ذا هيل | المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا.. ما المهمة التالية للـ«سي آي إيه»؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

على مدار الـ20 سنة الماضية، ركزت وكالة المخابرات المركزية، مثل كل البنية التحتية للأمن القومي الأمريكي، على الحرب العالمية على الإرهاب. وفي ظل انتهاء تلك الفترة أو على الأقل ابتعادها عن كونها سمة أساسية، تتجه السي آي إيه الآن، مثل وزارة الدفاع، إلى المنافسة الاستراتيجية مع روسيا والصين.. هذا يقدّم تحديات تنظيمية وتشغيلية جديدة، لكنه في غاية الأهمية.

ولتنجح أمريكا في هذا العصر الديناميكي متعدد الجوانب من المنافسة مع موسكو وبكين، يجب أن تظل السي آي إيه في الخطوط الأمامية، وتتكيف وتحصل على الموارد وفقًا لذلك.

وكجزء من هذا المحور، في بداية أكتوبر، أعلن ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية، عن إنشاء وحدات مهام جديدة لمواجهة الصين والتهديدات العابرة للحدود مثل الجوائج وتغير المناخ. هذه التغييرات التي أعلن عنها بيرنز تأتي بعد ست سنوات من إعلان سلفه، جون برينان، عن إعادة تنظيم مشابهة للوكالة إلى 10 وحدات مهام، وبعد أربع سنوات من إعلان مايك بومبيو عن إنشاء وحدتي مهام إيران وكوريا، وكلتاهما سيستوعبه مركزا الشرق الأدنى وشرق آسيا الأكبر، وفقًا للتقارير. كان هدف التغييرين التنظيميين هو تقريب الضباط والمحللين أكثر وتنسيق أنشطة الوكالة.

هذه الوحدات، التي جرى إنشاؤها على غرار وحدة مكافحة الإرهاب، كانت تهدف لتنسيق جمع وتوجيه وتحليل ونشر المعلومات تحت مجموعات تركز على مهام. بطرق متعددة، هذا الإصلاح يقتبس من النموذج التشغيلي لقيادة العمليات الخاصة المشتركة التابعة لوزارة الدفاع. أصبحت قيادة العمليات الخاصة المشتركة، التي نشأت ونضجت في حربي أفغانستان والعراق، تتمتع بكفاءة استثنائية في إيجاد وتحديد والقضاء على الأهداف (بقتلها أو التخلص منها بطريقة أخرى)، والاستفادة من المعلومات الاستخباراتية في مهام المتابعة، فيما باتت قيادة العمليات الخاصة المشتركة فعّالة جدًّا لدرجة أن غارة واحدة تنتقل إلى غارة تلو الأخرى، حيث تشن الوحدات غارات متعددة على مدار ليلة واحدة قبل العودة إلى القاعدة.

عقب 11 سبتمبر، حوّلت الوكالة طاقتها، مثل الأغلبية العظمى من جهاز الأمن القومي، إلى منع الموجة التالية من الهجمات التي خشي الجميع من أنها ستحدث وستكون أسوأ. حوّلت الوكالة بعض انتباهها من التهديدات الاستراتيجية التي تلوح في الأفق إلى توفير المعلومات الاستخباراتية التشغيلية والتكتيكية إلى الجيش، وأيضًا إلى برنامج الوكالة السري لمكافحة الإرهاب، والتي كانت تُجمع بشكل كبير بواسطة الطائرات المسيرة وضباط العمليات شبه العسكرية.

أدى هذا التحول إلى نجاحات استثنائية، والتي سيظل معظمها غير معلوم لدى الشعب الأمريكي. أدى هذا أيضًا إلى تولي الوكالة مهام لم يكن لها سوابق قانونية والتي ربما لم تكن ستفعلها بخلاف ذلك، مثل التسليم الاستثنائي، و”المواقع السوداء”، والاستجواب المعزز.. إلخ. والجدير بالذكر أن هذه البرامج جرى التصديق عليها من خلال عملية رقابة من الكونجرس؛ لذا من غير المعقول أن السياسيين يتخلون عن ضباط الوكالة بسبب الإجراءات المتخذة دفاعًا عن البلاد عندما لا يصبح الأمر مستساغًا سياسيًّا.  

التحدي هو أن النجاحات التي تُحقق في ميدان المعركة في حملة مكافحة الإرهاب لا تشبه تلك التي تُحقق في المنافسة الاستراتيجية. إن التكهن بما تفكر به اللجنة المركزية في بكين، أو أي من النخبة يحظى بالقبول أو الرفض داخل الكرملين، هي لعبة طويلة تحتاج إلى قدر كبير من الصبر والبراعة أكثر من القضاء على هدف إرهابي عالي القيمة، كما أن تجنيد جاسوس منخفض الرتبة في سفارة في أفريقيا سيتطلب قدرًا كبيرًا من الوقت والرعاية والدعم والإدارة الحريصة، بينما يعود إلى عاصمته ويصعد ليصبح عميلًا بإمكانية وصول مميزة ومهمة.

هنا ربما لا يكون “نهج واحد مناسب للجميع” ملائمًا. في حالة الصين، ربما يكون منطقيًّا ويقدم كفاءات وانتباه رفيع المستوى شريطة أن يُزوّد بالموارد والموظفين المناسبين. في الحقيقة، أثناء الحرب الباردة وأعقابها المباشرة، كان “المنزل الروسي،” وهو الاسم غير الرسمي لوحدة مهام أوروبا وأوراسيا، مُركزًا بشكل فردي على أصعب الأهداف، وانقسم وفقًا لذلك.

بيد أنه، ببعض الطرق، يعكس انتشار وحدات المهام أيضًا نموذجًا باليًا لأنشطة الوكالة. إن الطريقة التي تُجمَع وتُحلَّل بها المعلومات الاستخباراتية اليوم لم تعد منعزلة كما كانت في الماضي، في حين أن الضباط والمحللين ليسوا منفصلين كما كانوا أثناء الحرب الباردة وأعقابها المباشرة. في الواقع، لعل هذا أكبر درس مُستفاد من الحرب العالمية على الإرهاب: العزلة تخلق فجوات، والفجوات تخلق مساحة لتفاقم التهديدات.

هناك بالطبع أسباب للفصل (أو على الأقل درجة من الفصل) بين الضباط والمحللين. مثلًا، يتم الحفاظ على الأمن التشغيلي عندما لا يعلم المحللون هويات العملاء أو حتى أسماءهم المشفرة، وكلما زاد عدد الأفراد الذين يمكنهم الوصول إلى المعلومات الحيوية، ارتفعت احتمالية أن تتسرب تلك المعلومات سواء إهمالًا أو إعمالًا. هذا ليس شاغلًا فارغًا – أوردت نيويورك تايمز مؤخرًا برقية فائقة السرية تحذر محطات ومراكز السي آي إيه أن عددًا مفزعًا من العملاء (الجواسيس المجندين) جرى القبض عليهم أو قتلهم.

تتعرض الجهود الاستخباراتية البشرية للوكالة لضغط أكبر من أي وقت مضى في تاريخها، إلى حد كبير بسبب ظهور تكنولوجيا المراقبة العالمية. لقد أصبح تشغيل العملاء والعمل كضابط عمليات أصعب بكثير من أيام الحرب الباردة أو حتى أعقابها المباشرة. وفي ظل نمو وانتشار الكاميرات الرخيصة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، واختراقات قواعد البيانات العالمية، أصبح تجنيد وتشغيل العملاء صعبًا بصورة متزايدة.

مع هذا، مثلما كتب ضابط العمليات السابق مارك بوليميروبولس مؤخرًا، “بالرغم من تحديات التكنولوجيا، مثل المؤشرات الحيوية والمدن الذكية، لا يزال بإمكان السي آي إيه اليوم مقابلة العملاء في أي مكان، وأي وقت، بالتخطيط السليم والتنفيذ الذكي”. إن الاستخبارات البشرية كانت دائمًا وستظل صعبة، لكنها قطعًا قابلة للتنفيذ. كانت السي آي إيه في الخطوط الأمامية للحرب على الإرهاب، وستكون رأس الحربة في المنافسة الاستراتيجية، وهذا يعني العودة إلى التركيز على الاستخبارات الاستراتيجية التي تلوح في الأفق وبعيدًا عن الاستهداف السريع والقضاء على الهدف. إنها تحتاج إلى إعادة تبني الجانب البشري من الاستخبارات البشرية إذا كنا نريد كسب هذه المنافسة مع بكين وموسكو.

لاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا