توماس فريدمان يكتب لـ «نيويورك تايمز»: بايدن والطبيعة الأم.. هل أعادا تشكيل الشرق الأوسط؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لديّ تساؤل واحد فقط: هل يجب أن أشير إلى أن سحب الرئيس الأمريكي «جو بايدن» للقوات الأمريكية من أفغانستان يعيد بالفعل تشكيل سياسات الشرق الأوسط– غالبًا– للأفضل؟ أم أنتظر بضعة أشهر وألا آخذ على محمل الجد ما أخبرني به دبلوماسي خليجي في وصف مهرجان المصالحات العربية – العربية، والعربية – الإيرانية، بأنه: “حُبٌّ في الهواء”.

ما الذي يحدث حقًّا؟! هيا لنتحقق منه الآن.

لأن هناك شيئًا ما في الهواء يعيد تشكيل القطع بقوة على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، تلك القطع التي تم تجميدها في مكانها لسنوات. كان قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان وإخبار المنطقة: “لقد أصبحت وحيدة في بلادك. إذا كنت تبحث عنا، ستجدنا في مضيق تايوان. راسلنا كثيرًا. ولا تنس إرسال النفط. وداعًا.”

ولكن العامل الثاني الذي كثَّف الضغوط لخروج الولايات المتحدة، فهو الطبيعة الأم، التي تظهر نفسها في موجات الحر والجفاف والضغوط الديموغرافية وانخفاض أسعار النفط على المدى الطويل، وارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا.

في الواقع، أود أن أقول إننا بصدد الانتقال من شرق أوسط شكّلته قوى عظمى إلى شرق أوسط شكلته الطبيعة الأم. وسيجبر هذا التحول جميع القادة على التركيز أكثر على المرونة البيئية لاكتساب الشرعية بدلاً من اكتسابها من خلال مقاومة الأعداء القريبين والبعيدين. وما زلنا في بداية هذا التحول النموذجي من المقاومة إلى المرونة، حيث بدأت هذه المنطقة في أن تصبح شديدة الحرارة، ومكتظة بالسكان، ومتعطشة للمياه بدرجة لا تسمح لها بالحفاظ على نوعية الحياة.

وسريعًا نطلع حول المزيد عن ذلك: أولاً: دعنا نعود إلى بايدن، لقد كان على حق: فقد كان الوجود الأمريكي في أفغانستان والضمانات الأمنية الضمنية في جميع أنحاء المنطقة يعملان على تحقيق الاستقرار وتمكين الكثير من السلوك السيئ – المقاطعات والاحتلال والمغامرات المتهورة والتدخلات الوحشية.

ولأن دعمنا القوي للحلفاء التقليديين، شجعهم على تجاوز قدرتهم دون خوف من العواقب. وأنا هنا أتحدث عن التدخل السعودي والإماراتي في اليمن ومقاطعتهم لقطر، ومكائد تركيا المختلفة في ليبيا (أو ضد الأكراد في سوريا والعراق)، والرفض الغبي للحكومة الأفغانية التي سقطت الآن لفكرة التفاوض مع طالبان، وتوسع المستوطنات الإسرائيلية في عمق الضفة الغربية.

كان انسحاب الرئيس «باراك أوباما» من المنطقة ورفض الرئيس «دونالد ترامب» الانتقام من إيران – بعد أن هاجمت منشأة نفطية سعودية كبرى في عام 2019 بالطائرات بدون طيار– علامات تحذيرًا بأن الولايات المتحدة قد سَئمت من التدخل والتحكيم في الحروب الطائفية في الشرق الأوسط. ولكن بايدن جعلها الآن رسمية. والآن، حسناً، كما تقول الأغنية: أفضل جزء في الانفصال هو عملية تشكيله!

ففي الأشهر الأخيرة، بدأت المملكة العربية السعودية في إصلاح علاقاتها المقطوعة مع إيران وقطر، وتقليص مشاركتها في اليمن. أمَّا دولة الإمارات العربية المتحدة فقد انسحبت من الصراعات في ليبيا واليمن، وأصلحت علاقاتها مع إيران وقطر وسوريا. وكان العراق يتوسط بين إيران والسعودية. ويدرك كل من الإماراتيين والسعوديين أنه مع انسحاب أخيهم الأكبر (الولايات المتحدة)، فإنه لا يمكنهم تحمل الأعمال العدائية مع إيران، وفي المقابل يدرك الإيرانيون أنه مع استمرار تعرض بلادهم للعديد من العقوبات، فإنهم بحاجة إلى أكبر قدر ممكن من الانفتاح على العالم.

من جهة أخرى أقامت البحرين والإمارات علاقة مفتوحة مع إسرائيل، فيما أقامت السعودية علاقة سرية. وفي غضون ذلك، تعمل مصر وإسرائيل معًا لنزع فتيل التوتر مع حماس في غزة.

لكن للأسف، أصبح الانسحاب الأمريكي أيضًا بطاقة خروج مجانية للرئيس السوري المنبوذ منذ فترة طويلة والمدعوم من إيران، «بشار الأسد»، الذي اتهم بارتكاب إبادة جماعية ضد شعبه. ولأول مرة منذ عقد، تلقى الملك «عبد الله» ملك الأردن مؤخرًا مكالمة هاتفية من الأسد. وقال القصر الأردني إنه تم “بحث العلاقات بين البلدين الشقيقين”.

وترغب كل من مصر والأردن في فصل سوريا والعراق، الركيزتين التوأمين لنظام الدولة العربية، عن إيران الشيعية، كما تريد مصر أيضًا تصدير غازها إلى لبنان، ويريد الأردن الذي يعاني من ضائقة مالية إعادة العلاقات التجارية المربحة مع سوريا. وأيضًا خرجت علاقات مصر والسعودية والإمارات مع تركيا من حالة الجمود العميق، على أمل إعادتها إلى الحظيرة الإقليمية كقوة سنية في مواجهة إيران.

ومع ذلك، ربما تعتقد إيران أن الولايات المتحدة، في حين أنها ستبقي على العقوبات، قد فقدت أي استعداد للقيام بعمل عسكري لكبح مساعيها لتخصيب ما يكفي من اليورانيوم لتصبح دولة تمتلك أسلحة نووية.

أما «مارتن إنديك»، مبعوث الولايات المتحدة منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط، والذي يُعد كتابه الجديد، “سيد اللعبة: هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط”، يستعرض فيه تاريخًا رائعًا لكيفية استخدام الولايات المتحدة لعملية صنع السلام لتحل محل الاتحاد السوفيتي القوة الأجنبية المهيمنة في المنطقة، فقد قال: “الولايات المتحدة لا تنسحب بالكامل، ولكنها تتراجع، وجميع شركائها العرب السنة يعملون الآن لحماية أنفسهم – ولتحقيق الاستقرار في المنطقة – في عصر لن تكون فيه الولايات المتحدة مهيمنة هناك”، وأضاف: “لكن الولايات المتحدة ستظل بحاجة لردع إيران، إذا ما طورت قدراتها النووية، كما أن على الولايات المتحدة نزع فتيل صراعات أخرى”.

ولكن القدرة على تشكيل هذه المنطقة تأتي في أشكال عديدة.

تماشيًا مع فكرة كتاب إنديك، كنت أزعم أنه مثلما حللنا ذات مرة محل الاتحاد السوفيتي بصفته القوة المشكلة والمهيمنة في المنطقة، فإن “الطبيعة الأم” تحل الآن محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة الجديدة.

في الطبيعة الأم بالشرق الأوسط، لن يتم الحكم على القادة من خلال مقدار مقاومة بعضهم البعض أو مقاومتهم للقوى العظمى، ولكن من خلال مقدار المرونة التي يبنونها لشعوبهم ودولهم في وقت يقوم فيه العالم بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وفي نفس الوقت الذي يكون فيه عدد سكان جميع الدول العربية الإسلامية تحت سن الثلاثين، ويتزايد فيه تغير المناخ أيضًا.

وقد ذكرت الأمم المتحدة مؤخرًا أن أفغانستان تعرضت لأسوأ موجة جفاف منذ أكثر من 30 عامًا؛ ما يؤدى إلى تحطيم المزارعين، ورفع أسعار المواد الغذائية، ووضع 18.8 مليون أفغاني– ما يقرب من نصف السكان– في حالة انعدام الأمن الغذائي. وانتهى الأمر إليكِ يا طالبان: لقد استوليتِ على السلطة، وأنت تمتلكين زمام الأمر.

وعلاوة على الضغوط الناجمة عن فيروس كورونا، شهدت إيران الصيف الماضي أعمال شغب عنيفة بسبب شح المياه في جنوب غربها الجاف، ومن المتوقع أن يصبح مناخها أكثر سخونة وجفافًا. بينما تحاول مصر مواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر المتوسط ​​الذي يدفع بمياه البحر المالحة إلى أنظمة الري في “سلة الخبز” في دلتا النيل؛ ولذا فإنه يمكن أن تخوض مصر وإثيوبيا بالفعل حربًا شرسة بسبب سد المياه الذي أقامته إثيوبيا عند منبع النيل.

ومن جانبها، وقعت إسرائيل للتو اتفاقية لمضاعفة المياه العذبة التي توفرها للأردن، أحد أكثر دول العالم جفافًا. وقد تسبب رئيس الوزراء السابق «بنيامين نتنياهو» في عاصفة نارية من خلال الزعم – بجنون ودون أي حقائق– أن خليفته، «نفتالي بينيت»، تعرض للخداع لأنه “عندما يعطي الملك عبد الله الماء، يعطي عبد الله النفط في نفس الوقت – لمن؟ لإيران”.

هذه هي المرة الأولى التي أتذكر فيها أن (بيبي) يندد بمنافس لأنه لم يخصص الكثير من الأرض بل الكثير من الماء. في الواقع، قد يكون هناك يوم قريب جدًّا ستحتاج فيه الولايات المتحدة إلى العودة إلى الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية النشطة، ليس على أساس الأرض مقابل السلام، ولكن على أساس الشمس والمياه العذبة مقابل السلام؛ إذ تقدم منظمة (إيكو بيس الشرق الأوسط) [السلام البيئي]، وهي عبارة عن تحالف يضم خبراء بيئيين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين، مؤخرًا مثل هذه الاستراتيجية المسماة “الصفقة الخضراء الزرقاء”.

كيف ستعمل هذه الصفقة؟ يتمتع الأردن، بمناطقه الصحراوية الشاسعة، بميزة نسبية لإنتاج كميات كبيرة من الكهرباء الشمسية الرخيصة لتلبية احتياجاته وأيضًا البيع للشبكات الإسرائيلية والفلسطينية “لتوليد الكهرباء لمحطات تحلية المياه التي يمكن أن توفر المياه العذبة للأطراف الثلاثة بوفرة”، كما أوضح «جدعون برومبرغ»، مدير منظمة إيكو بيس في إسرائيل.

يمكن أن يوفر هذا النوع من الدبلوماسية البيئية طريقة مستدامة للولايات المتحدة لإعادة الانخراط في الشرق الأوسط الذي تهيمن عليه الطبيعة الأم، حيث جميع الأطراف هناك مترابطون بيئيًّا، ولكن بشكل غير صحي، ويمكن لأمريكا أن تصبح هذا الوسيط الموثوق به الذي يصوغ ترابطات صحية، وليس كبديل لاتفاق أرض مقابل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولكن كبديل ضروري لبناء الثقة.

مرحبًا بكم في الشرق الأوسط الجديد الحقيقي.. الشرق الأوسط الذي تسيطر عليه الطبيعة الأم!

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا