بوليتيكو| إثيوبيا تسقط في دوامة الفوضى.. هل حان الوقت للتوصل لاتفاق سلام شبيه باتفاق «دايتون» في البوسنة؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

تقف إثيوبيا الآن على شفا حرب أهلية متصاعدة وحالة فشل. في الأسبوع الماضي، اشتدّ القتال بشكل كبير، حيث وجّهت قوات إثيوبية ضربات شديدة إلى متمردين من إقليم تيغراي. يعاني ملايين من الجوع، والوقت ينفد لتجنب سقوط البلاد في فوضى.

إن المعاناة التي تقاسيها أماكن مثل جنوب السودان وأفغانستان بعد سنوات من دعم بقيادة الولايات المتحدة، ينبغي أن تُذكّر الجميع بشأن حدود نفوذ أي بلد خارجي. لكن أديس أبابا ليست جوبا أو كابول. قبل عامين، كانت إثيوبيا واحدة من قصص نجاح الاقتصاديات الناشئة في إفريقيا جنوب الصحراء؛ ما يعني أن هناك فرصة لتغيير الأوضاع تمامًا، وذلك لو تحركنا الآن.

هذه هي اللحظة المناسبة لتحرك دولي مُركّز لمنع حدوث مزيد من التدهور، والتركيز على الدبلوماسية للتوصل لتسوية شاملة لهذا البلد الذي يقطنه 110 ملايين نسمة. إن الحل الوحيد لسحب إثيوبيا بعيدًا عن حافة الهاوية هو إجراء عملية سلام شبيهة بـ “اتفاق دايتون” عبر انخراط يومي بقيادة أمريكا وجيران إثيوبيا.

يجب على مسؤولي الأمن القومي في الولايات المتحدة وأوروبا وجيران إثيوبيا الإقليميين، أن يولوا اهتمامًا عاجلًا بهذا البلد. توفر العقوبات بالتأكيد أداة نفوذ، لكنها قد تكون غير كافية. كما أن التدخل العسكري أو الاحتلال ليسا خيارًا في بلد تبلغ مساحته ضعف مساحة أفغانستان، وباتت تنزلق نحو سيناريو حرب أهلية. ستتطلب هذه الأزمة جهدًا دبلوماسيًّا ووساطة على نطاق لم يسبق له مثيل منذ عملية سلام “دايتون” لإنهاء الحرب الدموية في البوسنة.

كان اتفاق “دايتون” للسلام نموذجًا لكيفية جلب أحزاب عرقية متحاربة إلى طاولة المفاوضات عبر جهود دبلوماسية مكثفة ومنسقة بقيادة وسطاء نزيهين. تطلّب ذلك الاتفاق انخراطًا متواصلًا من أعلى المستويات في الحكومة الأمريكية، من بينهم الرئيس ومستشار الأمن القومي ووزير الخارجية وكبير مفاوضين مثل السفير الراحل “ريتشار هولبروك”، فيما لعب الاتحاد الأوروبي وقوى رئيسية أخرى أدوارًا داعمة حاسمة.

إن إثيوبيا في عام 2021 ليست البوسنة في عام 1995، كما أن عملية سلام شبيهة باتفاق “دايتون” ستحتاج لأن يتم تكييفها مع حقائق محلية. لكن إذا لم تتقدم الولايات المتحدة وشركاء آخرون بشكل عاجل لدعم التوصل لتسوية سلمية وتوفير دعم ضروري لـ “جيفري فيلتمان”، المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي الذي جرى تعيينه مؤخرًا، فإن إثيوبيا قد تتفكك مثل يوغسلافيا، وستكون التداعيات أكثر خطورة.

إن هذا الانخراط سيكون مفيدًا للولايات المتحدة وجميع الأطراف المشاركة، كما أن الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاءنا الإقليميين لديهم مصالح أمنية واقتصادية وإنسانية واضحة في إثيوبيا، وستكون تداعيات انهيار الدولة الإثيوبية مدمرة لمنطقة القرن الإفريقي بأكملها وخارجها. تقع إثيوبيا في القلب الاستراتيجي للقرن الإفريقي، محاطة بالسودان وجنوب السودان وإريتريا وجيبوتي وأرض الصومال والصومال وكينيا.

ولا شك أن عدم الاستقرار في إثيوبيا يمكن أن يؤثر على الطرق البحرية عبر البحر الأحمر، ويسفر عن تدفقات للاجئين تتجاوز بكثير تلك التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية، ويعطل عمليات الانتقال الهشة في مراحل ما بعد الصراع في كل من السودان والصومال. ستكون الفوضى أيضًا هدفًا للاستغلال من جانب جماعات إرهابية مثل “الشباب” وجماعات أخرى مرتبطة بالقاعدة ترغب في توسيع قبضتها في المنطقة، وما يحدث لم يعد مجرد مشكلة إثيوبية أو شرق إفريقية، وسيكون له تأثير أوسع نطاقًا، وسيتطلب حلولًا وإجراءات توحّد جميع الأطراف المهتمة داخل إفريقيا وخارجها.

إن حصار الحكومة الإثيوبية لإقليم تيغراي، يحوّل هذا الإقليم إلى مكان شبيه بـ “الغيتو” في القرن الحادي والعشرين. في العام الماضي، حدّت الحكومة الإثيوبية من تدفق المساعدات الإنسانية، في انتهاك للقانون الدولي، وقطعت جميع الأنشطة المصرفية والكهرباء والاتصالات. تسبب رئيس الوزراء “آبي أحمد” في مجاعة، وقرر مَن يجوع ومن لا يجوع. لقد وقعت مجازر بين مجموعات عرقية، لا سيما ضد سكان تيغراي، لكن سكان إقليمي “أورومو” و”أمهرا” وجماعات عرقية أخرى يواجهون خطرًا شديدًا أيضًا، في حين أن دورة الانتقام، غير المسبوقة في تاريخ إثيوبيا، دفعت بعض القادة الأفارقة المخضرمين للتحدث سرًا عن تكرار أجواء رواندا قبل مجزرة عام 1994.

يقع إقليم تيغراي في قلب مرتفعات إثيوبيا، ذلك البلد الذي توسّع على مدار القرون ليضمّ طيفًا من المجموعات العرقية التي تتحدث عشرات اللغات المختلفة. في عام 1991، هزم أهل “تيغراي” النظام الماركسي الحاكم المدعوم سوفيتيًّا عبر حرب عصابات طويلة، وهو نصر مكّنهم من السيطرة على الوضع السياسي في إثيوبيا، مُستخدمين في أغلب الأوقات قبضة حديدية. لكن هذا تغيّر في عام 2018 عندما ساعدت احتجاجات شعبية كثيفة “آبي أحمد”، غير المُنتمي لإقليم تيغراي، للوصول لمنصب رئيس الوزراء. فاز “آبي أحمد” بجائزة نوبل للسلام عقب عام من “جهوده لإحلال السلام والتعاون الدولي، لا سيما بفضل مبادرته الحاسمة لحل الصراع الحدودي مع إريتريا المجاورة”. مع هذا، ولثلاث سنوات، تصادم “آبي” وقيادة إقليم تيغراي على الدور الذي ينبغي أن تؤديه المناطق العرقية في حُكم البلاد.

تصاعدت تلك التوترات في نوفمبر الماضي. اندلع صراع مسلح بين حكومة إثيوبيا (بمساعدة إريتريا المجاورة) وإقليم تيغراي الذي يعاني نقصًا في الموارد، وتواجه إثيوبيا الآن خطر تحولها لساحة صراعات عنيفة من أجل تقرير المصير.

لو أرادت الحكومة المركزية في إثيوبيا السيطرة على الوضع، يجب عليها إجراء موازنة دقيقة للمصالح الداخلية للأقاليم والاهتمام بمظالم المجموعات العرقية. علاوة على هذا، فإن وجود دولة إثيوبية موحدة ومستقرة كان دومًا عامل استقرار في عموم منطقة القرن الإفريقي.

وفي حال لم يتم وقف انزلاق إثيوبيا نحو الحرب الأهلية، فإن تداعيات هذا ستكون متوقعة. إن حشد رئيس الوزراء “آبي” الهائل للقوات من أقاليم عرقية أخرى ضد إقليم “تيغراي”، يهدد بإسقاط البلاد في صراع لا رجعة فيه، تكون له تكاليف إنسانية واقتصادية هائلة، وكل مأساة مرّت بها دولة فاشلة هي فريدة من نوعها، لكن العالم شهد أنواعًا مختلفة من هذا الكابوس في الماضي: رواندا والبوسنة وكوسوفو وليبيا وسوريا وأفغانستان وميانمار.

إن سفك الدماء وتكلفة الهجوم الذي شنته الحكومة الإثيوبية في نهاية الأسبوع الماضي ضد قوات “تيغراي”، يمكن أن يبدأ في إنهاك الأطراف المتحاربة، ما سيخلق فرصة للمفاوضات، وهذه هي اللحظة المناسبة للاستعداد لبذل جهد دولي مكثف لمنع حدوث مزيد من الفوضى، والتركيز على الدبلوماسية للتوصل لتسوية شاملة، ولا شك أن اجتماع وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكن” مؤخرًا في واشنطن مع نظيره ممثل الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، ومع الممثل الأعلى للاتحاد الإفريقي لشؤون القرن الإفريقي، الرئيس النيجيري الأسبق “أولسيغون أوباسنغو”، ورئيس الوزراء السوداني “عبد الله حمدوك” كان بداية جيدة. إنها المرة الأولى التي تلتقي فيها إفريقيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على هذا المستوى لرسم طريق إلى الأمام لحل الأزمة الإثيوبية، كما أن لقاء الرئيس بايدن في المكتب البيضاوي مع الرئيس الكيني “أوهور كينياتا” يوم الخميس كان مهمًا، حيث تتولى كينيا الآن رئاسة مجلس الأمن الدولي. هذا هو مستوى الالتزام المطلوب لتحظى عملية سلام شبيهة باتفاق “دايتون” بزخم وتكون ناجحة.

يجب أن تكون أي تسوية سياسية مقبلة شاملة، وينبغي أن تتضمن رفع الحصار والسماح الفوري بوصول مساعدات إنسانية لإقليم تيغراي ومناطق أخرى، وانسحاب القوات الإريترية، والالتزام بعدم التدخل الأجنبي من جانب قوى مجاورة، والإفراج عن معتقلين سياسيين، والتفاوض للتوصل لتوزان سياسي جديد لإثيوبيا، مع وجود حكم ذاتي إقليمي مستدام ونظام عادل لفيدرالية مالية، وإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في سوء استخدام السلطة.

إن قواعد التوصل للسلام ليست بالأمر السهل، لكنها ليست سرًّا، وقد حان الوقت للقيام بذلك.      

للإطلاع على رابط المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا