أوراسيا ريفيو | ماذا وراء الأحداث في السودان؟! الاقتصاد والسياسة متشابكان

هدى اسماعيل

ترجمة- بسام عباس

رغم أن الجيش السوداني وقطاع عريض من السودانيين أعربوا عن عدم رضاهم عن أداء الحكومة الحالية، إلا أن الخطر المحدق طوال هذه السنوات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمستوى التنمية ومستوى معيشة الأغلبية بين سكان يقدر تعدادهم بنحو 45 مليون نسمة.

ووفقًا لقناة “الشرق” التلفزيونية، فقد توقفت شركتان من مزودي خدمة الهاتف المحمول الثلاثة في السودان عن تقديم خدماتها، مما تسبب في حدوث مشاكل كثيرة في الاتصال أثناء النهار. وبحسب عدد من المصادر الإعلامية، فقد اعتُقل رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” مع مسؤولين آخرين، واقتيدوا إلى مكان مجهول. فيما دعا قادة العديد من الأحزاب السياسية إلى منع حدوث انقلاب في البلاد.

وقد بدأت اعتقالات جماعية تجتاح البلاد عقب اجتماع رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” برئيس مجلس السيادة السوداني “عبد الفتاح البرهان”. وكان من بين المعتقلين وزراء الاتصالات والمعلومات والمالية والصناعة. فيما خرج السودانيون إلى الشوارع إثر نداءات وجهتها حركة المعارضة الرئيسية، “قوى الحرية والتغيير”. فيما يبدو أنه استمرار للأزمة التي بدأت منذ عدة أسابيع بين الجيش السوداني والقوى المدنية.

وفي تطور مثير للأحداث، أعلن “عبد الفتاح البرهان”، الرئيس العام لمجلس سيادة السودان، في خطاب متلفز أن الانتخابات العامة ستُجرى في يوليو 2023. كما أعلن حالة الطوارئ في السودان، وحل كلا من حكومة البلاد ومجلس السيادة، وتعليق عددٍ من مواد الإعلان الدستوري الذي وقعته القوات العسكرية والقوى المدنية في السودان عام 2019 لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات.

وإلى جانب البحث عن مسارات سياسية سلمية، تحتاج السلطات السودانية إلى معالجة أوجه القصور الاقتصادية عميقة الجذور بالإضافة إلى معالجة المشاكل المشتركة (البنية التحتية الأساسية) التي تؤرق الشعب السوداني في جميع جوانب حياته اليومية. وهو أمر تشترك فيه العديد من الدول الأفريقية.

ويقع السودان في شمال شرق إفريقيا، ويشترك في حدوده مع مصر وليبيا وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان. وينعم باحتياطيات نفطية ضخمة وموارد بحرية هائلة. ويلتقي نهرا النيل الأزرق والأبيض في العاصمة الخرطوم ليشكلا نهر النيل الذي يتدفق شمالاً عبر مصر إلى البحر المتوسط.

وفي حين أن السودان محاط بهذه الدول السبع المذكورة آنفًا، فإنه يطل أيضًا على بحر ضخم، يمكن تسخيره من أجل مزيد من التنمية الاقتصادية، ويمكن استخدام هذه الموارد الضخمة للانخراط في مشاريع التنويع الاقتصادي، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة للشباب. والسودان ثالث أكبر دولة في إفريقيا، وثالث أكبر دولة في العالم العربي من حيث المساحة قبل انفصال جنوب السودان في عام 2011.

وعلى مر السنين، لم تبنى أي سدود على الموارد المائية للاستفادة منها في دعم الاقتصاد، إذ إن أهم أهداف السدود هو توليد الكهرباء، وبهذه الإمكانيات التي في السودان كان يكمن أن يمتلك أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية المعاصرة للمنطقة في أفريقيا.

وفيما يتعلق بالتطورات السياسية في السودان، تولى “عمر حسن أحمد البشير” السلطة في يونيو 1989. وفي غضون عدة سنوات من إدارته، انهار الاقتصاد السوداني بنسبة كبيرة بسبب الاستبداد السياسي والفساد العميق والسياسات غير الحكيمة. وظل البشير متربعًا على كرسي الحكم لأكثر من 30 عامًا، رافضًا التنحي، مما أدى إلى تشكيل ائتلاف موحد مكون من جماعات المعارضة، وردًّا على ذلك، اعتقلت الحكومة أكثر من 800 شخصية معارضة، فضلاً عن آلاف المتظاهرين، وذلك وفقًا لمنظمة (هيومن رايتس ووتش).

ولقي كثير من المتظاهرين مصرعهم؛ لأن البشير أمر القوات الأمنية بتفريق اعتصام المتظاهرين السلميين باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية فيما يعرف بمجزرة الخرطوم؛ ما أدى إلى تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي. وفي النهاية رحل عمر البشير.

وبدأ السودان فصلاً سياسيًّا جديدًا مع رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك”، وهو اقتصادي يبلغ من العمر 62 عامًا عمل سابقًا في اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، وهو ما أعطى انطباعًا بأن تنعكس خبرته العملية هذه على أداءه، مما يعطيها تأثير إيجابي على مستوى التنمية المستدامة التي ترتبط بالحياة اليومية للسكان.

ولكن مع الإدارة الجديدة، لا يزال السودان يواجه مشاكل اقتصادية هائلة، ولا يزال نموه في أدنى مستوياته، مع انخفاض شديد لنصيب الفرد من الناتج. ومن الناحية العملية، لا يزال السودان بحاجة ماسة إلى الدعم الأجنبي وكانت إحدى الطرق المضمونة هي الوصول إلى مؤتمر المانحين الذي عقد في برلين بألمانيا. كان مؤتمر المانحين هو توفير شريان الحياة لعملية الانتقال الجارية، إلى جانب جهود السودان الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن زيادة المساعدة السياسية والمالية الدولية تظل ذات أهمية قصوى، فقد كانت خطوة تقدمية بالنسبة للسودان.

كان الهدف أيضًا هو جمع أموال كافية لبدء برامج الحماية الاجتماعية المشترك بين البنك الدولي والحكومة السودانية، حيث يمكن مساعدة الأسر السودانية المحتاجة.

وقد دعم الشركاء صندوق النقد الدولي لفتح طريق السودان نحو تخفيف الديون. وتعهدت حوالي 50 دولة ومنظمة دولية بتقديم أكثر من 1.8 مليار دولار، في حين قدمت مجموعة البنك الدولي منحة قدرها 400 مليون دولار.

ومن جانبه، قال وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” في ذلك الوقت، خلال مؤتمر بالفيديو نظمته ألمانيا بالاشتراك مع السودان والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة: “لقد فتح هذا المؤتمر فصلاً جديدًا من التعاون بين السودان والمجتمع الدولي لإعادة بناء هذه الدولة”.

ووعدت برلين باستثمارات في مجالات مثل المياه والأمن الغذائي والتعليم. وحثت ألمانيا الحكومة السودانية على الاستثمار في حقوق الإنسان. وقالت ألمانيا إنها ستساهم بمبلغ 150 مليون يورو (168 مليون دولار) كمساعدات لدولة السودان الواقعة جنوب الصحراء.

ولا شك في أن “عبد الله حمدوك”، في تقديره، وصف المؤتمر بأنه “غير مسبوق” وقال إنه أرسى “أساسًا متينًا لنا للمضي قدمًا” على الأقل في السنوات اللاحقة. ولذلك فقد سعت الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان إلى إصلاح المكانة الدولية للبلاد، ولكنها لا تزال تواجه تحديات اقتصادية هائلة، ولا يزال النمو الاقتصادي في أدنى مستوياته، مع انخفاض شديد لنصيب الفرد من الناتج. كما لا يزال السودان يعاني من علاقة مضطربة مع العديد من جيرانه، وخاصة فيما يتعلق باحتياطيات النفط مع جنوب السودان.

ويعمل صندوق النقد الدولي حاليًا إلى جانب حكومة الخرطوم لتنفيذ سياسات اقتصادية كلية سليمة، فيما يظل الإنتاج الزراعي أهم قطاع في السودان، حيث يعمل به 80% من القوى العاملة، رغم أن معظم المزارع لا تزال تعتمد على مياه الأمطار ومهددة بالجفاف. ولذلك فإن عدم الاستقرار والطقس المتغير وتراجع أسعار السلع الزراعية في العالم، يبقي الكثير من السكان عند خط الفقر أو تحت خط الفقر لسنوات.

ومن جهته، أشار “بيتر فابريسيوس”، مستشار معهد الدراسات الأمنية في جنوب إفريقيا، مؤخرًا في مقالته بعنوان “الانقلابات الأفريقية تحقق العودة” إلى أن أفريقيا شهدت أربعة انقلابات اعتبارًا من 18 أغسطس 2020، حدث اثنان في مالي (أغسطس 2020 ومايو 2021)، وثالث في تشاد (مايو 2021) ورابع في غينيا الشهر الماضي.

وأضاف: “ما قد يساعد في منع ذلك هو استجابات أفضل من الاتحاد الأفريقي والهيئات الإقليمية والشركاء الدوليين للانقلابات وغيرها من أشكال التغيير غير الدستوري للحكومة”.

وقال فابريسيوس: “ربما تكون الأسباب الجذرية للانقلابات عميقة جدًا داخل البلد، بحيث لا يمكن لأي فاعل خارجي أن يؤثر كثيرًا. ولكن بقدر ما تستطيع، ينبغي على الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية استخدام نفوذها بشكل وقائي، مع التركيز بشكل أكبر على معاقبة “الحفاظ غير الدستوري على السلطة” والسلوك غير الديمقراطي لمحاولة استباق الانقلابات”.

ورغم أن السودان غني بالموارد الطبيعية بما يملكه من احتياطيات نفطية، فإنه لا يزال يواجه مشاكل اقتصادية هائلة، والأسوأ من ذلك هو أن ممارسات الإنتاج بما في ذلك الزراعة بدائية. فلم تكن هناك جهود، على الأقل، لتحديث الزراعة لتناسب النمو السكاني.

ولا تزال هناك زيادة هائلة في نسبة البطالة، وربما من الضروري للغاية القيام بمحاولات متسقة لتقليل التناقضات الاجتماعية والتفاوتات الاقتصادية، ولذلك بالطبع، فإن هاتان القضيتان– السياسة والاقتصاد– لا تنفصلان. وهذه بعض القضايا التي يتعين على الحكومة معالجتها بجدية، من أجل الحفاظ على السلام المستدام والاستقرار طويل الأمد في السودان، وجعل ذلك مثالًا واضحًا بشكل مثير للإعجاب في إفريقيا.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا