بوليتيكو | هل نحن بصدد نهاية معاهدة السلام التي تحافظ على تماسك البوسنة؟

آية سيد

ترجمة: آية سيد

كان المجتمع الدولي – أو على وجه التحديد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة – في مأزق طويل الأمد على مدار الـ26 سنة الماضية، منذ أن جلبت اتفاقية دايتون نهاية للحرب الأهلية الدموية في البوسنة. كان من المفترض أن تكون دايتون الغراء القوي الذي خلق دولة موحدة جديدة من الفصائل العرقية المتناحرة في السابق. لكن كل بضعة أعوام، يتم تذكيرنا بأن الغراء ليس متماسكًا!

ومرة أخرى، نحن نشهد هذه الأزمة الآن، حيث تعثرت محادثات العضوية المتعلقة بدول غرب البلقان، ويهدد ميلوراد دوديك، الزعيم السياسي لصرب البوسنة، بالانسحاب من مؤسسات الدولة المشتركة – من ضمنها الجيش – والانفصال الفعلي عن الدولة البوسنية. لكن هذه المرة، ربما نحن ننظر إلى نهاية دايتون، ونتجاهل السبب الرئيسي.

عقب إعلان دوديك، لم يستغرق الأمر طويلًا من كريستيان شميدت، الذي عُيّن مؤخرًا المندوب السامي للبوسنة والهرسك – وهو منصب تابع للأمم المتحدة ويُمنح بصلاحيات قوية للإشراف على تطبيق اتفاقية دايتون – لكي يُلقي باللوم على دوديك.

في تقريره إلى مجلس الأمن، ذكر شميدت أن البوسنة تواجه أكبر “تهديد وجودي لها في فترة ما بعد الحرب”، إذا لم يكبح المجتمع الدولي الأعمال الانفصالية لصرب البوسنة. وطالب بـ (وحصل على) تمديد للقوة العسكرية الأوروبية الصغيرة في المنطقة.

غير أنه من المهم عدم إغفال أن تهديدات دوديك جاءت أيضًا كرد مباشر على قرار اتخذه سلف شميدت المنتهية ولايته، فالنتين إنزكو، الذي قرر في الأيام الأخيرة من ولايته التي امتدت لـ13 عامًا، فرض قانون يُجرّم بعقوبة تصل إلى السجن خمس سنوات إنكار أن المذبحة في سربرنيتسا كانت إبادة جماعية. ولنتوقف هنا للحظة لكي نكون واضحين: أكدت محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة أن مذبحة يوليو 1995 كانت إبادة جماعية. لا يمكن لشيء أن ينتقص من فداحة الجريمة!

لكن في أعقاب قراره، قال إنزكو شيئين مثيرين للاهتمام: أولًا، قال إنه يعلم العواقب المترتبة على قراره – وهي، كيف سيرد دوديك. وثانيًا، قال إن قراره بجعل إنكار الإبادة الجماعية جريمة جعل البوسنة والهرسك تتماشى مع المعايير الأوروبية. 

في النقطة الأولى، يقول إنزكو إنه من وجهة نظره، كان الأمر يستحق إثارة أكبر صراع في البوسنة منذ الحرب لكي يمرر هذا القانون – وهو شيء، بالنسبة إلى شخص شهد الحرب الوحشية في البوسنة وشارك في المفاوضات التي أدت إلى دايتون، أجد صعوبة في الاتفاق معه.

وفي النقطة الثانية – إنها مقبولة. من المنطقي أن تتماشى الدولة مع معايير الاتحاد الأوروبي لأنها ستصبح قريبًا عضوًا في الاتحاد الأوروبي – باستثناء أنها لن تفعل. إن قمة غرب البلقان لهذا العام، التي عُقدت في بردو بري كرانجو في سلوفينيا، أنهت فاعلية آمال دول غرب البلقان في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب. هوّن الاتحاد الأوروبي من حدة الموقف ببيانات تشجيعية وخطة اقتصادية واستثمارية سخية بقيمة 9 مليارات يورو. لكن قادة المنطقة وشعوبها يدركون عندما يُغلق الباب في وجههم.

لقد أنهت بردو آمال جيل بأكمله، الآمال التي بعثتها في البداية قمة أخرى في سالونيك في 2003 – أي منذ 18 عامًا – عندما صرّح البيان الرسمي: “يقع مستقبل البلقان داخل الاتحاد الأوروبي”. كانت جرأة عرض الاتحاد الأوروبي في 2003 هي ما مكّنت السياسيين الإقليميين من تقديم نقطة في الأفق لشعوبهم لكي يطمحوا إليها.

والأكثر أهمية، بالنسبة إلى منطقة شهدت جماعات عرقية تنقسم مؤخرًا بحدود جديدة، فقد وعدت بالعودة إلى زمن حيث لم تكن تلك الحدود لها أهمية كبيرة، لتصبح علامات للتمييز وليس الانقسام. هذه الرؤية مكّنت السياسيين من الاستفادة من سلوكيات معينة من الناخبين الغاضبين والمتقلبين بخلاف ذلك. لكن بعد حرمانهم من رواية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد 18 عامًا من الترقب، لم يعد هؤلاء السياسيون يملكون الكثير ليَعِدوا به.   

بالنسبة إلى البوسنة والهرسك، وعدت عضوية الاتحاد الأوروبي بنزع فتيل المواجهة العرقية التي استمرت منذ توقيع دايتون. وعلى ذلك المستوى، كانت دايتون نجاحًا ضخمًا: لقد حافظت على السلام، وهو إنجاز ظن الكثيرون أنه سيكون مستحيلًا. وبعيدًا عن هذا، نجحت الدولة أيضًا في إعادة تأكيد الهوية البوسنية التي يفتخر بها الكثيرون.

بيد أن الواقعيين أدركوا دائمًا أن دايتون كانت طريقة جيدة لإنهاء الحرب لكن طريقة سيئة لبناء دولة. توجد أسباب عديدة وراء عدم نجاحها، لكن أحد الأسباب المهمة هو أن دايتون، على عكس اتفاقات السلام السابقة التي اقترحت هيكل كانتونات متعدد الأعراق، رسخت انقسام البوسنة إلى كتلتين عِرقيتين بدرجة كبيرة من الاستقلال الذاتي في دولة مشتركة لا مركزية.

حاول الممثلون السامون، أبرزهم الراحل لورد أشدون، مراجعة دايتون على مر السنوات عن طريق خلق مركز أقوى، وعلى مدار السنوات، قاوم صرب البوسنة على أساس أن هذا ليس ما وقعوا عليه. وهكذا، كان هناك – ولا يزال – صراع دائم بين مناشدات الممثلين السامين بالمركزية وإصرار صرب البوسنة على اللامركزية.

في الـ18 عامًا منذ سالونيك، مضت البوسنة والهرسك قدمًا متحملةً الخلاف بين الجماعات العرقية على أمل أن عضوية الاتحاد الأوروبي قادمة. لكن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع الجمع بين نقيضين! إنه لا يستطيع فرض المعايير الأوروبية من خلال حاكم غير منتخب، إذا كانت تلك المعايير الأوروبية لا تؤدي إلى أي مكان.

على النقيض، يرى الرئيس الأمريكي جو بايدن البوسنة وكوسوفو عملًا غير منتهي، وأعرب بالفعل عن أن الولايات المتحدة مستعدة للتدخل في حل هذه الأزمات القائمة منذ فترة طويلة. إنه يملك فريقًا متمرسًا من خبراء البلقان في وزارة الخارجية وأرسل بالفعل واحدًا منهم، وهو جابي إسكوبار، إلى البوسنة لتهدئة الأمور، نازعًا بخفة الدور القيادي من قبضة الأوروبيين الضعيفة.

إنه أمر استثنائي أن يقع على عاتق الولايات المتحدة نزع فتيل أزمة داخل أوروبا نفسها. هذه الحادثة تضر بشدة بمكانة الاتحاد الأوروبي وسلطته، والولايات المتحدة ليست القوة العالمية الوحيدة التي ستتدخل في هذا الفراغ.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يهتم بقدر ما يقول إنه يفعل بالسلام والاستقرار في البوسنة، ينبغي أن يتوقف عن التذمر من أعراض المشكلة ويعالج السبب، عبر تقديم خارطة طريق واضحة للبوسنة والدول الأخرى في المنطقة والتي ستكافئ الخيارات الصعبة بالعضوية.

وفي النهاية، ربما سنجد في أحد الأيام أن الغراء قد تماسك.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا