ذا دبلومات | هل ينبغي منح طالبان مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة؟

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

في أغسطس 2021، سيطرت حركة طالبان على أفغانستان مجددًا. أنهت تلك السيطرة عشرين عامًا من حُكم ديمقراطي نسبيًّا في أفغانستان، ومنذ ذلك الوقت، صوّرت طالبان حكومتها على أنها شرعية أملاً في نيل اعتراف دولي واحتلال مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة.

في سبتمبر 2021، أعلنت الحركة تشكيل حكومة مؤقتة وحاولت الترويج لصورة مختلفة للمجتمع الدولي، زاعمة أنها تغيرت من ناحية نهج حُكمها، وأطلقت محادثات مع عددٍ من رؤساء الدول. مع هذا، تعاني الحركة من أزمات خطيرة فيما يخص شرعيتها محليًّا وخارجيًّا. على المستوى المحلي، واجهت طالبان موجات مختلفة من الاحتجاجات والمقاومة في عموم البلاد، في إشارة إلى حالة سخط تعم أرجاء البلاد ضد حكمهم.

وخارجيًّا، مرّر مجلس الأمن الدولي قرارًا في مارس 2020، مُعلنًا أنه لن يعترف أو “يدعم إعادة إمارة أفغانستان الإسلامية”. وتعزز هذا القرار بقرار آخر في أغسطس 2021 والذي يطالب بحكومة شاملة واحترام حقوق الإنسان. تعهد جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي ودول أخرى في منتديات واجتماعات مختلفة مرارًا بأنهم لن يعترفوا بسيطرة طالبان على أفغانستان، وذلك بالرغم من تعهد هذه الدول بتقديم معونات إنسانية. ويشمل ذلك دولًا دعمت تقليديًّا أو مؤخرًا فقط (سواء كان ذلك علنًا أو ضمنيًّا) حركة طالبان، بما فيها باكستان والصين وروسيا وإيران وقطر.

إن احتمال الاعتراف بطالبان من قبل الأمم المتحدة ودول أخرى، لن يقوّض بعض المبادئ المهمة للقانون الدولي فحسب، لكن سيكون له أيضًا تداعيات دولية ومحلية خطيرة. بالرغم من أن الاعتراف بطالبان قد يقوّض محليًّا من حق الأفغان في تقرير المصير – المكرّس في ميثاق الأمم المتحدة – إلا أنه سيشجّع أيضًا على المستوى الدولي منظمات إرهابية أخرى حول العالم للإطاحة بحكومات ثم المطالبة باعتراف دولي كحكومة شرعية تمثل الدول التي سيطروا عليها.

هل تفي طالبان بشروط القانون الدولي اللازمة للاعتراف بها؟

زعمت طالبان أن سيطرتها على “جميع الحدود والأراضي والمدن الرئيسية لأفغانستان” وتشكيلها “حكومة الشعب” يجعلانها تستحق اعترافًا دوليًّا ومقعد أفغانستان في الأمم المتحدة. لكن هناك مشكلة ذات وجهين لهذه الحجة: أولًا، مبدأ السيطرة الفعلية ليس كافيًا ولا حتى هو الشرط الأساسي للاعتراف أو الحصول على مقعد في الأمم المتحدة. تقليديًّا، يتطلب الاعتراف الدولي وفاء الحكومة الجديدة بأربعة شروط: (1) السيطرة الفعلية (2) الدعم الشعبي والشرعية المحلية (3) الدوام والاستقرار (4) القدر والرغبة في الوفاء بالتزامات دولية. ثانيًا، تفتقر طالبان كثيرًا لشرعية محلية بحسب أي معايير.

يشدد القانون الدولي على نحو متزايد على أن شرعية الحكومات تأتي سواء عبر انتخابات أو استفتاءات أو نوع من مشاركة الجمهور. على سبيل المثال، في عام 2013 عندما أعلن وزير الدفاع المصري نهاية حكومة “محمد مرسي”، ربط المجتمع الدولي اعترافه بأي حكومة جديدة بعقد انتخابات برلمانية فورية. في عام 1974، علقت الجمعية العامة للأمم المتحدة عمليًّا تمثيل جنوب أفريقيا عبر حكومتها بسبب سياساتها العنصرية، وذلك حتى عُقدت أول انتخابات ديمقراطية في هذا البلد عام 1994.

سيطرت طالبان على أفغانستان بالقوة وشرعت في ضمان تثبيت أركان حُكمها، ليس عبر انتخابات أو وسائل مماثلة، ولكن عبر عمليات قتل خارج إطار القانون وطرد جماعي للأقليات وتعذيب أي معارض. بعد يوم فقط من سيطرة طالبان على كابل، وافق جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي على أن الاعتراف بحكومة مفروضة بالقوة ليس خيارًا لأن هذا سيشجّع عمليات سيطرة عنيفة على الحكم والإطاحة بأنظمة شرعية في أماكن أخرى. وبحسب هذا المقياس، فإن سيطرة طالبان كانت أكثر عنفًا مما حدث في مصر، وكان حكمها عنيفًا مثل حكم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إن لم يكن أكثر عنفًا منه.

لم تعقد طالبان أي انتخابات أو استفتاءات أو “لويا جيرغا” (وهو اجتماع كبير يُستخدم تقليديًّا في أفغانستان لانتخاب حكومات والتصديق على دساتير) للسماح للأفغان بالتعبير عن آرائهم بشأن حكومتهم. أعلنت حركة طالبان مرارًا أنها لن تعقد انتخابات من أجل تشكيل حكومة. عوضًا عن هذا، طرحت طالبان مجلسًا وزاريًّا جميع أعضاؤه من الذكور، ويخلو بالكامل من أي تمثيل ديني أو عِرقي، وتولت شخصيات صنفتها الأمم المتحدة إرهابية مناصب وزارية في هذه الحكومة. بدلا من الاعتراف بدور المرأة في الحكومة والمجتمع، ألغت طالبان ببساطة وزارة المرأة واستبدلتها بوزارة “الأمر بالمعروف” التي تمارس أعمال شرطة أخلاقية ودينية. واصلت طالبان قتل موظفين حكوميين سابقين وارتكاب جرائم تطهير عرقي عبر قيامها بطرد جماعي لعرقية “الهزارة” بصورة أساسية – وأشخاص ينتمون لجماعات عرقية أخرى أيضًا – من قراهم وبلداتهم في أقاليم مختلفة في أفغانستان.

واجهت شرعية طالبان تحديًا منذ سيطرتها على كابل وذلك عبر احتجاجات متواصلة وعصيان مدني ومواجهات عنيفة متزايدة. تواجه طالبان احتجاجات مثل حركة العَلَم واحتجاجات حقوق المرأة وإضرابات مطالبة بتعليم الفتيات ومظاهرات ضد التهجير القسري والدعم الشعبي لقوات المقاومة في إقليم “بانجشير” وظهور مقاومة مناهضة لطالبان في أجزاء مختلفة من البلاد. وقد واصلت هذه الاحتجاجات تحدّي زعم طالبان بسيطرتها المطلقة على البلاد. وبالرغم من سيطرة الحركة على إقليم “بانجشير”، استمرت “جبهة المقاومة الوطنية”، كما امتدت صراعات متفرقة إلى أقاليم أخرى. مؤخرًا، كسبت المقاومة مزيدًا من الزخم بعد تشكيل “المجلس الأعلى للمقاومة الوطنية في جمهورية أفغانستان الإسلامية”.

لا تلبّي حركة طالبان شروط مبدأ السيطرة الفعلية، حتى بمعناها الكلاسيكي، لأنها لم تكن مطلقًا حركة مستقلة، لكنها مجرد وكيل يستخدمه جهاز الاستخبارات الباكستاني. لقد تأكدت سيطرة جهاز الاستخبارات الباكستاني على طالبان بواسطة تقارير إخبارية ودبلوماسيين دوليين ومستشارين عسكريين سابقين، بما فيهم “كريستوفر أليكسندر” و”جاسون كريسهوك”. أكد مسؤولون سابقون في باكستان، من بينهم رئيس الأركان الباكستاني الأسبق “ميرزا إسلام بيغ”، والمدير العام السابق للاستخبارات الباكستانية “أسد دوراني”، صراحة على أن لباكستان نفوذًا على طالبان وأنها تعمل كوكيل لبلدهم. وفي تطور فاضح، أشار تسجيل مسرب بصوت عضو في حركة طالبان، إلى أنه أثناء زيارة “فايز حميد” المدير العام للاستخبارات الباكستانية إلى كابل في مطلع سبتمبر الماضي، كان هذا الرجل منخرطًا بشكل كبير في تشكيل المجلس الوزاري المؤقت لحركة طالبان.

الأهم من هذا، كيف يمكن للأمم المتحدة أو أي دولة أن تعترف بحكومة تضم وزراء، من بينهم وزير الداخلية، تصنفهم الأمم المتحدة ودول أخرى على أنهم إرهابيون؟ منذ سيطرتها على كابل، لم تتخل طالبان عن أفعالها الإرهابية، ولم تقطع علاقاتها مع شبكات إرهابية أخرى. وعلى العكس منذ ذلك، فإن الحركة باتت على وشك بناء جيش من مفجّرين انتحاريين. مؤخرًا، نظمت الحركة عرضًا رسميًّا لمفجرين انتحاريين وسيارات مفخخة، بينما أشاد التلفزيون الرسمي بهؤلاء الانتحاريين. وفي حدث لاحق، احتفلت طالبان وكافأت عائلات أشخاص فجروا أنفسهم على مدار السنوات العشرين الماضية وذلك في تجمّع رسمي في فندق “انتركونتيننتال” في كابل، وهو الفندق ذاته الذي قُتل فيه ما يزيد على 100 مدني جراء عدة هجمات. تعهّد “سراج الدين حقاني” بتقديم أراضٍ ونقود والمزيد من الهدايا لعائلات المفجّرين الانتحاريين.

في وقت سابق، نشرت طالبان عددًا من كتائب الانتحاريين على الحدود في حالة اندلاع حرب مع دول مجاورة. كشف تقرير أصدرته الأمم المتحدة في يونيو 2021 أن طالبان لم تقطع علاقتها مع تنظيم القاعدة، والذي احتفل مؤخرًا بانتصار طالبان، داعيًا إلى “تحرير” بقية العالم الإسلامي. منذ سيطرة طالبان على أفغانستان، تحولت البلاد إلى وجهة جذابة للعديد من الإرهابيين. إن الاعتراف بطالبان كحكومة شرعية ومنحهم مقعدًا في الأمم المتحدة سيكون بالتأكيد بمثابة دفعة معنوية لمنظمات إرهابية في وسط وجنوب آسيا وبقية العالم، وسيجعلها تتبع نهج طالبان للوصول للسلطة.

هل حكومة طالبان المؤقتة وغير المستقرة برئاسة قائد أعلى مجهول مؤهلة لكسب اعتراف دولي؟

عندما انهار نظام طالبان عام 2001، سيطر الناتو وقوات أفغانية على سكان وأراضي البلاد بأكملها تقريبًا في أول بضع سنوات قبل أن تعاود طالبان الظهور. والآن، تزعم الحركة سيطرتها على جميع أراضي أفغانستان بينما تشكل حكومة مؤقتة. في عام 1996، أنشأت طالبان حكومة مؤقتة أيضًا، والتي انهارت في نهاية المطاف. بالنظر إلى نهجهم الإقصائي وحُكمهم من القمة إلى القاعدة، فإن استقرار حكومة طلبان ليس مضمونًا تمامًا بالرغم من حضورهم الظاهري الواسع في عموم البلاد. بالإضافة إلى هذا، فشلت طالبان في أداء معظم وظائف الحكومة الأساسية. إنهم عاجزون حتى عن دفع رواتب موظفي الحكومة، ناهيك عن تقديم خدمات عامة أخرى. ومؤخرًا، أعلنت طالبان أنها ستقدم قمحًا مقابل العمل، وهو ما أُشير إليه بسخرية على أنه عودة إلى “اقتصاد يوسف”- في إشارة إلى الأحداث الدرامية في فترة النبي يوسف، والتي كان يُدفع خلالها بضائع (بما فيها القمح) مقابل العمل.

علاوة على هذا، هناك تحدٍّ آخر أمام الاعتراف بطالبان ومنحهم مقعدًا في الأمم المتحدة، وهو أن القائد الأعلى للحركة لا يزال غامضًا، لدرجة أن لا أحد يستطع تأكيد وجوده أو موته. هذا أمر مهم للغاية للاعتراف لأن القائد الأعلى هو السلطة الوحيدة والتجسيد المطلق للحكومة الشمولية. وبالرغم من ادعاء طالبان مؤخرًا أن قائدها الأعلى ألقى خطابًا في قندهار، إلا أن ذلك لم يؤكده سوى أعضاء طالبان، ولا توجد صور لهذا الخطاب، ولم تنشر الحركة إلا تسجيلًا صوتيًّا مسموعًا بالكاد لهذا القائد. وذلك ليس أمرًا جديدًا على طالبان، إذ كان الأمير الأول لطالبان “الملا عمر” يصدر رسائل وأوامر للجماعة على مدار عامين بعد موته. يبدو أن الدائرة المقربة للغاية من الملا عمر ومسؤولي الاستخبارات الباكستانية فقط هم الذين كانوا يعلمون بوفاته وبالمسرحية التي غطت على هذا الأمر. يثير هذا سؤالاً لا إجابة له حول مَن الشخص الذي قاد عنف الحركة في أفغانستان؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي الاعتراف بنظام شمولي برئاسة حاكم مطلق مجهول الهوية؟

هل لدى طالبان القدرة والإرادة للوفاء بالتزاماتها الدولية؟

إن أفغانستان طرف في العديد من قوانين حقوق الإنسان الدولية، من بينها المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فضلًا عن اتفاقية جنيف، وميثاق الأمم المتحدة، ونظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. وفي خطوة جريئة أخرى، دعم دستور عام 20004 الإعلان العالمي غير المُلزم لحقوق الإنسان باعتباره قانونًا محليًا، وألزم الدولة الأفغانية باحترام جميع الحقوق الواردة فيه.

تُلزم قوانين حقوق الإنسان الدولية الدول بعدم التمييز ضد المواطنين، واحترام وحماية حقوقهم، بما فيها الحق في الحياة، والحق في حرية التعبير، وحق التعليم، وحق العمل، وحق الملكية، وحق التمثيل وتقرير المصير، وحق الحرية الدينية. لم تظهر طالبان أي إشارة على نيتها الوفاء بأي من هذه الالتزامات القانونية الدولية، ومنذ ظهورها في التسعينيات، انتهكت الحركة العديد من المعاهدات الدولية. لقد انتهكت الحركة حقوق النساء عبر رفضها السماح لهن بالعمل أو التعليم، كما انتهكت حق الحياة عبر قتلها مئات وآلاف المدنيين أو موظفين حكوميين سابقين في أقاليم مثل “دايكوندي” و”نينغرهار” و”بلخ” وعدد من الأقاليم الأخرى، وارتكبت الحركة جريمة التطهير العرقي بحق ثلاثة آلاف من عرقية “الهزارى” الذين هُجِّروا قسريًّا من قراهم في “دياكوندي” و”هيلماند” و”غازني” و”بلخ” و”أورزغان”، كما طردت الحركة سكان إقليم “بانجشير” وولاية “قندهار” من قراهم أيضًا.

ماذا يعني الاعتراف بطالبان؟

إن الاعتراف بطالبان من جانب الأمم المتحدة أو أي دولة أخرى، يعني الاعتراف بالإرهاب وقبول انتهاكات حقوق الإنسان، وسيعني الاعتراف بتدخل دولة مجاورة بالشوؤن المحلية لدولة أخرى، وسيعني القبول بانتهاك القانون الدولي بعدة أشكال. والأهم من كل هذا، أن الاعتراف بطالبان سيقدّم نموذجًا جذابًا لجماعات إرهابية حول العالم: لو كان بإمكانهم الإطاحة بحكوماتهم، قد يمكنهم الحصول على اعتراف دولي.    

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا