ناشيونال إنترست: في ظل الأوضاع الراهنة.. كيف تتقارب الولايات المتحدة من باكستان؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في 13 سبتمبر، قال وزير الخارجية “أنطوني بلينكين” إن “باكستان لديها مصالح متعددة، بعضها يتعارض مع مصالحنا”.

وسواء كان الأمر يتعلق بأفغانستان أو قضايا أخرى، فقد عاشت الولايات المتحدة مع هذه الصراعات، وتأرجحت العلاقات الأمريكية الباكستانية بين الصراع والتعاون. ومع ذلك، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان، والتي جرى تحديدها من خلال حاجة واشنطن قصيرة الأجل لتعاون باكستان لخدمة بعض المصالح الأمنية والاستراتيجية المهمة وحاجة باكستان طويلة الأجل للدعم الاقتصادي الأمريكي والمساعدة الأمنية، لم تأت مجانًا. فحتى عندما تتقارب مصالح الدولتين، فإن سياساتهما وتصوراتهما لم تتقارب في كثير من الأحيان؛ فلم يتمكنا من بناء المبدأ التنظيمي لعلاقة طويلة ودائمة تقوم على إطار مفاهيمي ورؤية مشتركة واستمرارية.

كانت علاقات باكستان الوثيقة مع الولايات المتحدة تاريخيًّا مرتبطة بالجغرافيا السياسية (1954-1965 و1979-1990) أو قضايا تتعلق بالولايات المتحدة والأمن العالمي (2001-2011). لكن الجغرافيا السياسية المتغيرة في القرن الحادي والعشرين، والتحديات الأمنية التي أعقبت 11 سبتمبر، حوّلت جنوب آسيا إلى ساحة لتحالفات جديدة بين اللاعبين الإقليميين والعالميين، حيث تجد باكستان نفسها على الطرف الآخر من واشنطن، ما أدى إلى تغيير ديناميكيات انخراط الولايات المتحدة مع باكستان.

وتأثر ميزان القوى في جنوب آسيا بشكل كبير بالتوترات بين الولايات المتحدة والصين وعلاقات باكستان الوثيقة مع بكين من جهة، والعلاقات غير العادية بين الولايات المتحدة والهند، خصم باكستان اللدود، من جهة أخرى.

وبدلًا من التقريب بين باكستان والولايات المتحدة، فإن الجغرافيا السياسية اليوم تفرق بينهما. أما بالنسبة لقضايا الأمن ومكافحة الإرهاب وأفغانستان، فإن كلا البلدين يشعران أن أي فوائد جاءت بتكلفة باهظة، كما أن واشنطن مستاءة من دور إسلام آباد في فشل حرب أفغانستان. وفي الوقت نفسه، تشعر باكستان بالضرر؛ لأنها تكبدت خسائر فادحة من تبعات حرب أفغانستان والحرب الأمريكية على الإرهاب.

ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة ولا باكستان أن يتخليا عن علاقتهما. فباكستان ستواجه رياحًا معاكسة غير مؤكدة بشأن مستقبل أفغانستان، وضغوطًا متواصلة من الهند المنافسة، وتحديات الإرهاب والتطرف في الداخل. كما أن جهود إسلام آباد لتحقيق استقرار الاقتصاد الباكستاني وتقوية ديمقراطيتها ستشكل مصاعبها الخاصة. ولذلك فإن التنقل الناجح لهذه التحديات يتطلب علاقات جيدة مع جميع القوى الكبرى.

والولايات المتحدة أيضًا بحاجة إلى باكستان، إذ لا تزال لواشنطن بعض المصالح المهمة المتعلقة بأمن أفغانستان واقتصادها واستقرارها، والتي يمكن أن تسهلها باكستان. وتود واشنطن أن تمارس إسلام آباد ضغوطًا على طالبان بشأن حقوق المرأة وشمول جميع القوى الأفغانية في الحكومة، والمساعدة في عمليات الإجلاء المتبقية، وتحقيق تعاون طالبان في إضعاف القاعدة وداعش. كما تود واشنطن أيضًا أن تعمل إسلام آباد ضد الإرهابيين والمسلحين متعددي الجنسيات الذين يهددون استقرارها، وكذلك الجهاديين الذين يهددون الهند، وبالتالي يقوّضون سياسة واشنطن تجاه الصين. وأخيرًا، ترغب الولايات المتحدة في الحد من نفوذ الصين السياسي والاقتصادي المتنامي بسرعة في باكستان.

إن احتمالية الصراع والتعاون موجودة في العلاقة الحالية بين الولايات المتحدة وباكستان، رغم عدم وجود قضية واحدة تتفوق على جميع القضايا الأخرى. وقد أشار بلينكين إلى هذه الديناميكية في كلمته الأخيرة أمام الكونجرس، قائلًا إن الولايات المتحدة ستقيِّم “الدور الذي لعبته باكستان على مدار العشرين عامًا الماضية، ولكن أيضًا الدور الذي نريد أن نراه تلعبه في السنوات القادمة وما الذي يتطلبه الأمر للقيام بذلك”.

ولكن الخطاب السياسي من كلا الجانبين لا يساعد العلاقات على المضي قدمًا. حيث يحظى رئيس الوزراء “عمران خان” بإعجاب مؤيديه بسبب قوميته، ولكن تعليقاته بأن باكستان لا علاقة لها بانتصار طالبان في أفغانستان، وقوله إن طالبان كسرت “قيود العبودية”، أثارت ردود فعل عنيفة في واشنطن. بينما هاجمت المعارضة الجمهورية إلى حد كبير كلًا من باكستان؛ لمساعدة طالبان على الوصول إلى السلطة، وإدارة بايدن؛ لسوء التعامل مع الانسحاب، ولذلك فقد زادت إدارة بايدن من حدة التوتر بشأن باكستان، لا سيما خلال زيارة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية “ويندي شيرمان” الأخيرة لإسلام آباد، الأمر الذي أثار انزعاج الباكستانيين.

ترغب الولايات المتحدة في التأكد من قدرتها على الوثوق بباكستان، وتحتاج باكستان إلى الثقة في أن تجديد العلاقة مع واشنطن سيستحق التكلفة السياسية في الداخل، ولن يأتي على حساب مصالحها الاستراتيجية الأخرى. ولكن هذه ليست المشكلة الوحيدة: فالولايات المتحدة تريد علاقة محدودة، بينما إسلام آباد ترغب في “علاقة متوازنة” أوسع تكون مفيدة وتستحق المخاطرة السياسية المحتملة في الداخل، كما أن الولايات المتحدة تسعى وراء تسهيلات مستقبلية من باكستان.

إذن، ما الذي يمكن أن تقدمه باكستان؟

على باكستان أن تدرك أن معارضة المصالح الجوهرية للولايات المتحدة في المنطقة وانعدام الشفافية لن يكون لهما مكان دائم في العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان. وبنفس الطريقة، يتعين على واشنطن أن تقرّر أفضل طريقة للحصول على تعاون باكستان، وذلك بانتزاع التنازلات من خلال شبح العقوبات والضغط المستمر من صندوق النقد الدولي ومجموعة العمل المالي (فاتف)، أو عن طريق إشراك باكستان في علاقة طويلة الأمد وذات منفعة متبادلة تتوافق مع مشاركة الولايات المتحدة الشاملة مع جنوب آسيا.

كما أنلدى الولايات المتحدة هاجسين رئيسيين في جنوب آسيا: الصين والإرهاب النابع من أفغانستان. فمن ناحية، تحتاج الولايات المتحدة إلى الهند، ومن ناحية أخرى تحتاج إلى باكستان. ولذا يجب على واشنطن متابعة هذه الاحتياجات بشكل منفصل. وإذا كانت علاقات الولايات المتحدة مع الهند وباكستان مفككة بالفعل، كما تدعي واشنطن، فلا ينبغي أن تعيق العلاقات الأمريكية الهندية والعلاقات الأمريكية الباكستانية بعضهما البعض. والحقيقة هي أن بناء قدرة الهند على تحقيق التوازن مع الصين لا يزال من الممكن تحقيقه دون موافقة واشنطن الشاملة على سياسات الهند الإقليمية، والتي لا تؤدي إلا إلى زيادة حدة الانقسامات في جنوب آسيا على حساب المصالح الأمريكية بشكل عام. ومثل هذه السياسة لن تخدم قضية السلام في جنوب آسيا، والتي يجب أن تكون هدفًا مهمًا للولايات المتحدة.

كذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى اتخاذ سياسة بشأن باكستان لا تكون مشتقة من سياسات الولايات المتحدة تجاه الصين والهند. وإذا كانت تريد الحد من النفوذ الصيني في باكستان، فإن معاقبة باكستان لن تكون الطريقة المثلى للقيام بذلك. ولن يؤدي إلا إلى زيادة اعتماد باكستان على الصين. وبدلًا من ذلك، فإن التعامل مع باكستان سيساعدها في الحفاظ على درجة من الاستقلالية الاستراتيجية في مواجهة بكين.

وتحتاج باكستان أيضًا إلى القيام ببعض البحث عن الذات؛ حيث إن باكستان الضعيفة ستكون دائمًا على علاقة مضطربة مع الولايات المتحدة، ولن يكون هناك خيار سوى التحالف مع الصين. ومع ذلك، إذا تمكنت باكستان من بناء قوتها الداخلية والتخلص من اعتمادها على القوى الأجنبية، فإن إسلام آباد لديها القدرة على أن تكون مفيدة لكل من الولايات المتحدة والصين، كما أن رغبة باكستان في الانتقال من الجغرافيا السياسية إلى الاقتصاد الجغرافي ستتطلب منها المساهمة بشكل أكبر في إحلال السلام في المنطقة، والمساعدة في استقرار أفغانستان، وتعزيز إمكاناتها كشريك اقتصادي.

ولكي تكون باكستان شريكًا اقتصاديًّا جذابًا، يجب عليها تعزيز اقتصادها وتحرير نفسها من الترسيخ في هدف وطني يهيمن عليه الأمن، واتباع سياسات تجعل موقعها الجغرافي السياسي الممتاز أصلًا حقيقيًّا، وليس عائقًا.

خلاصة القول هي الاختيار بين علاقة ضيقة ومحددة وواسعة القاعدة ستقع على عاتق إسلام آباد مثلما تقع على عاتق واشنطن، ويجب أن تكون كلٌّ من الولايات المتحدة وباكستان شريكين جيدين، وهذا لن يحدث دون سياسات جيدة من الجانبين.

للإطلاع على رابط المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا