فورين أفيرز | ضررها أكثر من جدواها.. القنبلة النووية سترتد على إيران!

آية سيد

ترجمة – آية سيد

بعد سنوات من التوترات المرتفعة والدبلوماسية المتقطعة، ينبغي أن يكون واضحًا للجميع الآن أنه لن يكون هناك حل بالتفاوض حول القضية النووية الإيرانية. وعلى الرغم من أن الرؤساء الأمريكيين ورؤساء الوزراء الإسرائيليين أصروا باستمرار على أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، من المستبعد أن تستخدم الولايات المتحدة أو إسرائيل القوة العسكرية الصريحة للقضاء على برنامج إيران النووي. لقد حان الوقت للبدء في تصور عالم بإيران المُسلحة نوويًّا!

يتجه نقاد الثيوقراطية في طهران إلى وصف تلك النتيجة بأنها سيناريو مرعب. في الواقع، امتلاك القوة النووية قد يؤدي إلى خراب الجمهورية الإسلامية. إن الحصول على القنبلة ربما يأتي بنتائج عكسية على النظام، جزئيًّا عن طريق التسبب في إعادة ضبط السياسة الأمريكية، وهو ما سيسمح لواشنطن بالتركيز أخيرًا على الدولة الإسلاموية نفسها وليس فقط جهازها النووي، كما أن الترسانة النووية لن توفر للنظام الأمن الذي يتعطش إليه؛ على العكس، بعد اختبار السلاح النووي بوقت قصير، سيجد النظام الثيوقراطي نفسه أكثر عُرضة للخطر من أي وقت مضى.

الكثير من المعاناة بلا مكاسب

منذ 2005، جعل أربعة رؤساء أمريكيين حل قضية إيران النووية أولوية. لكن لا الدبلوماسية ولا العمل السري ولا التهديد باستخدام القوة العسكرية فعلوا الكثير لإبطاء تقدم إيران نحو القنبلة، ناهيك عن إيقافها. ولا يوجد شك في أن طهران، اعتمادًا على عقود من البحث والإنتاج غير المشروعين، تستطيع أن تخصب بسرعة ما يكفي من اليورانيوم لاختبار جهاز نووي. والرجال المتشددون الذين يحكمون إيران متشككون جدًّا في الولايات المتحدة والنظام العالمي الذي تقوده – وملتزمون جدًّا بتحقيق الهيمنة الإقليمية – لدرجة أنهم لن يتوقفوا عند عتبة الحصول على القنبلة. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست اليابان!

عقب وقت قصير من اختبار الإيرانيين لسلاح نووي، سيكون هناك قدر كبير من الإعراب عن الضيق وتوجيه الاتهامات. ستصبح المصداقية الأمريكية في حالة يرثى لها، وسيبدأ حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في المنطقة الشك في التزام واشنطن وقدرتها على حمايتهم، وستصبح إيران على ما يبدو في أوج قوتها.

لكن ستكتشف الجمهورية الإسلامية حينها الحقيقة التي فهمتها كل الدول المُسلحة نوويًّا في نهاية الأمر، ومن ضمنها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي: من شبه المستحيل ترجمة القدرة الذرية إلى ميزة استراتيجية. أمضى الملالي الذين يحكمون إيران عقودًا في السعي للحصول على القنبلة – صامدين أمام العزلة الدولية، والعقوبات، وحملة الاغتيالات والأعمال التخريبية – وسيحاولون بالتأكيد الضغط من أجل الحصول على ميزتهم المتصورة، وسوف يهددون بترسانتهم ويقدمون مطالب، مثل الإصرار على أن تغادر القوات الأمريكية المنطقة، وأن تُحدد أسعار النفط وفقًا لتفضيلاتهم.

لكن ماذا سيفعلون إذا قوبلوا بالرفض؟ ماذا يحدث إذا ردت إسرائيل والسعودية، بدعم من واشنطن، على استفزازات إيران؟ من المشكوك فيه بشدة أن إيران ستخاطر بإبادة نفسها عن طريق استخدام الأسلحة النووية ضدهم. في النهاية، السلاح الذي كان من المفترض أن يمنح إيران الهيمنة الإقليمية على الأرجح لن يؤدي إلى أي تغيير ملموس في القوة الإيرانية.

بيد أن تلك النتيجة ستعتمد بدرجة كبيرة على كيفية رد واشنطن على الاختبار النووي الإيراني. سيحتاج الرئيس الأمريكي إلى إلقاء خطاب يؤكد على أنه لم يتغير شيء في المنطقة بمجيء القنبلة الإيرانية وأن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة للدفاع عن حلفائها. سيتعين على واشنطن تحذير طهران من أنها ستتحمل المسئولية عن أي استخدام أو نقل لأسلحتها الجديدة. ومن أجل تدعيم تلك الرسالة والتأكيد على جدية غرضها، ستحتاج الولايات المتحدة لنشر سفن مُسلحة نوويًّا في الخليج العربي ووضع صواريخ ذات رؤوس ذرية تتحكم بها القوات الأمريكية في دول الخليج. ستكون هناك لحظات عصيبة ومواجهات؛ ستحتاج واشنطن لإظهار التسامح مع المخاطر.

رد فعل عكسي

بمجرد أن تصبح إيران نووية، لا ينبغي أن يصبح تحييد تأثير القنبلة النووية المهمة الوحيدة لواشنطن: ينبغي أن يصبح الهدف الأكبر هو التوصل إلى إجماع عالمي ضد الجمهورية الإسلامية. سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها فرض عقوبات قاسية على النظام وعزله أكثر عن طريق الضغط على الأمم المتحدة لكي تشجب إيران رسميًّا، وسوف تحتاج واشنطن لإقناع حلفائها الأوروبيين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران. تلك الخطوات لن تغلق كل سبل التجارة مع إيران: ستواصل الصين شراء بعض النفط منها، على سبيل المثال، لكن اليابان وكوريا الجنوبية ستحتاجان للتوقف عن فعل هذا. ستحتاج الولايات المتحدة أيضًا لتقييد العلاقات التجارية لإيرن أكثر عبر تجريد النظام من قدرته على استخدام النظام المصرفي الدولي وإعادة أمواله من الخارج. هذا سيدفع النظام إلى المقايضة، وأمة من 85 مليون شخص لا يمكنها العيش بتلك الطريقة للأبد. إن الجمهورية الإسلامية لن تنحني، لكنها قد تنكسر.

ربما يعترض البعض بدافع أن الاستراتيجية المشابهة لم تكسر النظام في كوريا الشمالية، الذي تحدى العالم وأصبح نوويًّا في 2006 ونجح في البقاء في السلطة بالرغم من العزلة الاقتصادية والسياسية. لكن تلك المقارنة تتجاهل الاختلافات الشاسعة بين البلدين. على عكس كوريا الشمالية، تمتلك إيران تاريخًا غنيًّا بالاحتجاجات والثورات التي أسقطت حكومات، ولا ريب أن السياسة والمجتمع في إيران ليسا صارمين بنفس القدر كما في كوريا الشمالية، ورغم أن النظام في إيران وحشي وقمعي، غير أنه لا يمارس نفس القدر من السيطرة مثل النظام في بيونج يانج.

إن الحصول على القنبلة سيقوّض سعي النظام للهيمنة الإقليمية: السلاح الذي سيمجّده الملالي على أنه الخلاص الاستراتيجي للبلاد قد يثير سباق تسلح نووي في منطقة جوار إيران، ومن الصعب تخيل أن يقف السعوديون موقف المتفرج بينما يهدد خصمهم الرئيسي بترسانة ذرية، وربما تنضم تركيا أيضًا، التي تستميت لكي تصبح قوة مهمة في المنطقة، وسيصبح الشرق الأوسط فجأة أكثر تقلبًا، وستصبح إيران أقل أمنًا.

في هذا السيناريو، أحد العوامل الحاسمة سيكون تأثير إيران المُسلحة نوويًّا على السياسة الداخلية الأمريكية. لقد قسمت بضع موضوعات دولية أخرى الجمهوريين والديمقراطيين في السنوات القليلة الماضية. انتقد الديمقراطيون بشدة الجمهوريين بوصفهم دعاة حرب ينبذون لا إراديًا الحد من التسلح، فيما شجب الجمهوريون الديمقراطيين بوصفهم وكلاء للاسترضاء، وعند تسوية المسألة النووية، سيمتلك الحزبان حوافز ليصبحا أكثر صرامةً تجاه إيران، وبهذه الطريقة؛ ستتبنى الحسابات السياسية إجماعًا جديدًا لصالح مواجهة الجمهورية الإسلامية وتقويضها.

وبعيدًا عن الجدل المثير للانقسام حول القضية النووية، ستتمكن واشنطن من التركيز على طبيعة النظام الذي يقمع شعبه والذي نصّب مؤخرًا قاتلًا جماعيًّا كرئيس. سيزيد الاشمئزاز من سجل إيران المروع في حقوق الإنسان داخل كلا الحزبين وسيخدم كمنصة لمزيد من الوحدة حول الحاجة لإضعاف موقف النظام من خلال العمل والدعم السري للمعارضين داخل إيران. بمجرد أن تصبح إيران نووية، سوف تختفي فكرة أن الملالي سيصبحون معتدلين إذا عاملهم الأمريكيون برفق. في الوقت نفسه، سيتعين على السياسيين الأمريكيين من كلا الحزبين أن يفهموا أن القنبلة الإيرانية ستجعل من الأصعب مغادرة الشرق الأوسط وتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية أو إعادة موازنتها تجاه آسيا. ولأسباب استراتيجية وسياسية، تستطيع الولايات المتحدة استعراض قوتها أمام إيران فقط إذا أبقت على تواجد قوي في المنطقة.

في نهاية المطاف، ستكون الضحية الأكبر للقنبلة الإيرانية هي الثيوقراطية نفسها. لقد أنفق النظام الإيراني مليارات الدولارات على برنامجه الذري وتكبد عقوبات ضخمة، وعندما ينجح في النهاية ويكتشف أنه لا يثمر عن أي منافع استراتيجية ويفاقم معضلاته الاقتصادية، سيواجه رد فعل عكسي سياسي داخلي هائل. لقد خسرت الجمهورية الإسلامية بالفعل الكثير من شرعيتها بالانتخابات المدبرة، والأداء الاقتصادي المذري، والفساد الضخم، والتعامل السيئ مع جائحة كوفيد-19. عندما تتسبب القنبلة التي وعد النظام بأنها ستعزز وضع البلاد في استنزاف خزينته أكثر، سيصبح الغضب العام شديدًا وساحقًا.

إن الشعب الإيراني ليس شعبًا منصاعًا يتساهل مع الانتهاكات الكثيرة لحكومته. في السنوات القليلة الماضية، نزل أفراد من كل الطبقات الاجتماعية تقريبًا إلى الشوارع للاحتجاج ضد النظام. سيحاول الملالي بلا شك سحق أي حركة جماعية تسعى للإطاحة بهم. لكن برغم مظهر القوة الزائف، يجد النظام نفسه في أضعف موقف يواجهه على الصعيد الداخلي منذ بدايته. وتمامًا مثلما سترسخ القنبلة الإيرانية إجماعًا مناهضًا للنظام في واشنطن، ستشجع أيضًا معارضة الملالي في الداخل.

ربما يحتج البعض بأنه حتى لو جاء الحصول على القنبلة بنتائج عكسية وساهم في سقوط الثيوقراطية، ستشكل إيران المُسلحة نوويًّا التي يحكمها شيء آخر غير النظام الحالي مشكلة كبرى للولايات المتحدة وشركائها وحلفائها في المنطقة. لكن إذا سقط النظام، فمن المرجح جدًّا أن يخرج خليفته من بوتقة المعارضة. وهكذا، سيركز على التنمية الاقتصادية الداخلية، وتسوية الخلافات مع المجتمع الدولي، والاستجابة إلى الأعراف العالمية. ومن المرجح أن تعكس الحكومة الإيرانية الجديدة مسارها حول الأسلحة النووية لكي تتعامل مع المشكلات التي لا حصر لها التي ستواجهها في الداخل، وسوف تمتلك كل الأسباب لتستفيد من الدرس الذي يبدو النظام الحالي مصممًا على تعلمه بالطريقة الصعبة، وبالنسبة إلى إيران؛ فإن ثمن الحصول على سلاح نووي سيفوق منافعه بكثير.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا