مركز تحليل السياسة الأوروبية| اليمين المتطرف يكافح للوصول لقصر الإليزيه

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

هناك رأي يَلقى قبولًا واسعًا مفاده أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر عقدها في العام المقبل ستكون مخيفة بعض الشيء، لكنها ستكون حميدة في جوهرها. سيدفع اليمين المتطرف، الذي يلتفّ تحت راية “مارين لوبان”، بالمرشح الوحيد الموثوق به لمنافسة إيمانويل ماكرون، وربما سيخسر أمامه، في تكرار لما حدث في انتخابات عام 2017.

لكن، بالطبع، التاريخ لا يكرر نفسه بهذه الفجاجة. فمسار الأحداث غالبًا ما ينحرف بفعل تطور مفاجئ، وهو دور يلعبه هذه المرة المرشح “إيريك زيمور”، وهو مقدّم برنامج حواري تلفزيوني ذو شخصية جريئة، ومؤلف لكتب حققت أعلى المبيعات، وهو معروف أيضًا بتحريضه العنصري وترويجه لوقوع حرب عِرقية وشيكة.

إن صعوده في استطلاعات الرأي كان مذهلًا؛ إذ تخطى في الأسبوع الماضي “لوبان” للمرة الأولى. وبالرغم من أن “زيمور” لم يعلن ترشحه بعد، وفي الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي فوز ماكرون في انتخابات أبريل المقبل المكوّنة من مرحلتين، إلا أن لعب “زيمور” دور المُعطل يجلب معه حالة عدم يقين إلى السباق الرئاسي.

إن هذا الاضطراب في مشاعر الجماهير يهدد بحدوث ما هو غير متوقع (تفوقت “ماري لوبان” في استطلاعات رأي في مناسبات عديدة، آخرها في يونيو 2021). تتعرض الجمهورية الخامسة لهجوم، وذلك حسبما تشير الشعبية المتواصلة لمرشحي اليمين الشعبوي المتطرف. إن هذا الأمر أكثر خطورة من آثار جائحة كوفيد19، وهو يشير إلى انعدام ثقة شريحة كبيرة من السكان تجاه حكومتهم، وبالرغم من أن ماكرون يتمتع الآن بدعم في الجولة الأولى للانتخابات بنسبة 24 بالمائة (متفوقًا على لوبان وزيمور) إلا أن شعبيته تظل متدنية، حيث يبلغ الرضا الشعبي عن أدائه 43 بالمائة فقط.

هناك عوامل عديدة تسببت في تراجع شعبية ماكرون؛ أهمها عجزه عن التواصل مع المواطنين العاديين وما نتج عن هذا من أخطاء سياسية، مثل سياساته التي أدّت لظهور حركة السترات الصفراء وإضراب عمال النقل احتجاجًا على قانون المعاش، فضلًا عن تعامله مع الجائحة. علاوة على هذا، فإن ترشحّ ماكرون للمرة الثانية في الانتخابات، لا يجعل منه ذلك المرشح الجديد والجذاب كما كان الحال في انتخابات عام 2017. سيصوّت الناخبون بناءً على أدائه، وليس على وعوده الانتخابية.

في غضون هذا، يبدو أن “لوبان” تغامر بعد انتقالها بعيدًا عن مواقفها اليمينية المتطرفة التي كانت تعتنقها في الماضي. على سبيل المثال، غيّرت “لوبان” اسم حزبها السياسي لإبعاد نفسها عن والدها المتطرف الذي ترأس الحزب في الماضي، كما تخلت عن خطط متطرفة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى كل هذا، استفادت “لوبان” من أداء ماكرون الضعيف مع الجائحة، موجهةً تركيزها على خطاب شعبوي ضد إخفاقات الحكومة المزعومة (ترفع حملتها الدعائية شعار “كانوا يعلمون، وكذبوا”).

إن هذا التحول إلى الوسط جعلها بالطبع محاصرة من اليمين. كانت مقامرة “لوبان” ترتكز على فكرة أن ما من مرشح جديرًا سيظهر من معسكر اليمين، وهو رهان خسرته مع ظهور تحدي “زيمور”. ونظرًا لابتعاد جزء من مؤيدي “لوبان” عنها بسبب تحولها السياسي التدريجي، وسعي هؤلاء لتأييد مرشح أكثر تطرفًا – لا سيما في قضية الهجرة – انتقل كثيرون إلى الخيار الأكثر تطرفًا، إذ يتحدث “زيمور” المتطرف عن أن هناك حربًا تجري بالفعل الآن مع المسلمين (يبلغ تعدادهم 6 ملايين نسمة، أو أقل من 10% من السكان). إن مواقف “زيمور” كانت متطرفة لتجعل “جان ماري” – والد مارين لوبان – يشير إلى إمكانية تأييده لهذا المرشح المتمرد في حال كانت فرص فوزه أكبر من فرصة ابنته.

مع هذا، في حال خوضه الانتخابات، سيواجه “زيمور”، اليهودي الجزائري المولد المنحدر من أصور بربرية، تحديًا صعبًا. سيكون مرشحًا للمرة الأولى، ولديه آراء أكثر تطرفًا من “لوبان”، كما يفتقر إلى الخبرة اللازمة لإدارة حملة انتخابية وطنية، وسيتعين عليه صياغة مجموعة متنوعة من السياسات في وقت قصير للغاية. يحظى الخطاب المناهض للهجرة بشعبية لدى شريحة صغيرة من الناخبين، لكن استخدامه لم يكن أمرًا رائجًا في الانتخابات الرئاسية. في الوقت الراهن، على الأقل، تعدّ “لوبان” مرشحة اليمين الأكثر خبرة وشعبية، وبالتالي ستكون الأقرب لتحدي ماكرون في انتخابات الربيع المقبل، لكن هذا ليس أمرًا مضمونًا، ففي الوقت الراهن، اليقين الوحيد هو حالة عدم اليقين.

هناك احتمال مثير وهو أن يتسبب هذان المرشحان اليمينيان في خسارة بعضهما في الجولة الأولى للانتخابات، ما يفسح الطريق لـ “كزافييه بيرتراند”، المرشح المحتمل لحزب يمين الوسط التقليدي “حزب الجمهوريين” والوزير السابق في حكومة الرئيس “نيكولا ساركوزي”، لكن هذا خيار غير محتمل للغاية، وهناك بعض الاحتمالات التي قد تُسعد القلوب في الولايات المتحدة وألمانيا.

من وجهة نظر حلفاء فرنسا في أوروبا وأمريكا الشمالية، هذا أمر من الصعب تقبله. إن تأثير فوز “لوبان” بالرئاسة على فرنسا وأوروبا والتحالف الأطلنطي سيكون كبيرًا، بالرغم من تخفيفها من حدّة سياساتها وخطابها. الأثر الأبرز يتمثل في أن “لوبان” لا تؤيد التعاون الدولي، وتعبر عن احتقارها للمنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي. كما تعارض بشدة حلف شمال الأطلنطي، داعية لانسحاب فرنسا من القيادة المتكاملة للحلف كما فعلت عام 1966. كما أن “زيمور”، الذي وصفه عالم سياسي بأنه “النسخة المثقفة من ترامب”، يعارض هو الآخر حلف الأطلنطي. من الواضح أنه في حال فوز أحدهما بالرئاسة، سيمثل هذا اختبارًا للعلاقات الفرنسية – الأمريكية.

وحتى لو خسر مرشح يميني في الانتخابات، فإن فرنسا لا تشعر في الوقت الراهن بارتياح تجاه التحالف الأطلنطي. لقد عبّر “ماكرون” بالفعل عن خيبة أمله من حلف شمال الأطلنطي، وهناك أسباب لذلك، منها دعوة فرنسا منذ زمن طويل لوجود قوة عسكرية أوروبية مستقلة، واستمرار الانزعاج الفرنسي من الطريقة التي عوملت بها من البلدان الناطقة بالإنجليزية عقب توقيع اتفاق “أوكوس”، فضلًا عن الخروج الغربي الفوضوي من أفغانستان. بالتالي فإن أي نتيجة تُسفر عنها الانتخابات ستكون ذات إشكالية من وجهة النظر الأمريكية. ربما تفضي الانتخابات لفوز ماكرون، المؤيد للعديد من قيم إدارة بايدن، لكنه يفقد ثقته على نحو متزايد بالولايات المتحدة. وربما تسفر الانتخابات عن فوز زعيم – سواء كان “لوبان” أو ربما “زيمور” – لا يتفق كثيرًا مع جزء كبير من قيم ومهام التحالف الأطلسي، ولا يبدو في الوقت الراهن أن هناك مرشحًا رئاسيًّا يمهّد الطريق لعلاقات سلسة مع حلفاء فرنسا.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا