موسكو تايمز| كيف تتأثر روسيا بأزمة الطاقة الراهنة في الصين؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

بينما يناقش العالم الارتفاع غير المسبوق في أسعار الغاز في أوروبا، هناك أزمة طاقة تحدث على الجانب الآخر من حدود روسيا. فقد أدّى نقص الكهرباء في الصين لإجبار عدد من أقاليم البلاد لتقنين استهلاك الطاقة. في نهاية شهر سبتمبر، طلبت السلطات الصينية من شركة توليد الطاقة الروسية Inter RAO لزيادة الإمدادات للصين.

يبدو أن الانتقال إلى طاقة خضراء لن يغيّر أوضاع السوق لمصدّري المواد الهيدروكربونية الروس في أوروبا فحسب، لكنه سيؤثر أيضًا على الصين. لكن، في حالة الصين، سيخلق هذا الانتقال فرصًا أكثر من مشاكل.

إن عجز الكهرباء في الصين حدث بسبب مسارعة حكومات الأقاليم لتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى للحدود التي وضعتها لهم الحكومة الصينية. قبل عام من الآن، تعهّد الزعيم الصيني “تشي جين بينغ” بأن الصين ستكون محايدة من حيث الأثر الكربوني بحول عام 2060، وسيكون القطاع الأكثر تأثرًا بذلك هو محطات الطاقة العاملة بالفحم في البلاد، والتي تعلب دورًا مهمًا في إنتاج الطاقة الصيني.

في الأسابيع الأخيرة، بدأ تسعة عشر إقليمًا صينيًّا رئيسيًّا تقنين الكهرباء، وقد تأثرت بذلك القرار صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل صناعات المعادن والأسمنت والكيماويات.

هناك ثلاثة أسباب رئيسية كامنة وراء الأزمة الراهنة: أولها هو ارتفاع أسعار سلع الطاقة في الأسواق العالمية وسط تعافٍ اقتصادي في مرحلة ما بعد جائحة كورونا. يتضمن هذا أسعار الفحم الذي لا يزال الوقود الرئيسي المستخدم في محطات الطاقة الصينية. إن الزيادة في الأسعار تتصادف مع نقص في إنتاج الفحم في الصين نفسها، مع إغلاق العديد من مناجم الفحم في السنوات الأخيرة نتيجة لمعايير بيئية أكثر صرامة تم فرضها.

السبب الثاني هو أنه بنهاية الربع الثالث لعام 2021، أدركت العديد من الأقاليم الصينية أنها لن تتمكن من الالتزام بالتوصيات البيئية التي أصدرتها بكين. بالتالي شرعت هذه الأقاليم في تخفيض الانبعاثات مُستخدمة طرقًا جذرية، مثل إلزام الشركات بتقليل استهلاكها من الطاقة.

السبب الثالث هو أنه بالرغم من نمو توليد الطاقة في بعض أقاليم الصين، لا سيما في الجنوب الشرقي، إلا أن الإنتاج غير قادر على مواكبة الطلب. إن بعض مُنتجي الألومنيوم باتوا مستعجلين لتخفيف الانبعاثات عبر الانتقال لاستخدام الطاقة الكهرومائية، لدرجة أنه لم تعد هناك محطات طاقة كهرومائية جديدة تكفي لتلبية الطلب.

إن البنية التحتية للطاقة في الصين ببساطة ليست جاهزة لهذا الجهد المكثف للحد من الانبعاثات، ما يفتح فرصًا جديدة لمصدّري المواد الهيدروكربونية الروس.

يمثل النفط والغاز حاليًا ما يزيد على 60 بالمائة من صادرات روسيا إلى الصين، كما أن اندفاعة الصين نحو طاقة أكثر صداقة للبيئة ربما لن تسهم إلا في زيادة دور المواد الهيدروكربونية في التجارة الثنائية. تحاول الصين تدريجيًّا تقليل اعتمادها على الفحم، لكن هذا ليس سهلًا، بالنظر إلى أن الوقود الأحفوري يولّد أكثر من 67 بالمائة من كهرباء البلاد. هناك بديل محتمل وهو الغاز: تنتج محطات الطاقة العاملة بالغاز نصف انبعاثات غازات الدفيئة التي تنتجها محطات الطاقة العاملة بالفحم. بالتالي، فإن طلب الصين على الغاز سيتضاعف بحلول عام 2035، حسب توقعات شركة “ماكينزي” للاستشارات.

إن تطوير صادرات الغاز الروسية – عبر خطوط أنابيب أو الغاز الطبيعي المسال – إلى الصين تأتي في الوقت المناسب تمامًا. إن الغاز الأرخص المتوفر للمستهلكين الروس بتاريخ يناير 2021 كان هو الغاز القادم عبر أنبوب “قوة سيبيريا” والذي جرى إطلاقه عام 2019. هناك بالفعل خطط لإطلاق أنبوب “قوة سيبيريا 2” الذي يدعمه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.

بدأت روسيا أيضًا في إمداد الصين بغاز طبيعي مسال في عام 2019. بالرغم من كونها حاليًا مجرد سادس أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المسال إلى الصين، إلا أن هذه تعدّ بداية مهمة. مع زيادة مساهمة الاستثمارات والقروض وحتى المعدات الصينية في مشاريع الغاز الطبيعي المسال الجديدة في المنطقة القطبية الروسية (مشروع “يامال” للغاز الطبيعي المسال، ومشروع “أركتيك إل إن جي-2” في المنطقة الروسية من القطب الشمالي)، فقد ضَمَن المصدّرون الروس موقعًا متميزًا في أكبر سوق غاز في العالم على مدار العِقد المقبل.

إن أحد أكثر الأجزاء المثيرة للجدل في أجندة خفض الكربون لدى بكين هو الانتقال إلى ما يُسمى الفحم الأخضر: فحم موفر للطاقة يعدّ حلًّا وسطًا في المراحل المبكرة للانتقال في مجال الطاقة.

وما دام الفحم يلعب دورًا مهمًا في الطاقة الصينية، سيكون لدى المُصدّرين الروس فرصة سانحة أخرى. في عام 2020، كانت الصين أكبر مستورد للفحم الروسي، بنسبة تبلغ 15 بالمائة (29.4 مليون طن) من إجمالي صادرات الفحم الروسي، غير أن الصين لا تزال تستورد كميات أكبر من الفحم من أستراليا وإندونيسيا.

أحد العوائق أمام زيادة صادرات الفحم الروسي إلى الصين هو البنية التحتية الضعيفة للنقل في الشرق الأقصى الروسي. لحل هذه المشكلة، أعلنت السكك الحديدية الروسية خطط هذا العام لتحديث سكة حديد “بايكال-أمور” و”السكك الحديدية العابرة لسيبيريا” بتكلفة تبلغ نحو 10 مليارات دولار على مدار ثلاث سنوات.

من المخطط أن يمتد خط سكة حديد “بايكال-أمور” نحو منجم “إيلغا” للفحم، الأكبر في منطقة “ياكوتيا” الروسية. وقد صادف أن فحم الكوك الموجود هناك، بما يتميز به من طاقة عالية، يتوافق مع معايير “الفحم الأخضر” الذي تحرص الصين على استخدامه. في عام 2020، شكّلت الشركة المشغلة لمنجم “إيلغا كول” مشروعًا مشتركًا مع شركة “جي إتش شبينج” الصينية وبدأت في تسليم الفحم للصين، مزوّدة إياها بكميات فحم تتراوح بين 15-18 مليون طن هذا العام. بداية من عام 2023، من المتوقع أن تبلغ كميات الفحم التي تم تسليمها نحو 30 مليون طن.

إن تطوير صادرات الفحم الروسي هو نموذج ناجح نسبيًّا لكيفية تمكن الدولة والشركات في التأقلم بسرعة كافية مع السوق وأكبر مستهلك فيه. بالنظر إلى الجودة العالية للفحم الروسي، سيتواصل الطلب الصيني عليه خلال انتقال البلاد إلى الطاقة الخضراء.

هناك جزء آخر من خطط الصين لتقليل الانبعاثات ويتمثل في الانتقال إلى السيارات الكهربائية والهجينة. من المتوقع أن تشكّل هذه السيارات 20 بالمائة من مبيعات السيارات الجديدة بحلول 2025 (مقارنة مع 5 بالمائة اليوم) وسترتفع هذه النسبة أكثر لتصل إلى 50 بالمائة بحلول عام 2035.

إن انتقال الصين نحو استخدام سيارات كهربائية يمكن أن يؤثر سلبًا على الطلب العالمي على النفط. بحسب توقعات لشركة “ساينوبيك”، وهي واحدة من أكبر شركات الطاقة الصينية، فإن استهلاك الصين النفطي سيبلغ ذروته في عام 2026، يعقبه انخفاض في الاستهلاك. إن التحول نحو السيارات الكهربائية، يمكن أن يوفر للصين 80 مليار دولار من واردات النفط في السنوات العشرة المقبلة، وذلك بحسب بعض التقديرات.

هذه ليست أخبارًا عظيمة لروسيا، التي تُعدّ أكبر مزوّد للنفط للصين منذ عام 2013. لم تَظهر أي مشاريع نفطية رئيسية بين روسيا والصين في السنوات القلية الماضية. صحيح أنه في الوقت الراهن، وبفضل التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا، ما تزال الصين تزيد من استهلاكها النفطي، لكن في المستقبل، لن يكون الانتقال نحو طاقة خضراء مبشرًا للنفط الروسي في السوق الصينية. مع ذلك، ينبغي لهذا أن يزيد من الطلب على سلع طاقة أخرى من روسيا، مثل الفحم عالي الطاقة والغاز الطبيعي.

وأخيرًا، تُظهر أزمة الطاقة الراهنة حجم التناقض الذي سيخلقه الانتقال الصيني نحو طاقة خضراء. فمن ناحية، تحتاج بكين لضمان أمن البلاد من الطاقة، وبالتالي شراء المزيد من الفحم. لكن من ناحية أخرى، هي تحتاج إلى تقليل اعتمادها على الطاقة التي تعمل بالفحم، والانتقال نحو محطات كهرباء تعمل بالغاز، وسيخلق هذان الاحتمالان فرصًا جديدة لشركات تصدير سلع الطاقة الروسية.  

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا