الجارديان | خطاب كولن باول في الأمم المتحدة كان عاملًا حاسمًا في تقويض مصداقية الولايات المتحدة

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

سيتذكر “كولن بأول” أكثر من غيره العمل الذي ندم عليه، خطابه في عام 2003 أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي عرض فيه الأدلة الأمريكية على وجود أسلحة دمار شامل في العراق، والتي تبين فيما بعد أنها غير موجودة بالفعل.

ولم يؤدِّ هذا الخطاب مباشرةً إلى غزو العراق؛ لأن “جورج دبليو بوش” كان سيغزو العراق بأي حال من الأحوال، كما أنه لم ينجح في تحقيق هدفه بإقناع المجلس بإصدار قرار ثان يدعم العمل العسكري ضد العراق.

ولكن خطاب باول هذا كان بمثابة النقطة الحاسمة في تقويض مصداقية الولايات المتحدة على المسرح العالمي، وخاصة بسبب الإصرار المتكرر لوزير الخارجية آنذاك على أن مزاعمه تستند إلى معلومات استخباراتية مؤكدة.

“زملائي، كل بيان أدلي به اليوم مدعوم بمصادر، مصادر قوية”، وقال في إحاطة سيئة السمعة في 5 فبراير 2003. “إن هذا ليس اعتقادًا من جانبنا، بل ما نطرحه عليكم هو حقائق ونتائج مبنية على معلومات استخبارات وثيقة”.

 ولتوضيح هذه النقطة، عرض باول تسجيلًا لمحادثة تم اعتراضها بين ضباط الجيش العراقي حول تفتيش الأمم المتحدة للأسلحة، كما عرض رسومًا توضيحية لمعدات أسلحة الدمار الشامل المزعومة للتأكيد على مدى خطورة التهديد. ولكنه ضخم في وصف المحادثة المسجلة لجعلها تبدو أكثر إدانة، وقد انبثقت الرسوم التوضيحية من خيال المنشقين العراقيين، وهم يلقون على إدارة بوش بما تحب سماعه.

بعد ذلك بعامين، خرج من الحكومة، ووصف باول هذا الخطاب بأنه “وصمة عار” في حياته المهنية. فقد صرح باول لشبكة “أيه بي سي نيوز”: “أنا من قدمها للعالم نيابة عن الولايات المتحدة، ستظل دائمًا جزءًا من سجلي.. كانت مؤلمة، وهي مؤلمة الآن”.

لاحقًا، شعر حلفاء أمريكا وخصومها بالقلق من موقف “دونالد ترامب” المفرط في الأمم المتحدة، على سبيل المثال من خلال تهديداته الرهيبة ضد كوريا الشمالية في عام 2017. ولكن الخطاب كان مقدمة لمغازلة ترامب الدؤوبة لـ “كيم جونج أون”. وعرض خطاب باول باعتباره سلسلة من الحقائق الرصينة، وأنه كان مقدمة للحرب.

من جانبه، اعتبر “ريتشارد جوان”، مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، أن “خطاب باول حول العراق يمثل نقطة تحول في علاقات الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة. ولا أعتقد أن مصداقية واشنطن في الأمم المتحدة قد تعافت تمامًا بعد حرب العراق والادعاءات الكاذبة بشأن أسلحة الدمار الشامل”.

ومن الواضح أن أوباما أعاد بناء مصداقية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بدرجة كبيرة، إلا أن ترامب دمرها. والآن عاد بايدن إلى إعادة البناء مرة أخرى، إلا أن الدبلوماسيين غير الغربيين ما زالوا يطرحون العراق كدليل على أنه لا يمكنك الوثوق تمامًا بالولايات المتحدة في الأمم المتحدة، فقد أصبحت الخطيئة الأصلية للعلاقات بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ومن الإنصاف أن باول أدرك ذلك بعد الحدث.

وقد استغل البيت الأبيض في عهد بوش، باول لمصداقيته بين دبلوماسيي العالم وسمعته في توخي الحذر، وقد تم تضليله بشكل شامل. وقيل له على سبيل المثال أن مجلس الأمن القومي برئاسة “كوندوليزا رايس” هو الذي أعد خطابه، ولكن مكتب نائب الرئيس “ديك تشيني” هو الذي كتبه في الواقع.

لم يكن أمام باول سوى أربعة أيام لتحضير الخطاب، ولكنه قال أثناء دخوله قاعة مجلس الأمن، إنه يشعر بالثقة. وقد كانت الادعاءات الرئيسية حول عربات الحرب البيولوجية والأسلحة الكيماوية في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الأمريكي، حيث قام وكالة الاستخبارات المركزية ببحث النص الذي ألقى “الكثير من الأشياء التي لم تكن ذات مصادر مزدوجة وثلاثية”. وجعل مدير الاستخبارات المركزية “جورج تينيت” يجلس خلفه على مرمى البصر من الكاميرات عندما وقف خطيبًا أمام المجلس.

وبعد أسابيع قليلة فقط اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية بأن الركائز الأساسية لقضيته “تنهار”.

قال باول في مقابلة أجراها عام 2005 مع (إيه بي سي): “كان هناك بعض الأشخاص في مجتمع الاستخبارات الذين كانوا يعلمون في ذلك الوقت أن بعض هذه المصادر لم تكن جيدة، ولا ينبغي الاعتماد عليها، ولم يتحدثوا. لقد دمرني ذلك.”

ومع ذلك، اتخذ باول قرارًا بتصديق وكالة الاستخبارات المركزية بشأن التقريرين الاستخباراتيين اللذين قدمهما مكتب الاستخبارات والبحث التابع لوزارة الخارجية، قبل الخطاب ويشككان في صحة الأدلة.

وعند سؤاله عن قرار باول بتجاهل نتائج مكتب الاستخبارات والبحث، قال أحد كبار محلليها، “جريج ثيلمان”، لبرنامج “60 دقيقة” لشبكة (سي بي إس): “لا يمكنني إلا أن أفترض أنه كان يفعل ذلك لدعم رئيس الولايات المتحدة بإخلاص وبناء أقوى حالة محتملة للجدل بأنه لا يوجد بديل لاستخدام القوة العسكرية”.

من جانبه، قال السير “كريستوفر ماير”، الذي كان سفير بريطانيا لدى واشنطن في ذلك الوقت: “بالنسبة لكولين باول، فقد وضع السمعة والواجب في صراع.. أعتقد أن الإحساس بالواجب جاء من كونك جنديًا مقاتلًا.. وعندما يقول القائد العام للولايات المتحدة الأمريكية “اذهب إلى نيويورك وقدم عرضًا”، لم يرفض باول”.

وأضاف ماير: “ربما كان يجب أن يرفض، وأعتقد أنه في وقت لاحق، فكر في نفسه قائلاً: “كان يجب أن أستقيل”… أعتقد أن ذلك قد سحقه، فهو ظل يشعر طوال حياته أنه كان مذنبًا.. لقد شعرت بالأسف الشديد تجاهه”.

ولم يكن خطاب باول السبب في حرب العراق، التي تم التخطيط لها بالفعل بحلول الوقت الذي دخل فيه قاعة مجلس الأمن، ولكن بصرف النظر عن التأثير على مصداقية الولايات المتحدة، فقد قدم مساهمته الخاصة في المسار الهبوطي للشرق الأوسط.

ففي جزء من الخطاب، أشار باول إلى الجهادي، “أبو مصعب الزرقاوي”، 21 مرة، في محاولة لإثبات وجود صلة بين القاعدة وصدام حسين، وفقًا لتحقيق أجراه برنامج (فرونت لاين) على قناة (بي بي إس)، وهو ما ساعد في رفع صورة الزرقاوي وفي أن يصبح لهذا الجهادي المسلح الذي كان مغمورًا في السابق أتباعًا وجماهيرية؛ ما مهد الطريق لظهور تنظيم “داعش” فيما بعد.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا