرقه، وإسرائيل من جنوبه، يشغل مساحة حيوية في منطقة شرق المتوسط. سوف يخاطر انهياره بالانتشار إلى المناطق المجاورة.

تضعف الدولة تحت ثِقل عدد ضخم من السكان اللاجئين من سوريا المجاورة والتواجد الدائم للاجئين الفلسطينيين. إنها ينطبق عليها بالتأكيد صفة “دولة في أزمة”، التي تعرّفها كلية لندن للاقتصاد على أنها دولة “تتعرض لضغوط شديدة”. والسؤال هو إذا ما كانت هذه “الدولة في أزمة” ستتحول إلى “دولة فاشلة”، والتي وفقًا لتعريف كلية لندن للاقتصاد فهي تلك التي “لا تستطيع مواصلة القيام بمهام الأمن والتنمية الأساسية”.

أصبح لبنان، الذي استغرق أكثر من عام لكي يشكل حكومة جديدة بعد انفجار الأمونيوم نيترات الذي عصف بمنطقة المرفأ وأجبر الحكومة حينها على الاستقالة، أصبح يترنح على الهاوية مرة أخرى!

مُفلس عمليًّا

جذب نقص الوقود، الذي تسبب في إغلاق محطات الكهرباء الرئيسية، انتباه العالم إلى انزلاق لبنان المستمر باتجاه الخراب التام.

إن ظهور رئيس وزراء جديد الشهر الماضي بعد شهور من المشاحنات حول تقاسم السلطة بين الجماعات الطائفية في البلد لم ينجم عنه ثقة في قدرة الحكومة الجديدة على التغلب على مشاكل لبنان، كما أن نقص الوقود بسبب أزمة النقد الأجنبي، حيث تُعد الدولة مُفلسة فعليًّا هو مجرد واحد من سلسلة من المشكلات المتعاقبة التي دفعت البنك الدولي إلى وصف الوضع بأنه واحد من العشر “أزمات الأكثر حدة منذ منتصف القرن التاسع عشر” في العالم. ويتكهن البنك الدولي بأن أزمة لبنان ربما تُصنَّف ضمن “أبرز ثلاث أزمات”، هذا يشمل الكساد العظيم في الثلاثينيات.

في تقرير صدر في شهر يونيو عن مكتبه في بيروت قبل تشكيل الحكومة الجديدة، قال البنك إن لبنان واجه “تحديات ضخمة والتي تهدّد الأوضاع الاجتماعية – الاقتصادية المزرية بالفعل والسلم الاجتماعي الهش، دون نقطة تحول واضحة في الأفق”. وتزامن تعيين نجيب ميقاتي، الملياردير في مجال الاتصالات، رئيسًا للوزراء، مع تراجع إضافي في ثروات لبنان إلى الدرجة التي تجعل قدرته على كبح تراجعه تعتمد على المساعدة الخارجية.. لكن تلك هي المشكلة.

قبضة حزب الله

إن الجهات المانحة الدولية المحتملة، بقيادة فرنسا بسبب روابطها التقليدية بالدولة، سئمت من عجز لبنان عن حل مشاكله ومن الفساد المستشري، وتخشى أن تعزّز المساعدات الخارجية قبضة حزب الله الشيعي المتطرف على البلاد.

بدعم من إيران، يصور حزب الله نفسه على أنه مُنقذ لبنان. كان الوقود الإيراني يُشحن إلى لبنان بالشاحنات من ميناء بانياس السوري للتحايل على العقوبات الأمريكية. ومنذ ظهوره في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت من 1975-1990، عزز حزب الله موقفه تدريجيًّا كلاعب مهيمن في التركيبة السياسية المعقدة للبلاد. هذه التركيبة تقسم السلطة بين الجماعات الطائفية المسيحية والمسلمة بموجب اتفاقية لتقاسم السلطة توسطت بها فرنسا في 1943. اعترفت اتفاقية الطائف التي توسطت بها السعودية لإنهاء الحرب الأهلية بدور حزب الله، فيما أدرجت الولايات المتحدة ودول أخرى حزب الله كتنظيم إرهابي.

في الثلاثة عقود منذ اتفاقية الطائف، استطاع لبنان الوقوف على قدميه مجددًا تحت إدارات متعددة فقط ليتراجع مرة أخرى، والآن بصورة كارثية. السؤال المنطقي في كل هذا، نظرًا لمشاكله الداخلية الشديدة التي يُضاف إليها هيكل الحكم الذي عفا عليه الزمن، هو إذا ما كان لبنان غير قابل للحكم بصورته الحالية ويخاطر بالانهيار.

في تقييم لوضع لبنان كدولة فاشلة محتملة، حدّد مجلس العلاقات الخارجية عددًا من المعايير. شملت هذه المعايير الـ75% (على الأقل) من اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، والـ1.7 مليون لاجئ الذين تفوق معاناتهم معاناة المواطنين اللبنانيين، ومدة انقطاع الكهرباء لـ22 ساعة في اليوم، والدين العام الذي يبلغ 175% من الناتج المحلي الإجمالي.

منذ ذلك التقييم في سبتمبر من العام الماضي، أصبح الوضع أسوأ بكثير. أصبحت الليرة اللبنانية بلا قيمة تقريبًا، حيث خسرت 90% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في السنوات الماضية. تعاني الدولة من التضخم المفرط، في ظل ارتفاع الأسعار أكثر من 400% وهو ما جعل المواد الغذائية الأساسية بعيدة المنال بالنسبة إلى الكثيرين. انكمش اقتصاد لبنان بأكثر من 20% في 2020.

يعيش ثلث اللبنانيين في “الفقر المدقع”، بحسب الأمم المتحدة. ومن ضمن مشاكل لبنان الأبرز عبء اللاجئين الضخم؛ حيث تفيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن الدولة بها 865.530 لاجئًا سوريًّا مُسجلًا ضمن عدد مُقدر بـ1.5 مليون سوريًّا في لبنان.

وبالإضافة إلى التواجد السوري، يوجد حوالي 190 ألف فلسطيني في لبنان، الكثير منهم في مخيمات لاجئين، والفلسطينيون في الواقع بدون جنسية وأكثر عرضة للتأثر بالاقتصاد المتدهور من اللبنانيين الفقراء، ويقف تعداد سكان لبنان، بما فيهم اللاجئون، عند حوالي 6.8 مليون نسمة.

إنّ ما يُضاعف مشاكل لبنان هو الأزمة الحادة في النقد الأجنبي؛ إنه مُفلس، وبالتالي عاجز عن مواصلة دعم الواردات من السلع الحيوية، مثل الطعام والدواء، وهذا رفع الأسعار عاليًا. لقد قالها ميقاتي المحاصر بصراحة بعد حلف اليمين: “من أين سنحصل على الدولارات اللازمة للدعم؟ نحن مفلسون. نحن لا نمتلك أي احتياطيات أو أموال تسمح لنا بالمساعدة”.

في الوقت نفسه، تدفقت مليارات الدولارات خارج البلاد؛ حيث سعى الأثرياء والمسئولون الفاسدون اللبنانيون لحماية أصولهم نظرًا لانهيار النظام المصرفي للدولة. أصبحت البنوك متعسرة، خسر آلاف اللبنانيين مدخراتهم، وفي وسط كل هذا، سيكون لديهم سبب للاستياء مما كشفت عنه وثائق باندورا المُسربة بأن شخصيات بارزة في الحكومة والبيروقراطية كانت تسرّب الأموال خارج البلاد لسنوات.

فساد مستشرٍ

من ضمن أولئك الذين ذُكر أنهم نقلوا أموالًا إلى الخارج رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان. إنه المدير الوحيد لشركة في جزر فيرجين البريطانية أُسست في 2007.  تحقق سويسرا وفرنسا في قضية “سلامة” بسبب غسيل الأموال والاختلاس المحتمل. لقد اتُّهم في الإعلام اللبناني بنقل الأموال إلى الخارج بما يخالف القوانين، نافيًا قيامه بمثل هذه التحويلات. مع هذا، لا يوجد شك في أن لبنان واحد من السلطات القضائية الأكثر فسادًا في العالم، وهذا يساهم في عجزه عن حل مشاكله.

في مؤشر مدركات الفساد العالمي، يحتل لبنان المرتبة 137 في لائحة من 180 دولة إلى جانب روسيا، وبابوا غينيا الجديدة وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي مؤشر الدول الهشة الذي ينشره صندوق السلام ومجلة فورين بوليسي، احتل لبنان المرتبة 34 في 2020، بعد أن كان في المرتبة 40 في 2019. ونظرًا لتراجعه السريع على مدار الـ12 شهرًا الماضية، ربما ينافس مركزه في 2021 الدول الفاشلة مثل اليمن، والصومال وسوريا.

إذا لم يكن لبنان دولة فاشلة الآن فإنه بالتأكيد في طريقه لذلك. هذا إلا إذا حدث تدخل كبير من مؤسسات الإقراض الدولية والحكومات الغربية المترددة القلقة من انزلاقه أكثر باتجاه “محور المقاومة” بقيادة إيران.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا