ذا موسكو تايمز | الاضطراب الخطير في المناطق الحدودية لأوروبا

آية سيد

رؤية

ترجمة: آية سيد

سيطرت التوترات على المناطق الحدودية الشرقية للاتحاد الأوروبي عدة مرات على مدار العقدين الماضيين. لكن تلك التي شهدها الأسبوعان الماضيان غير مسبوقة. للمرة الأولى، الدول السلافية الشرقية الثلاث (بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا) متورطة في نفس الوقت. ونطاق القضايا المطروحة – القوة العسكرية وتجارة الطاقة وتدفقات المهاجرين – أوسع من أي وقت مضى. لقد أصبحت المنطقة مُعقدة وغير قابلة للتنبؤ وخطيرة على نحو متزايد.

يوجد عاملان يحركان هذه الأمور. أولًا، بالرغم من قمعه للمظاهرات التي عمّت أنحاء البلاد العام الماضي، يعلم ألكسندر لوكاشينكو أن بيلاروسيا ليست مستقرة. إنه يسعى إلى ترهيب الغرب وليس استعادة العلاقات معه، بدافع الشعور بالغضب والتهديد من عقوبات الغرب ورفض الاعتراف به كرئيس، ولا شك أن أزمة المهاجرين المصطنعة، والتهديد الفارغ بقطع عبور الغاز، يكشفان اليأس العقيم لطاغية غير آمن يغيب عنه حسن التقدير. إن النظام البيلاروسي، الذي كان ديكتاتورية منذ فترة طويلة، يصبح منبوذًا.

المصدر الثاني للاضطراب هو استياء روسيا المتزايد من الوضع الراهن في أوكرانيا. لا ترغب روسيا في “تجميد” الصراع الذي أشعلته، وإنما فرض المزيد من التغيير. لكن في حين أن روسيا تظل ملتزمة علنًا باتفاقيات مينسك – التي وفقًا لتفسيرها تعطي أوكرانيا طابعًا اتحاديًّا وتعمق النفوذ الروسي – فإنها لا تملك طريقة سلمية لتحقيق هذا. إن قرار روسيا الاستثنائي في خرق للبروتوكول بنشر المراسلات الأخيرة مع فرنسا وألمانيا، يشير إلى أنها تفقد اهتمامها بالدبلوماسية. وتعزيزاتها العسكرية على حدود أوكرانيا في حد ذاتها لن تغير الآراء في برلين أو باريس أو واشنطن، ناهيك عن كييف.

وبالتالي الخيار الوحيد لروسيا هو القيام بتصعيد عسكري جديد، وهذا سيترتب عليه عدد كبير من الخسائر وعقوبات اقتصادية ومالية قاسية، غير أن القادة الغربيين لا يستطيعون الافتراض بأن بوتين يقيّم المخاطر مثلما قد يفعلون لو كانوا في مكانه. إن مقاله الأخير المكوّن من 5 آلاف كلمة حول “الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين” يشير إلى طموحات تمتد بعيدًا عن الأمور التي تعالجها اتفاقيات مينسك.

هذا فضلًا عن أن صراع لوكاشينكو من أجل البقاء ومخططات روسيا لأوكرانيا، ليسوا مزعزعين للاستقرار فحسب؛ بل مترابطون أيضًا. وعلى الرغم من علاقتهما الصعبة، بوتين لديه مصلحة مُلحة في دعم لوكاشينكو. إن بيلاروسيا الحرة لن تسعى فقط إلى علاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، بل ستقدّم تهديد النموذج الديمقراطي إلى روسيا، مثلما فعلت ثورات أوكرانيا في 2004 و2014.

وتشير تدريبات المظلات المشتركة بالقرب من الحدود البولندية، ودعم روسيا الرمزي بطلعات جوية للقاذفات النووية، وسابقة أزمة المهاجرين المصطنعة التي قامت بها روسيا ضد النرويج وفنلندا في 2015 – 2016.. كلها تشير إلى رابط بين السياسات الروسية والبيلاروسية. سوف تدرس روسيا أيضًا ردود الأفعال على تصرفات بيلاروسيا لقياس العزم الغربي.

لقد أدت الأحداث الأخيرة بالفعل إلى آثار ملحوظة. أولًا، إنها تُظهر أن بيلاروسيا وروسيا يمكنهما أخد زمام المبادرة، وتهديد الوضع الراهن وتسريع الأزمات التي سرعان ما تصبح عسكرية. ثانيًا، إنها تشكّل اختبارات جديدة للعقوبات، وهي أداة سياسية غربية رئيسية. تسعى إجراءات الاتحاد الأوروبي الجديدة إلى وقف سلسلة الإمداد المعقدة لوكالات السفر، وخدمات التأشيرات والرحلات التي تمكن بيلاروسيا من تحويل مأساة المهاجرين إلى شكل جديد من العدوان الفعلي على جيرانها. يسعى الغرب أيضًا لاستخدام إمكانية فرض عقوبات مستقبلية قاسية ضد روسيا لتجنب الغزو الجديد لأوكرانيا.

حملة منسقة

ثالثًا، إنها تميز المرحلة الأخيرة من حملة ضغط روسية منسقة ضد أوروبا والتي بدأت بعد فترة قصيرة من تولي إدارة بايدن المنصب. في فبراير، هددت روسيا بقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأهانت الممثل السامي جوزيب بوريل أثناء زيارته إلى موسكو. وفي أبريل قامت بتعزيز ضخم للقوات على حدود أوكرانيا. وفي الشهر الماضي رفضت إمداد غاز إضافي للتخفيف من النقص المؤقت، في الوقت الذي ألمحت إلى أن الموافقة النهائية على خط غاز نورد ستريم 2 ستحل هذه المسألة.

كان بإمكان روسيا طمأنة أوروبا بموثوقيتها كمزوّد عن طريق تقديم كميات إضافية – وهي خطوة ذكية كان من الممكن أن تُسهّل الموافقة على نورد ستريم 2. لكن بوتين اختار الضغط على الطمأنة. لقد أخبر وزير الخارجية أن أعمال روسيا الأخيرة أثمرت عن “توتر معين” والذي “ينبغي الحفاظ عليه لأطول فترة ممكنة”.

وأخيرًا، لا يوجد ما يشير إلى أن روسيا تسعى إلى العلاقة “المستقرة والقابلة للتنبؤ” التي تأمل بها أمريكا، ولا إلى أن بيلاروسيا ستتوقف عن التسبب بمشاكل لأوروبا. على العكس، هناك خليط متقلب من الانتقام، وانعدام الأمن، واللاعقلانية والقوة العسكرية يغذي التوتر والاضطراب في المنطقة. في أسوأ الأحوال، قد يؤدي هذا إلى أخطر أزمة في العلاقات الروسية – الغربية منذ 40 عامًا.

لقراءة النص الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا