مودرن دبلوماسي | القوة وحدها لن تكون كافية لتحرير نيجيريا من الاضطراب الدائم

آية سيد

ترجمة: آية سيد

تواجه نيجيريا عددًا ضخمًا من التحديات الأمنية، مثل الاختطاف، وقطع الطرق والحركات الانفصالية. كان الحل الذي تلجأ إليه الحكومة عسكريًّا باستمرار، مثلما تجلى في تغريدات بخاري يوم 2 يونيو والتي هدّد فيها بمعاملة انفصاليّ بيافرا “باللغة التي يفهمونها”. إلا أن أوجه انعدام الأمن المستمرة التي تواجه البلاد تُعد دليلًا على أن هذا الرد واللغة ليسا فعّالَّين من ناحية حل الصراع وربما أيضًا يفاقمون التوترات ويؤججون العنف. بدلًا من هذا، لضمان الفاعلية طويلة الأمد للجهود الأمنية، تحتاج نيجيريا إلى سياسة شاملة تجمع الأدوات العسكرية بالتنمية الاقتصادية والحوكمة المسئولة.

كانت تغريدة بخاري المثيرة للمشاكل تشير إلى موجة من الهجمات للجناح المسلح لجماعة سكان بيافرا الأصليين في جنوب شرق البلاد. تحول الإحساس بالتهميش السياسي والاقتصادي في هذه المنطقة، والذي كان سببًا جذريًّا للحرب الأهلية البيافرية من 1967 إلى 1970 وقتل ما يصل إلى 6 ملايين نيجيريًّا، تحول بصفة دورية إلى عنف. إن الحركة الانفصالية في الجنوب الشرقي هي مجرد واحدة من أوجه انعدام الأمن المتعددة التي تواجه البلاد، والتي وظّفت الحكومة باستمرار ردًّا عسكريًّا عليها كحل شامل، مخفقةً في وضع استراتيجية شاملة توظف نهجًا يشمل الحكومة بأكملها. استنفر الجيش النيجيري ضد الجماعات الإسلاموية المسلحة، مثل بوكو حرام في الشمال الشرقي منذ 2009، وشدد الحملة في الفترة بين 2015 و2018. إلا أن العنف استمر وارتفع منذ 2018. والآن، ردًّا على عمليات الاختطاف المتزايدة في ولايات الشمال الغربي مثل زامفارة، وكادونا، ونيجر، وصكتو، وكبي، وكاتسينا، قصفت الحكومة مخابئ الخاطفين المشتبه بهم. إلا أن هذه الضربات الجوية لم تمنع وقوع المزيد من عمليات الاختطاف. وفي حين أن حكومة بخاري اختارت الخطاب الحربي التقليدي والرد العسكري على عمليات الاختطاف، انحازت حكومات الولايات إلى استراتيجية الحكومة الاتحادية مثلما هو الحال في ولاية كادونا، أو دفعت الفدية إلى الخاطفين مثلما رأينا في ولاية زامفارة.    

على سبيل المثال، من أجل قمع الارتفاع في حالات الاختطاف، تعهد حاكم كادونا، ناصر الرفاعي، بعدم الاستمرار في التفاوض مع الخاطفين، وعدم دفع الفدية، وقال إن تلك الممارسات جعلت المشروع مُربحًا جدًّا للمجرمين. بالإضافة إلى هذا، أي أسرة متضررة تستجيب لمطالب قطاع الطرق ستخضع للمحاكمة. أصر الحاكم على نشر الجيش لمعالجة انعدام الأمن. هذا النهج، أيضًا، كان غير فعال بسبب غياب هيكل الحوكمة المحلية، والمساحات الشاسعة غير الخاضعة للحكم، ومن ضمنها الغابات التي تُستخدم كمخابئ، والتواجد والقدرات غير الكافية للشرطة. على الجانب الآخر، يُعدّ دفع الفدية تناقضًا حيث إنها جريمة في حق النيجيريين، ما يحفز المزيد من الأفراد للإنضمام إلى تجارة الاختطاف ويشعل دائرة مستمرة من الاضطراب في المنطقة.

إن النهجين المتلازمين المتمثلين في الرد العسكري العدواني ودفع ملايين الدولارات للمجرمين الذي يشعل الإجرام في الشمال الغربي سيفاقمان المشاكل الأمنية لنيجيريا. لا يمكن حل التحديات الأمنية للبلاد وهي تخاطر بأن تزداد سوءًا إذا لم تعالج الحكومة المشاكل الكامنة لـ”الأجهزة الأمنية الضعيفة، والمنهكة والمحبطة”/ كما يصيغها السفير الأمريكي السابق في نيجيريا جون كامبل، وكذلك أيضًا الحوكمة السيئة، ومعدلات الفقر المرتفعة، والنقص الشديد والمتزايد في الفرص الاقتصادية للسكان الشباب. إن الإجرام، مهما كان متفشيًا، لا يستدعي ردًّا عسكريًّا ثقيلًا، حيث إنه في جوهره فشل في النظام والقانون. وهكذا، ينبغي أن تكون مسئولية الشرطة الوطنية وقوات إنفاذ القانون، إلا أن التحدي هو عدم مساءلة الشرطة، مثلما تجسد في الحركة الاحتجاجية ضد وحدة القوات الخاصة لمكافحة السرقة (المعروفة باسم سارس) 2020. يجب التركيز على هياكل الشرطة المجتمعية، حيث تُعقد شراكة تعاونية بين وحدات الشرطة والأطراف المعنية داخل المجتمعات التي يخدمونها، لبناء الثقة في الشرطة ولاستحداث حلول لانعدام الأمن.

 من الضروري للأطراف المعنية المحلية المشاركة في هيكل الشرطة المجتمعية أن تخدم أيضًا كمنظمة رقابية لمساءلة الشرطة والإعلان عن أي تجاوز محتمل للسلطة. هذه لن تكون فقط آلية مساءلة بل ستساعد أيضًا في تعزيز الثقة في إنفاذ القانون لدى المجتمع، ما يجعل المواطنين أكثر ترجيحًا للإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة في المناطق التي لا يوجد بها تواجد شرطي كاف. علاوة على هذا، يجب إزالة العقبات أمام مشاركة الشباب في العملية السياسية من أجل تمهيد الطريق أمام دمجهم في عملية صنع السياسات في مجتمعاتهم المعنية. في ظل الخروج من أزمة كوفيد-19، يجب على الحكومة النيجيرية التركيز على مشروعات التنمية التي تهدف إلى خلق فرص اقتصادية لسكانها الشباب المتزايدين. إن غياب تلك المشروعات كان الحافز وراء اتجاه الشباب إلى الإجرام.  

تمتلك نيجيريا حاليًا فرصة لتغيير استراتيجيتها ومعالجة انعدام الأمن قبل أن يتفاقم. وفي حين أن انعدام الأمن يغطي معظم أنحاء البلاد، لا يبدو أن الجماعات التي تعيث فسادًا في البلاد مرتبطة ببعضها البعض بخلاف طابعها الإجرامي. على أفضل تقدير، تتعلم الجماعات الخبيثة في الشمال الشرقي والشمال الغربي من بعضها البعض، وإذا سُمح لتلك الجماعات بمواصلة تقويض سلطة الدولة والأمن العام، ربما تقرر في النهاية تنسيق العمليات، وهو ما يفاقم التحديات أمام رد الحكومة وكذلك أيضًا العواقب على المدنيين. إن الجماعات المسلحة المرتبطة ببوكو حرام وجماعات القاعدة الفرعية في منطقة الساحل أثبتت براعتها في استغلال المظالم المحلية للحصول على الدعم.

بينما تبدو الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات ملتزمين بعالجة انعدام الأمن في البلاد، ما ينقصهم هو التصميم على دمج حلول الحوكمة والتنمية الاقتصادية، والتي يخدم غيابها كمحرك لانعدام الأمن في البلاد.

إن الالتزام الثابت من قيادة الدولة بمعالجة انعدام المساواة الاجتماعية – السياسية والاجتماعية -الاقتصادية ضروري لتحقيق السلام في البلاد، ويجب أن يصبح تركيز هذا الالتزام المذكور على التمسك بمساءلة الشرطة والحوكمة والتنمية.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا