منتدى شرق آسيا| قمة مجموعة العشرين والطريق نحو التعافي من أزمة كوفيد 19

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

عندما اجتمع زعماء مجموعة العشرين في نوفمبر 2008، أدركوا أن التعافي من الأزمة المالية العالمية لا يمكن تحقيقه من جانب الاقتصاديات الغنية بمفردها. إن تشكيلة مجموعة العشرين تعكس تحول مركز الجاذبية الاقتصادية العالمية نحو آسيا والاقتصاديات الناشئة حول العالم، وقد عكست أجندة المجموعة في عام 2008 حقيقة أن التعافي العالمي لا يمكن تحقيقه إلا عبر تعاون عالمي حقيقي.

وبينما يستعد زعماء مجموعة العشرين للاجتماع في روما في وقت لاحق من هذا الأسبوع، لا تزال أجندتهم غير واضحة، وبالرغم من حملة التطعيم ضد كوفيد19 بدأت قبل نحو عام، وتعهدات بتقديم مليارات من جرعات اللقاح إلى بلدان نامية، إلا أن الغالبية الساحقة من فقراء العالم لم يتم تطعيمهم بعد.

في غضون هذا، فإن التعافي الاقتصادي من أسوأ أزمة اقتصادية منذ أزمة الكساد العظيم بدأ يضعف. إن تركيز أجندة مجموعة العشرين على التحديات متوسطة وطويلة الأمد مثل إصلاحات الضرائب الدولية على الشركات والتغير المناخي أكثر من تركيزها على الحاجة الاقتصادية قصيرة الأمد لتحقيق تعافي اقتصادي عالمي.

إن مصائر الدول الغنية والفقيرة متباينة. فالاقتصاديات المتقدمة في طريقها لاستعادة مسارات النمو قبل كوفيد19، فيما لا تزال الاقتصاديات النامية عمومًا تعاني من الأزمة. إن أزمة عام 2020 كانت أول كساد اقتصادي بقيادة قطاع الخدمات، حيث دمّرت عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي الأعمال التي تعتمد على التواصل المباشر بين البشر. على النقيض من هذا، تحقق التعافي مدفوعًا بالطلب على البضائع، والذي أسفر عن مشاكل في سلاسل الإمداد وتضخم أعلى من المتوقع. أما في العالم النامي، كان التعافي أكثر بطئًا. بدأ بالفعل تطبيق تقشف اقتصادي في العديد من الأسواق الناشئة، بالرغم من أن الضرر الناجم عن الجائحة – والذي أصاب أرزاق الناس وميزانيات الشركات – لا يزال مستمرًا دون إصلاح عمومًا.

تتمتع مجموعة العشرين بميزة مقارنة بتجمعات دولية أخرى، وتتمثل في اتساع نطاق عضويتها، إذ تضمّ المجموعة أبرز الدول النامية والمتطورة. وكما يجادل “آدم دريغز” في مقالة له هذا الأسبوع، فإن أهم القضايا الملحة التي تواجه قمة مجموعة العشرين هي تلك التي تتجاوز الحدود الوطنية.

من جانب آخر، فإن الانكماش النقدي في الدول المتطورة في ضوء ظهور ضغوط التضخم، ربما يسفر عن تكرار “نوبة الخفض التدريجي” (taper tantrum) في العام 2013 في الأسواق الناشئة، والتي يمكن أن تنزع القوة الدافعة من التعافي في العالم النامي. على الجانب الآخر، فإن أي فشل في إيصال اللقاحات إلى العالم النامي سيطيل أمد الأزمة الصحية إلى ما بعد عام 2022، بتكلفة بشرية ومالية هائلة، وربما يقدم هذا الأمر الفرصة للفيروس للتحوّر إلى سلالات أكثر فتكًا. هناك حاجة هائلة لتعاون عالمي مكثف.

ما الشكل الذي يجب أن يأخذه هذا التعاون العالمي؟ من الضروري للغاية زيادة جهود توزيع اللقاح. لقد جرى قطع وعود لكن لم يتم تنفيذها. لا يبدو أن بعض الدول الغنية تفهم دورها المهم في الاستجابة العالمية للفيروس. تقلل أستراليا، بطريقة غير مفهومة من إنتاج اللقاحات حتى بالرغم من تفشي الفيروس بشكل خطير لدى جيرانها في جنوب شرق آسيا. يجب على مجموعة العشرين، في المجالين الإنساني والاقتصادي، تنسيق استجابة أكثر طموحًا لتطعيم أجزاء العالم التي تخلفت عن الركب.

إن التحدي الاقتصادي أقل مباشرة، والأساس الذي يجب أن تنطلق منه أي استجابة قوية، ينبغي أن يعتمد على مساحة تنفس مالية للاقتصاديات الناشئة التي لا تزال تعاني. سيتطلب هذا تحديثًا رئيسيًّا لتعاون مجموعة العشرين في إلغاء الديون. وكما يجادل “تريغس” فإنه “ينبغي لمجموعة العشرين دعم الحيز المالي والإنفاق في المجال الصحي عبر تعزيز الاستقرار المالي. ينبغي أن تراجع المجموعة برنامجها لإلغاء الديون”.

إن قدرة مجموعة العشرين على إدارة هذه الأزمات المزدوجة تواجه عقبات ناتجة عن التنافس الاستراتيجي المختمر بين الصين والولايات المتحدة. وكما يجادل “ديفيد فاينز” هذا الأسبوع، فإن هذه المنافسة تضع عراقيل كبيرة في طريق التعاون في القضايا السياسية التي تواجه زعماء مجموعة العشرين، حيث تؤمن هاتان القوتان العظميان بأن لديهما مصلحة قصيرة الأمد في إضعاف النظام القائم على القواعد. يجادل “فاينز” بأن “الصين تخشى من التعاون مع الولايات المتحدة التي قد يختار شعبها دونالد ترمب زعيمًا لها”، كما تخشى الولايات المتحدة من أن التعاون مع الصين قد يقوض فكرة الاستثنائية الأمريكية”.

يحثنا “فاينز” لأن نكون واقعيين بشأن ما جرى إنجازه وما لم يتم إنجازه بعد هذا العام. عندما تم إطلاقها لأول مرة كمنتدى للقادة، كان البعض يأمل في أن تكون مجموعة العشرين المنتدى الذي قد يسفر عن “مؤتمر بريتون وودز الثاني”. يقرّ أشدّ الداعمين لمجموعة العشرين أن العديد من التحديات الرئيسية التي تواجه النظام متعدد الأطراف لا تزال على قائمة المهام الواجب القيام بها. لقد أصبحت هذه الأجندة أكثر أهمية مع تلاشي رغبة الولايات المتحدة في الالتزام بالقواعد التي وضعتها منذ أكثر من سبعين عامًا.

الأخبار السيئة هي أن قمة مجموعة العشرين في روما من غير المرجح أن تحقق تقدمًا وذلك بالنظر إلى أجندتها المزدحمة للغاية. لكن الأخبار السعيدة هي أنه بدءًا من العام المقبل ستتم استضافتها من جانب ثلاثة اقتصاديات ناشئة على التوالي: إندونيسيا والهند والبرازيل. ولكل دولة من هذه الدول مصلحة في إعادة تنشيط إطار العمل المتعدد الأطراف الذي يعتمد عليه النمو في المستقبلي. لا يمكن بناء نظام اقتصادي في يوم واحد، أو حتى خلال قمة لزعماء في نهاية أسبوع. لا ينبغي لإندونيسيا، التي ستستضيف قمة العشرين في 2022، إهدار أي وقت في صياغة أجندة طموحة تعيد إحياء النظام المتعدد الأطراف الذي سيعتمد عليه مستقبلها ومستقبلنا.  

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا