مجلس العلاقات الخارجية | ما أسباب التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

ما الدافع وراء تهديد الرئيس التركي الأخير بطرد عشرة سفراء؟

اعترض الرئيس رجب طيب أردوغان على بيان أصدره سفير الولايات المتحدة وتسعة سفراء غربيين آخرين في تركيا دعمًا لـ “عثمان كافالا”، وهو رجل أعمال ورائد أعمال خيرية مسجون منذ أربع سنوات في تركيا ويُنتظر محاكمته بتهم تزعم تورطه في تجسس ومحاولة الإطاحة بالحكومة. إن هذه المزاعم سخيفة، كما أن فترة احتجاز “كافالا” المطوّلة قبل المحاكمة تشير إلى مدى انحراف القضاء التركي عن المعايير الدولية.

لقد تم تفادي هذه الأزمة في الخامس والعشرين من أكتوبر عندما نسّقت الولايات المتحدة مع سفارات أخرى بيانًا فيما بينها تشير فيه لاحترامها للقانون التركي “والتزامها بالمادة 41 من معاهدة فيينا الخاصة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”. كان ذلك كافيًا لأردوغان لادعاء الانتصار، وسيكون بمقدر السفراء الآن البقاء في تركيا.

هل ستلحق هذه الأزمة مزيدًا من الضرر بالعلاقات الأمريكية – التركية؟

إن التهديد بطرد السفراء يأتي في وقت حساس في العلاقات الأمريكية – التركية. فالرئيس أردوغان منزعج من عدم لقائه بالرئيس الأمريكي “جو بايدن” أثناء الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة، وفي مقابلة أجراها مع برنامج “واجه الأمة”، أوضح أردوغان أنه ليس على وفاق مع بايدن. كما ألمح إلى استعداده لشراء بطاريات صواريخ إس400 الدفاعية من روسيا. لو حدث هذا، فستكون علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي في خطر.

يرغب سلاح الجو التركي أيضًا في موافقة الولايات المتحدة على بيعه 40 طائرة جديدة من طراز إف16 ونحو 80 من أطقم تحديث طائراته الحالية من نفس الطراز. ستعوض هذه الصفقة بشكل جوهري تركيا عن 1.4 مليار دولار دفعتها مقابل طائرات إف35 التي مُنعت من شرائها بسبب قضية صواريخ إس400 الدفاعية.

لقد قوّضت أنقره كثيرًا من مصداقيتها في الولايات المتحدة، لا سيما بعد شرائها صواريخ إس400 الدفاعية. نتيجة لهذا، يبدو من غير المرجح أن يوافق أعضاء الكونغرس على بيع طائرات إف16 إلى تركيا. في خطاب موجّه مؤخرًا إلى وزير الخارجية “أنطوني بلينكن” يعارضون فيه عملية البيع المقترحة، ذكرت مجموعة من أعضاء مجلس النواب يمثلون الحزبين: “حكومة أردوغان أوضحت جليًّا أنها لا تنوي الالتزام بالقانون الأمريكي أو معالجة الأوضاع الأساسية التي أدّت لطرد تركيا من برنامج طائرات إف35 وإيقاف الكونغرس لشراء أسلحة أمريكية من جانب تركيا”. من الواضح أن امتلاك تركيا لصواريخ إس400 لا يمثل مشكلة لحصولها على طائرات إف35 فحسب، لكنه يمثل مشكلة أيضًا لحصولها على أسلحة أمريكية بشكل عام. أن مخزون تركيا من الأسلحة الأمريكية واسع ويضمّ ما يزيد على مئتي طائرة من طراز إف16 ودبابات قتالية رئيسية محدثة من طراز M60 وM48، إلى جانب طائرات هليكوبتر من طراز “بلاك هوك” و”كوبرا”، وصواريخ جو – جو، وذخائر دقيقة التوجيه، وقذائف هاون، وناقلات أفراد مدرعة، وبنادق بحرية، وفرقاطات محدثة.

علاوة على هذا، فإن الكيان الذي سيمتلك طائرات إف16 في تركيا هو “رئاسة الصناعات الدفاعية” والخاضعة لعقوبات وفق قانون “مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات”. يجادل مسئولون أتراك بأن هناك طرقًا لنقل الطائرات إلى تركيا من دون التعامل مع “رئاسة الصناعات الدفاعية”، لكن أعضاء في الكونغرس أشاروا إلى نيتهم منع التعامل مع أي من هذه البدائل لأنها ستمثل التفافًا على القانون الأمريكي.

يُضاف إلى كل هذه التوترات المستمرة مسألة “فتح الله غولن”، رجل الدين الإسلامي المنفي في الولايات المتحدة، وعلاقات الولايات المتحدة بـ”وحدات حماية الشعب” وهي عبارة عن جماعة كردية مسلحة في سوريا تصفها تركيا بالمنظمة الإرهابية، فضلًا عن نهج تركيا العدواني في شرق المتوسط، والذي وضعها في مواجهة اليونان وفرنسا. بالنظر إلى هذه العوامل مجتمعة، وبالرغم من رغبة المسؤولين الأتراك المعلنة للتقارب مع الولايات المتحدة، لا تزال هناك مسافة بعيدة جدًّا بين واشنطن وأنقرة فيما يخص المشاكل التي وتّرت العلاقات بينهما في العقد الماضي.

لماذا يَعتبر أردوغان رجل الأعمال “كافالا” تهديدًا؟

إن “كافالا” نفسه لا يمثل تهديدًا على أردوغان، لكنه يمثل رؤية لتركيا تهدد جهود أردوغان طويلة الأمد لتشكيل هذا البلد بما يتفق مع رؤية حزب العدالة والتنمية الحاكم.  وبالإضافة إلى قضايا أخرى، دافع “كافالا” عن الديمقراطية وحقوق الأكراد، وهي قضايا دعمها حزب العدالة أيضًا في السنوات الأولى لتأسيسه ودخوله البرلمان. تخلى أردوغان عن كل هذا بعد عِقد من توليه السلطة، مفضلاً الحلول الاستبدادية لمواجهة التحديات التي تواجهه هو وحزبه السياسي. إن التهديد الذي يمثله “كافالا” يكمن في حقيقة أن أعماله الخيرية ونشاطه الحقوقي، يُبرزان الفجوة بين الواقع وما يقوله أردوغان وحزب العدالة للأتراك بشأن حياتهم. هذا أمر مهم للغاية، لا سيما في الوقت الراهن الذي يواجه فيه القادة الأتراك مشكلة خطيرة أخرى: التدهور الاقتصادي. إن المشاكل الاقتصادية، لا سيما تراجع قيمة الليرة التركية هذا العام، تهدد بتقويض الدعم لحزب العدالة والتنمية داخل الطبقات المتوسطة التي استفادت كثيرًا في السنوات الماضية.

مجلس أوروبا يمنح تركيا مهلة حتى نهاية نوفمبر لإطلاق سراح “كافالا”.. ماذا يمكن أن يحدث؟ إن إطلاق سراح “كافالا” هو أمر غير مرجح فيما يبدو، وبالنظر إلى أن المحاكم التركية لا ترى أنها مضطرة للالتزام بأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وخطورة الاتهامات الموجهة لـ “كافالا”، وحرص أردوغان الشديد لمحاكمته. إن لم يتم إطلاق سراحه، فقد يطلق مجلس أوروبا “إجراءات انتهاك” بحق تركيا. وفي حال موافقة ثلثي وزراء مجلس أوروبا على إطلاق هذه العملية، فستنظر المحكمة فيما إذا كانت تركيا قد أوفت بالتزاماتها للمحكمة، وهو ما لم يحدث، وما إذا كانت تركيا قد تجاهلت الأمر الصادر عن المحكمة في مايو 2020 بإطلاق سراح “كافالا”. يمكن لمجلس أوروبا أن يعلق حقوق تركيا بالتصويت أو أن يعلق عضويتها في المجلس بالكامل.    

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا